الركن الرابع : المحل وهو المرأة . فإن أضاف إلى كلها فقال : طلقتك ، فذاك . وكذا لو قال : جسمك ، أو جسدك ، أو شخصك ، أو نفسك ، أو جثتك ، أو ذاتك طالق  ، طلقت . 
ولو أضاف إلى بعضها شائعا ، طلقت أيضا ، سواء أبهم فقال : بعضك أو جزءك طالق ، أو نص على جزء معلوم كالنصف والربع ، واحتجوا لذلك بالإجماع وبالقياس على العتق ، فقد ورد فيه " من أعتق شقصا   . . . " . 
ولو أضاف إلى عوض معين  ، طلقت سواء كان عضوا باطنا كالكبد والقلب   [ ص: 64 ] والطحال ، أو ظاهرا كاليد ، سواء كان مما يفصل في الحياة كالشعر والظفر ، أم لا كالأصبع ، والأصبع الزائدة كالأصلية . وحكى  الحناطي  قولا ضعيفا في الشعر ، كما لا ينقض الوضوء ، ولا شك في اطراده في السن والظفر . 
قلت : بينهما فرق ظاهر ، فإن اتصال السن آكد من الشعر . وأما اشتراكهما في نقض الوضوء وعدمه ، فلعدم الإحساس ، ولأنهما جزءان ، فأشبها اليد . والله أعلم . 
وإن أضاف إلى فضلات البدن كالريق  ، والعرق ، والمخاط ، والبول ، أو إلى الأخلاط كالبلغم ، والمرتين لم تطلق على الصحيح . وحكى  الحناطي  والإمام وجها : وإن أضاف إلى اللبن والمني ، لم تطلق على الأصح ، لأنهما متهيئان للخروج كالبول . 
ولو قال : جنينك طالق  ، لم تطلق على المذهب . ونقل الإمام فيه الاتفاق ، وحكى   أبو الفرج الزاز  فيه وجهين ، وأبعد منه وجهان حكاهما  الحناطي  في قوله : الماء أو الطعام الذي في جوفك طالق . 
ولو أضاف إلى الشحم ، طلقت على الأصح ، وإلى الدم ، تطلق على المذهب . 
ولو أضاف إلى معنى قائم بالذات ، كالسمن والحسن  ، والقبح والملاحة ، والسمع والبصر ، والكلام والضحك ، والبكاء والغم ، والفرح ، والحركة والسكون ، لم تطلق . وحكى  الحناطي  وجها في الحسن والحركة ، والسكون والسمع والبصر والكلام ، وهذا شاذ ضعيف ، ثم الوجه التسوية بينهما وبين سائر الصفات . ولو قال : ظلك ، أو طريقك ، أو صحبتك ، أو نفسك بفتح الفاء ،   [ ص: 65 ] أو اسمك طالق  ، لم تطلق . قال  المتولي     : إلا أن يريد بالاسم ذاتها ووجودها ، فتطلق . ولو قال : روحك طالق  ، طلقت على المذهب . وحكى   أبو الفرج الزاز  فيه خلافا مبنيا على أن الروح جسم أو عرض . ولو قال : حياتك طالق  ، فقال جماعة ، منهم الإمام   والغزالي     : تطلق . وقال  البغوي     : إن أراد الروح ، طلقت ، وهذا فيه إشعار بأنه 
[ إن ] أراد المعنى القائم بالحي ، لا تطلق كسائر المعاني ، وبهذا قطع   أبو الفرج الزاز  ، ويشبه أن يكون الأصح عدم الوقوع . 
فرع 
إذا أضاف الطلاق إلى جزء أو عضو معين  ، ففي كيفية وقوع الطلاق وجهان . أحدهما : يقع على المضاف إليه ، ثم يسري إلى باقي البدن ، كما يسري العتق . والثاني : يجعل المضاف إليه عبارة عن الجملة ، لأنه لا يتصور الطلاق في المضاف إليه وحده ، بخلاف العتق ، ولأنه لو قال : أنت طالق نصف طلقة  ، جعل ذلك عبارة عن طلقة . ولا يقال : يقع نصف طلقة ثم يسري ، ويشبه أن يكون الأول هو الأصح . 
وتظهر فائدة الخلاف في صور . 
منها : إذا قال : إن دخلت الدار فيمينك طالق ، فقطعت يمينها ، ثم دخلت  ، إن قلنا بالثاني ، طلقت ، وإلا ، فلا . 
