فصل
وأما ، ففي مصرفها ثلاثة أقوال ، أظهرها : أنها أربعة أخماس الفيء . والثاني : للمرتزقة المرصدين للجهاد . والثالث : أنها تقسم كما يقسم الخمس ، فيقسم جميع الفيء على الخمسة الذين ذكرناهم ، وهذا غريب . فعلى الثاني : نبدأ بالأهم [ ص: 359 ] فالأهم . وأهمها تعهد المرتزقة . وكذا حكم خمس الخمس . فالقولان الأولان متفقان على أن المصرف المرتزقة ، وإنما يختلفان فيما فضل عنهم . للمصالح
فرع
: وللإمام في القسمة على المرتزقة وظائف
إحداها : يضع ديوانا . قال في الشامل : وهو الدفتر الذي يثبت فيه الأسماء . فيحصي المرتزقة بأسمائهم ، وينصب لكل قبيلة أو عدد يراه عريفا ليعرض عليه أحوالهم ، ويجمعهم عند الحاجة ويثبت [ فيه ] قدر أرزاقهم .
قلت : نصب العريف مستحب . والله أعلم .
الثانية : يعطي كل شخص قدر حاجته ، فيعرف حاله وعدد من في نفقته وقدر نفقتهم وكسوتهم وسائر مؤنتهم ، ويراعي الزمان والمكان ، وما يعرض من رخص وغلاء ، وحال الشخص في مروءته وضدها ، وعادة البلد في المطاعم ، فيكفيه المئونات ليتفرغ للجهاد ، فيعطيه لأولاده الذين هم في نفقته أطفالا كانوا أو كبارا ، وكلما زادت الحاجة بالكبر ، زاد في حصته . وهل يدفع إليه ما يتعهد منه الأولاد ؟ أم يتولى الإمام تعهدهم بنفسه ؟ أو بنائب له ؟ فيه قولان . أظهرهما : الأول . وحكى الحناطي وجها أنه لا يعطي الأولاد شيئا ؛ لأنهم لا يقاتلون ، وهذا شاذ ضعيف وإذا كان له عبد يقتنيه للزينة أو للتجارة ، لم يعط له . وإن كان يقاتل معه أو يحتاج إليه في الغزو لسياسة الدواب ونحوها ، أعطي له ، وكذا لو كان عبد يخدمه وهو ممن يخدم ، بل لو لم يكن [ له ] عبد واحتاج إليه ، أعطاه الإمام عبدا ، ولا يعطي إلا لعبد واحد . وفي الزوجات ، يعطي للجماعة . [ ص: 360 ] وإذا نكح جديدة ، زاد في العطاء ؛ لأن نهايتهن أربع ، والعبيد لا حصر لهم ، وكأن هذا في عبيد الخدمة . فأما الذين يتعلق بهم مصلحة الجهاد ، فينبغي أن يعطي لهم وإن كثروا . وأبو الفرج الزاز
قلت : كذا هو منقول ، وإنما يقتصر في عبيد الخدمة على واحد إذا حصلت به الكفاية . فأما من لا تحصل كفايته إلا بخدمة عبيد ، فيعطي لمن يحتاج إليه ، ويختلف باختلاف الأشخاص . والله أعلم .
والوجه الشاذ في الأولاد يجري في الزوجات والعبيد .
فرع
، بل يعطى الفرس إذا كان يقاتل فارسا ولا فرس له ، ولا يعطى للدواب التي يتخذها زينة ونحوها . يعطى المرتزق مؤنة فرسه
فرع
يعطى كل منهم بقدر حاجتهم ، ولا يفضل أحد منهم بشرف نسب أو سبق في الإسلام أو الهجرة وسائر الخصال المرضية ، بل يستوون كالإرث والغنيمة . وفي وجه : يفضل إذا اتسع المال .
الثالثة : يستحب أن يقدم في الإعطاء وفي إثبات الاسم في الديوان قريشا على سائر الناس ، وهم ولد النضر بن كنانة ، بن خزيمة ، بن مدركة ، بن إلياس ، بن مضر ، بن نزار ، بن معد ، بن عدنان . قال الأستاذ أبو منصور : هذا قول أكثر النسابين ، [ ص: 361 ] وبه قال وأصحابه ، وهو أصح ما قيل . وقيل : هم ولد الشافعي إلياس . وقيل : ولد مضر . وقيل : ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة .
