الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السبب الثالث : ترك الإيصاء ، فإذا مرض المودع مرضا مخوفا ، أو حبس للقتل ، لزمه أن يوصي بها . فإن سكت عنها ، ضمن ؛ لأنه عرضها للفوات ، إذ الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها لنفسه .

                                                                                                                                                                        والمراد بالوصية : الإعلام والأمر بالرد من غير أن يخرجها من يده ، وهو مخير في هذه الحالة بين الإيداع والاقتصار على الإعلام والأمر بالرد . ثم يشترط في الوصية بها أمور . أحدها : أن يعجز عن الرد إلى المالك أو وكيله ، وحينئذ يودع عند الحاكم أو يوصي إليه . فإن عجز ، فيودع عند أمين ، أو يوصي إليه . كذا رتب الجمهور ، [ ص: 330 ] كما إذا أراد السفر . وفي التهذيب : أنه يكفيه الوصية وإن أمكن الرد إلى المالك ؛ لأنه لا يدري متى يموت .

                                                                                                                                                                        الثاني : أن يوصي إلى أمين . فإذا أوصى إلى فاسق ، كان كما لو لم يوص ، فيضمن ، ولا بأس بأن يوصي إلى بعض ورثته ، وكذا الإيداع حيث يجوز أن يودع أمينا .

                                                                                                                                                                        الثالث : أن يبين الوديعة ويميزها عن غيرها بإشارة إليها ، أو ببيان جنسها وصفتها . فلو لم يبين الجنس ، بل قال : عندي وديعة ، فهو كما لو لم يوص .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو ذكر الجنس فقال : عندي ثوب لفلان ، نظر إن لم يوجد في تركته ثوب ، فهل يضمن ؟ وجهان . أصحهما عند جماهير الأصحاب : يضمن ، لتقصيره في البيان ، فيضارب صاحب الوديعة بقيمتها مع الغرماء . وإن وجد في تركته أثواب ، ضمن قطعا ؛ لأنه إذا لم يميز ، فكأنه خلط الوديعة . وإن وجد ثوب واحد ، ضمن أيضا على الأصح ، ولا يدفع إليه الثوب الموجود . وقيل : يتعين الثوب الموجود ، وبه قطع البغوي والمتولي . وفي أصل المسألة وجه : أنه إنما يضمن إذا قال : عندي ثوب لفلان ، وذكر معه ما يقتضي الضمان . فأما إذا اقتصر عليه ، فلا ضمان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال الإمام : إذا لم يوص أصلا ، فادعى صاحب الوديعة أنه قصر ، وقال الورثة : لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير ، فالظاهر براءة الذمة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 331 ] فرع

                                                                                                                                                                        جميع ما ذكرناه إذا تمكن من الإيداع ، أو الوصية ، فإن لم يتمكن ، بأن قتل غيلة ، أو مات فجأة ، فلا ضمان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا مات ولم يذكر أن عنده وديعة ، فوجد في تركته كيس مختوم ، أو غير مختوم ؛ مكتوب عليه : وديعة فلان ، أو وجد في جريدته : لفلان عندي كذا وديعة ، لم يلزم الورثة التسليم بهذا ؛ لاحتمال أنه كتب هو أو غيره تلبيسا ، أو اشترى الكيس وعليه الكتابة فلم يمحها ، أو رد الوديعة بعد كتابتها في الجريدة ولم يمحها ، وإنما يلزم التسليم بإقراره أو إقرار المورث ووصية أو بينة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية