الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الرابعة : أوصى بأمته الحامل من زوجها لزوجها ، ولابن لها حر ، ومات ، وخرجت كلها من الثلث ، وقبلا الوصية وهما موسران ، نظر إن قبلا معا ، عتقت الأمة كلها على ابنها ، نصفها بالملك ، والباقي بالسراية ، وعليه للزوج نصف قيمتها ، ويعتق الحمل عليهما بالسوية .

                                                                                                                                                                        أما نصيب الزوج ، فلأنه ولده .

                                                                                                                                                                        وأما نصيب الابن ، فلأن الأم عتقت عليه .

                                                                                                                                                                        والعتق يسري من الحامل إلى ما يملكه المعتق من حملها .

                                                                                                                                                                        ولا يقوم نصيب واحد منهما على الآخر ; لأن العتق عليهما حصل دفعة واحدة ، فأشبه ما إذا اشترى ابنان أباهما ، فإنه يعتق عليهما ولا تقويم ، وإن قبل أحدهما قبل الآخر ، فإن قلنا : يحصل الملك بالموت ، أو قلنا : بالوقف ، فالجواب كذلك ; لأن وقت الملك واحد وإن اختلف وقت القبول .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : يحصل بالقبول ، فإن تقدم قبول الابن ، عتقت الأمة والحمل عليه .

                                                                                                                                                                        أما الأم ، فبالملك والسراية ، وأما الحمل فبسراية عتق الأم إليه ، وعليه للزوج نصف قيمتها .

                                                                                                                                                                        وإن تقدم قبول الزوج ، عتق جميع الحمل عليه ، النصف بالملك ، والباقي بالسراية ، فيغرم نصف قيمته يوم الولادة للابن ، ولا يعتق عليه من الأمة شيء .

                                                                                                                                                                        فإذا قبل الابن عتق عليه جميعها بالملك والسراية ، وغرم للزوج نصف قيمتها .

                                                                                                                                                                        قلت : ويجيء وجه : أن الأمة تعتق على الزوج تفريعا على قول الأستاذ أبي إسحاق : إن عتق الجنين يسري إلى عتق الأم .

                                                                                                                                                                        والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 146 ] وأما إذا قبل الزوج وحده ، فيعتق عليه الحمل ، نصفه بالملك ، ونصفه بالسراية ، فيغرم نصف قيمته لورثة الموصي ، ولا يسري العتق من الحمل إلى الأم ; لأن الحمل تبع لها ، وليست تبعا له .

                                                                                                                                                                        قلت : وفيه وجه أبي إسحاق .

                                                                                                                                                                        والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإن قبل الابن وحده ، عتقا عليه [ جميعا ] ، وغرم نصف قيمتها لورثة الموصي .

                                                                                                                                                                        قلت : قد كرر الإمام الرافعي نصف القيمة في هذه المسألة كما قاله غيره .

                                                                                                                                                                        والقياس : أنه يجب قيمة النصف ، وهي أقل ; لأنه إنما أتلف نصفا .

                                                                                                                                                                        والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الخامسة : أوصى لإنسان بمن يعتق عليه ، [ كأبيه وابنه ] ، لم يجب عليه قبول الوصية ، كما لا يجب شراؤه [ إذا قدر عليه ] ، بل له الرد على الصحيح .

                                                                                                                                                                        وقيل : يمنع الرد إن قلنا : يملك بالموت ; لأنه يعتق عليه ، وبه قطع المتولي تفريعا على هذا القول والجمهور على خلافه ، وأنه لا يعتق عليه قبل قبوله .

                                                                                                                                                                        ثم إن رد فذاك ، وإن قبل وقلنا : يملك بالقبول ، عتق عليه حينئذ .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : بالموت ، أو موقوف ، تبين أنه عتق عليه يوم الموت .

                                                                                                                                                                        ولو ملك ابن أخيه ، وأوصى به لأجنبي ، ووارثه أخوه ، فقبل الموصى له الوصية ، فهو للأجنبي إن قلنا : يملك بالموت أو موقوف .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : يملك بالقبول ، وأنه قبل القبول للوارث ، فمقتضاه العتق على الوارث يوم الموت ، لكن المنقول عن الأصحاب أنه لا يعتق عليه كي لا تبطل الوصية .

                                                                                                                                                                        ولو أوصى لشخص بابنه ، ومات الموصى له بعد موت الموصي وقبل القبول ، فأوجه .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن الرد يمنع ، لعتقه عليه بالموت إذا قلنا : يملك به .

                                                                                                                                                                        والثاني : ليس للوارث قبوله ، لما فيه من العتق على الميت بغير إذنه وإثبات [ ص: 147 ] الولاء له .

                                                                                                                                                                        هذا إذا قلنا : إن العتق إذا حصل وقع على الميت ، وسنذكر الخلاف فيه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        وهذان الوجهان ضعيفان جدا .

                                                                                                                                                                        والثالث وهو الصحيح : أن الوارث يقوم مقامه في الرد والقبول ؛ لنيابته عنه في حقوقه .

                                                                                                                                                                        فإن قبل ، فهو كقبول الموصى له بنفسه إن قلنا : يملك بالموت ، أو موقوف .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : يملك بالقبول ، نظر .

                                                                                                                                                                        فإن لم يكن بين الموصى به ، ووارث الموصى له قرابة تقتضي عتقه عليه ، بأن كان الوارث أخا الموصى له ، فهل نحكم بعتقه ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : لا ، وبه قطع ابن الصباغ وآخرون .