ثم قريش الأقرب فالأقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو : يقدم من محمد ، بن عبد الله ، بن عبد المطلب بن هاشم ، بن عبد مناف ، بن قصي ، بن كلاب ، بن مرة ، بن كعب ، بن لؤي ، بن غالب ، بن فهر ، بن مالك ، بن النضر ، بن كنانة ، فيقدم بني هاشم ، وبني المطلب على سائر قريش ، ثم بني عبد شمس وبني نوفل أخوي هاشم ، ويقدم منهما بني عبد شمس ؛ لأنه أخو هاشم لأبويه ، ونوفل أخوه لأبيه ، ثم بني عبد العزى وبني عبد الدار ابني قصي يقدم منهما بني عبد العزى ؛ لأنهم أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن ، ثم خديجة - رضي الله عنها - بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بني زهرة بن كلاب أخي قصي ، ثم بني تيم وبني مخزوم أخوي كلاب ، ويقدم منهما بني تيم ، لمكان - رضي الله عنه - أبي بكر الصديق وعائشة - رضي الله عنها - من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم بني جمح وبني سهم ، وهما [ من ] ولد هصيص بن كعب ، وبني عدي بن كعب - وهصيص وعدي أخوا مرة بن كعب - وقدم عمر - رضي الله عنه - من هؤلاء القبائل الثلاث بني جمح ، وسوى بين بني سهم وبني عدي ، كما يسوى بين بني هاشم وبني المطلب .
قال - رحمه الله - : وقدم الشافعي في زمانه المهدي أمير المؤمنين بني عدي على بني جمح وبني سهم ؛ لمكان عمر - رضي الله عنه - ، والذي فعله عمر - رضي الله عنه - كان تواضعا منه .
ثم يقدم بني عامر بن لؤي ، ثم بني الحارث بن فهر . فإذا فرغ من قريش ، بدأ بالأنصار ، ثم يعطي سائر العرب . هكذا رتب الأصحاب ، وهو ظاهر نص - رحمه الله - . وفي ( ( أمالي ) ) الشافعي السرخسي : أن هذا محمول على الذين هم أبعد من الأنصار ، فأما سائر العرب الذين هم أقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار ، فيقدمون عليهم . ومتى استوى اثنان في القرب ، قدم أسنهما ، فإن استويا في السن ، فأقدمهما إسلاما وهجرة .
[ ص: 362 ] قلت : قد عكس أقضى القضاة الماوردي هذا ، فقال في الأحكام السلطانية : يقدم بالسابقة في الإسلام . فإن تقاربا فيه ، قدم بالدين . فإن تقاربا فيه ، قدم بالسن ، فإن تقاربا ، قدم بالشجاعة . فإن تقاربا فيه ، فولي الأمر بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة ، أو برأيه واجتهاده ، وهذا الذي قاله هو المختار . والله أعلم .
ثم . وفي ( ( المهذب ) ) و ( ( التهذيب ) ) : أن التقديم فيهم بالسن والفضائل ، ولا يقدم بعضهم على بعض بالنسب ، وفيه كلامان . بعد العرب ، يعطي العجم
أحدهما : أن العجم قد يعرف نسبهم ، فينبغي أن يعتبر فيمن عرف نسبه القرب والبعد أيضا .
الثاني : أنا قدمنا في صفة الأئمة في الصلاة عن إمام الحرمين : أن الظاهر رعاية كل نسب يعتبر في الكفاءة في النكاح ، وسنذكر إن شاء الله تعالى ، أن نسب العجم مرعي في الكفاءة على خلاف فيه ، فليكن كذلك هنا .
قلت : قد أشار الماوردي إلى اعتبار نسب العجم فقال : إن كانوا عجما لا يجتمعون على نسب ، جمعهم بالأجناس ، كالترك ، والهند ، وبالبلدان . ثم إن كانت لهم سابقة في الإسلام ، ترتبوا عليها ، وإلا ، فبالأقرب من ولي الأمر . فإن تساووا ، فبالسبق إلى طاعته . والله أعلم .
قال الأئمة : وجميع الترتيب المذكور في هذه الوظيفة ، مستحب لا مستحق . الرابعة : لا يثبت في الديوان اسم صبي ، ولا مجنون ، ولا امرأة ، ولا عبد ، ولا ضعيف لا يصلح للغزو ، كالأعمى ، والزمن ، وإنما هم تبع للمقاتل إذا كانوا في عياله ، يعطي لهم كما سبق ، وإنما يثبت في الديوان الرجال المكلفين المستعدين للغزو ، وإذا طرأ على المقاتل مرض أو جنون ، فإن رجي زواله ، أعطي ولم يسقط اسمه ، [ ص: 363 ] وإلا أسقط اسمه . وفي إعطائه الخلاف الآتي في زوجة المقاتل بعد موته ، وأولى بالإعطاء .
قلت : ترك من شروط من يثبته في الديوان الإسلام ، وذكر الماوردي في الأحكام السلطانية شرطا آخر ، وهو أن يكون فيه إقدام على القتال ومعرفة به . فإن اختل ذلك ، لم يجز إثباته ؛ لعجزه عما هو مرصد له . قال : ولا يجوز إثبات الأقطع ، ويجوز إثبات الأعرج إن كان فارسا . وإن كان راجلا ، فلا . ويجوز إثبات الأخرس والأصم . قال : وإذا كتبه في الديوان ، فإن كان مشهور الاسم ، لم يحسن تحليته . وإن كان مغمورا وصف وحلي ، فيذكر سنه وقده ولونه وحلي وجهه ، بحيث يتميز عن غيره . والله أعلم .
فرع
؟ قولان . وقيل : وجهان . أظهرهما : الثاني . فعلى هذا ، ترزق الزوجة إلى أن تتزوج ، والأولاد إلى أن يبلغوا ويستقلوا بالكسب ، أو يرغبوا في الجهاد فيثبت اسمهم في الديوان . ومن بلغ منهم وهو أعمى أو زمن ، رزق على هذا القول كما كان يرزق قبل البلوغ ، هذا في ذكور الأولاد . وأما الإناث ، فمقتضى كلامه في الوسيط أنهن يرزقن إلى أن يتزوجن . من مات من المرتزقة ، هل ينقطع رزق زوجته وأولاده لزوال المتبوع ؟ أم يستمر ترغيبا للمجاهدين
الخامسة : يفرق الأرزاق في كل عام مرة ، ويجعل له وقتا معلوما لا يختلف . وإذا رأى مصلحة أن يفرق مشاهرة ونحوها ، فعل . وإذا اقتصر في السنة على مرة ، فيشبه أن يقال : يجتهد ، فما اقتضته الحال وتمكن فيه من الإعطاء [ ص: 364 ] في أول السنة أو آخرها ، فعله ، وعلى هذا ينزل قوله في ( ( الوجيز ) ) : يفرق في أول كل سنة ، وقول الآخرين : يفرق في آخر كل سنة .
فرع
إذا ، صرف نصيبه إلى ورثته ولا يسقط هذا الحق بالإعراض عنه على الظاهر ، كذا قاله الإمام . وإن مات بعد جمع المال وقبل تمام الحول ، فقولان . ويقال : وجهان . أظهرهما : يصرف قسط ما مضى إلى ورثته كالأجرة . والثاني : لا شيء لهم ، كالجعل في الجعالة ، لا يستحق قبل تمام العمل . مات واحد من المرتزقة بعد جمع المال وانقضاء الحول
وإن مات قبل جمع المال وبعد الحول ، فظاهر النص : أنه لا شيء للورثة ، وبه قال القاضي أبو الطيب وآخرون ، وبه قطع البغوي . وقال الشيخ أبو حامد : يصرف نصيبه مما سيحصل إلى ورثته . وإن مات قبل جمع المال وقبل انقضاء الحول ، فإن قلنا : إذا مات بعد الحول لا يستحق ، فهنا أولى ، وإلا ، ففي قسط ما مضى الخلاف فيما إذا مات قبل الحول وبعد جمع المال . هذا كله إذا كان العطاء مرة في السنة . فإن رأى الإعطاء في السنة مرتين فصاعدا ، فالاعتبار بمضي المدة المضروبة .
فصل
جميع ما ذكرناه في المنقولات من أموال الفيء . فأما ، فقد قال الدور والأرض - رضي الله عنه - : هي وقف للمسلمين تستغل وتقسم غلتها في كل عام كذلك أبدا . هذا نصه . فأما أربعة أخماس الفيء ، فمن الأصحاب من يقول : الحكم بأنها وقف على أنها للمصالح ، فأما إن جعلناها للمرتزقة ، فتقسم بينهم كالمنقولات [ ص: 365 ] وكالغنيمة . والأصح جريان هذا الحكم ، سواء قلنا : للمصالح أو للمرتزقة ، لتبقى الرقبة مؤبدة ، وينتفع بغلتها المستحق كل عام ، بخلاف المنقولات ، فإنها معرضة للهلاك ، والغنيمة بعيدة عن نظر الإمام واجتهاده ، لتأكد حق الغانمين . فإذا قلنا بالوقف ، فوجهان : الشافعي
أحدهما : المراد به التوقف عن قسمة الرقبة ، دون الوقف الشرعي . وأصحهما : أن المراد الوقف الشرعي للمصلحة . فعلى هذا ، وجهان . أحدهما : يصير وقفا بنفس الحصول ، كما يرق النساء والصبيان بالأسر . وأصحهما : لا ، لكن الإمام يقفها . وإن رأى قسمتها أو بيعها وقسمة ثمنها ، فله ذلك .
وقول - رحمه الله - : هي وقف ، أي : تجعل وقفا . وأما خمسه ، فسهم المصالح لا سبيل إلى قسمته ، بل يوقف وتصرف غلته في المصالح ، أو يباع ويصرف ثمنه إليها ، والوقف أولى ويجيء الوجه السابق ، أنه يصير وقفا بنفس الحصول . وسهم ذوي القربى فيه الخلاف المذكور في الأخماس الأربعة ، تفريعا على أنها للمرتزقة . وسهم اليتامى والمساكين وابن السبيل يرتب على سهم ذوي القربى . إن قلنا : إنه وقف ، فهنا أولى ، ولأن ذوي القربى متعينون ، وإلا ، فالأصح أنه وقف . وقيل : لا . الشافعي
وإذا تأملت هذه الاختلافات في الأخماس الأربعة ، ثم في الخمس ، علمت أن المذهب ؛ أن الجميع وقف ، وهو الموافق لنص - رضي الله عنه - . الشافعي