ولو قال لمن لا يمين لها : يمينك طالق ، فطريقان . أحدهما : التخريج على هذا الخلاف . وأصحهما : القطع بعدم الطلاق . وبه قال  القاضي حسين  ، والإمام ، لأنه وإن جعل البعض عبارة عن الكل ، فلا بد من وجود المضاف إليه لتنتظم الإضافة . فإذا لم يكن ، لغت الإضافة ، كما لو قال لها : لحيتك أو ذكرك طالق . قال الإمام : وهذا يجب أن يكون متفقا عليه . 
 [ ص: 66 ] ومنها : قال  المتولي     : القول بعدم الطلاق في قوله : حسنك أو بياضك طالق  مبني على القول بالسراية ، لأنه لا يمكن وقوع الطلاق على الصفات . 
أما إذا جعلنا البعض عبارة عن الجملة ، فيجعل الصفة عبارة عن الموصوف . قلت : هذا الذي قاله ضعيف ، مخالف للدليل ولإطلاق الأصحاب . والله أعلم . 
ومنها : لو قال لأمته : يدك أم ولدي ، أو قال لطفل التقطه : يدك ابني  ، قال  المتولي     : إن جعلنا البعض عبارة عن الجملة ، كان إقرارا بالاستيلاد أو النسب ، وإلا فلا . 
فرع 
لو أضاف العتق إلى يد عبده أو رأسه ، ففيه الوجهان . وإن أضافه إلى جزء شائع ، قال الإمام : المذهب تقدم السراية ، لأن العبد يمكن تبعيض العتق فيه ، ووقوعه عليه بخلاف الطلاق . وقيل : فيه الوجهان ، لأن إعتاقه بعض عبده غير متصور . 
قلت : يتصور فيما إذا أعتق عبده المرهون وهو موسر بقيمة بعضه وقلنا بالأظهر : إنه ينفذ ، عتق الموسر . والله أعلم . 
فرع 
لو أشار إلى عضو مبان ، ووصفه بالطلاق  ، لم تطلق . ولو فصلت أذنها   [ ص: 67 ] ثم ألصقت فالتحمت ، أو سقطت شعرة ثم ثبتت في موضع آخر ونمت ، فأضاف الطلاق إليها  ، لم تطلق المرأة على الأصح . 
قلت : قوله : في موضع آخر اتبع فيه   الغزالي  وليس هو شرطا ، فلو ثبتت في موضعها ، كان كذلك ، ثم إن مسألة الشعرة قل أن توجد في غير " الوسيط " بخلاف مسألة الأذن ، فإنها مشهورة بالوجهين ، لكن أنكر إمام الحرمين تصورها في العادة ، ولا امتناع في ذلك . والله أعلم . 
فصل 
قال لزوجته : أنا منك طالق ، ونوى إيقاع الطلاق عليها  ، طلقت . وإن لم ينو إيقاعه عليها ، فالصحيح الذي قطع به الجمهور : أنها لا تطلق ، وقيل : تطلق ، قاله  أبو إسحاق  ، واختاره  القاضي حسين     . فعلى هذا ، لا بد من نية أصل الطلاق لأن اللفظ كناية لكونه أضيف إلى غير محله . وأما على الأول ، فمتى نوى إيقاعه عليها ، كان ناويا أصل الطلاق . 
ولو جرد القصد إلى تطليق نفسه ولم يقتصر على نية أصل الطلاق  ، فالمذهب أنه لا يقع قطعا . وقيل : على الوجهين . ولو قال : أنا منك بائن ، فلا بد من نية أصل الطلاق . وفي نية الإضافة إليها ، الوجهان . وإذا نواها ، وقع ، وهكذا حكم سائر الكنايات ، كقوله : أنا منك خلي أو بري . 
ولو قال : أستبرئ رحمي منك ، أو أنا معتد منك ، أو مستبرئ رحمي ونوى تطليقها  ، لم تطلق على الأصح . 
فرع 
قال لعبده : أنا منك حر ، أو أعتقت نفسي منك ونوى إعتاق العبد ، لم يعتق على الأصح ، بخلاف الزوجية ، فإنها تشمل الجانبين ، والرق مختص بالعبد . 
 [ ص: 68 ] فرع 
قال لزوجته : طلقي نفسك ، فقالت : طلقتك أو أنت طالق  ، فهو كقوله لها : أنا منك طالق ، وكذا إذا قال لعبده : أعتق نفسك ، فقال : أعتقتك أو أنت حر ، فهو كقول السيد : أنا منك حر . 
				
						
						