                                                                                                                                                                        وأصحهما : نعم ; لأن الموصي إنما أوجب الملك للموصى له فلا يثبت لغيره ، وإنما اعتبرنا قبول وارثه نيابة ، وهذا كما لو نصب شبكة في حياته وتعلق بها صيد بعد موته ، فإنا نحكم بثبوت الملك له .

                                                                                                                                                                        وإن كان بين الموصى به ووارث الموصى له قرابة تقتضي العتق ، بأن كان الوارث أبا الموصى له ، حكم بعتق الموصى به قطعا .

                                                                                                                                                                        ويعود الوجهان ، في أنه يعتق على الموصى له ، أم على وارثه ؟ وأن الولاء لمن يثبت ؟ فإن قلنا : عن الموصى له ، قال الإمام : يسند العتق إلى ألطف زمان قبل موت الموصى له .

                                                                                                                                                                        وإذا لم نحكم بالعتق فيما إذا لم يكن بينهما قرابة ، فهل تقضى منه ديون الموصى له ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : نعم كديته فإنه تقضى منها ديونه وإن قلنا : إنها تثبت للورثة ابتداء .

                                                                                                                                                                        هذا حكم العتق .

                                                                                                                                                                        وهل يرث الذي عتق من الموصي ؟ أما إذا قبل بنفسه ، فينظر ، إن قبل في صحته ، فنعم .

                                                                                                                                                                        وإن قبل في مرض موته ، فإرثه مبني على أن عتقه إذا حصل الملك فيه لا بعوض ، بل بإرث ، أو هبة ، أو قبول وصية ، هل يعتبر من الثلث ، أم من رأس المال ؟ وفيه وجهان مذكوران في كتاب العتق .

                                                                                                                                                                        إن قلنا : من الثلث ، لم يرثه ، وإلا ، ورث ، وهو الأصح .

                                                                                                                                                                        وإن مات قبل القبول ، وقبل وارثه ، فإن حكمنا بالحرية عند القبول ، [ ص: 148 ] لم يرث ، لرقه .

                                                                                                                                                                        وإن حكمنا بها عند الموت ، فإن كان القابل ممن يحجبه الموصى به كالأخ ، لم يرث ; لأنه لو ورث لحجب الأخ وأخرجه عن كونه وارثا ، ولبطل قبوله .

                                                                                                                                                                        وإن كان لا يحجبه ، كابن الأخ ، فالصحيح : أنه لا يرث أيضا ، للدور في نصفه .

                                                                                                                                                                        وقيل : يرث .

                                                                                                                                                                        وقال الداركي : إن ثبت القبول للموصى له وهو مريض ، لم يرث ; لأن قبول ورثته كقبوله ، ولو قبل لكان وصية ، والإرث لا يجامعها .

                                                                                                                                                                        فرع : أوصى له بمن يعتق عليه ، فمات الموصى له عن ابنين ، فالقول في قبولهما تفريعا على الأقوال في وقت الملك كما سبق .

                                                                                                                                                                        والمذهب صحته ووقوع العتق عن الميت .

                                                                                                                                                                        وإن قبل أحدهما فقط ، صح القبول في النصف ، وعتق على الميت .

                                                                                                                                                                        ثم قال ابن الحداد وآخرون : ينظر ، إن ورث القابل من الموصى له ما يفي بباقي قيمة الموصى به ، قوم عليه الباقي فيما ورثه ، وإلا فلا يقوم عليه ، ولا اعتبار بيسار القابل في نفس ، ولا يثبت التقويم في نصيب الذي لم يقبل من التركة .

                                                                                                                                                                        أما عدم اعتبار يساره ، فلأن العتق وقع عن الميت ، فلا يكون التقويم على غيره .

                                                                                                                                                                        وأما عدم ثبوته في نصيب الذي لم يقبل ، فلأن سبب العتق القبول ، فالذي لم يقبل لم ينسب إليه .

                                                                                                                                                                        ولك أن تقول : وإن لم ينسب إليه ، فهو معترف بعتق نصيب القابل واقتضائه التقويم ، فالتقويم كدين يلحق التركة .

                                                                                                                                                                        وقال الشيخ أبو علي : يجب أن لا يقوم على الميت ، ويقصر العتق على القدر المقبول لمعنيين .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن الملك حصل للميت بغير اختياره ، بل بقبول الوارث ، فأشبه ما إذا ورث شقصا من عبد فعتق عليه ، لا يقوم الباقي .

                                                                                                                                                                        والثاني : أن العتق يحصل بعد موته ، ولا مال له حينئذ ، فأشبه ما إذا أعتق شقصا بعد الموت ، لا يقوم الباقي .

                                                                                                                                                                        قال : ورأيت [ ص: 149 ] هذا لبعض الأصحاب ، وللأولين أن يقولوا : إنما حكمنا بالعتق على الميت لجعلنا الوارث نائبا عنه ، فكيف ينتفي اختياره مع النيابة ؟ لكنهما حكميان .

                                                                                                                                                                        وأما الثاني : فلا يسلم أن العتق يحصل بعد الموت ، بل يستند إلى قبيل الموت كما سبق .

                                                                                                                                                                        ثم ولاء ما عتق منه للميت .

                                                                                                                                                                        وهل يشترك فيه الابنان ، أم ينفرد به القابل ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        ولو أوصى لإنسان ببعض من يعتق عليه ، ومات الموصى له ، وقبل وارثه ، فالقول في عتقه على الميت وتقويم الباقي عليه على ما ذكرناه في هذه المسألة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية