الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثالث : في التعليق بالحمل والولادة ، وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                        الأولى : إذا قال : إن كنت حاملا فأنت طالق ، فإن كان الحمل بها ظاهرا ، طلقت في الحال ، وإلا فلا يحكم بوقوع الطلاق مع الشك ، ثم ينظر ، إن ولدت قبل ستة أشهر من حين التعليق ، تبينا وقوع الطلاق وكونها كانت حاملا حينئذ ، وإن ولدت لأكثر من أربع سنين ، تحققنا أنها كانت حائلا يومئذ ، فلا طلاق ، وإن ولدت لستة أشهر فأكثر ، ولأربع سنين فأقل ، نظر ، إن كان الزوج يطؤها ، وكان بين الوضع والوطء ستة أشهر فأكثر ، لم يقع الطلاق ، وإن لم يطأها بعد التعليق أو وطئها وكان بين الوطء والوضع دون ستة أشهر ، فقولان أو وجهان . أظهرهما : وقوع الطلاق لتبين الحمل ظاهرا ، ولهذا حكمنا بثبوت النسب . والثاني : لا يقع ، لأن الأصل بقاء النكاح ، والاحتمال قائم ، ثم إذا لم يكن الحمل ظاهرا عند التعليق ، فينبغي أن يفرق بين الزوجين إلى أن يستبرئها ، وليمتنع الزوج من وطئها ، وهل التفريق واجب والاستمتاع حرام أم لا ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، تغليبا للتحريم في موضع التردد ، وبهذا قال الشيخ أبو حامد ، والقاضي أبو الطيب ، وجماعة . وأصحهما : لا ، ولكنهما مستحبان ، لأن الأصل عدم الحمل وبقاء النكاح ، وكما لو قال : إن كان الطائر غرابا ، وهذا هو نصه في [ ص: 139 ] " الإملاء " وبه قال أبو إسحاق وغيره ، وقطع به الحناطي . وبماذا يستبرئها ؟ فيه أوجه ، أصحهما : بحيضة ، والثاني : بطهر ، والثالث : بثلاثة أطهار ، وتفصيله يأتي إن شاء الله تعالى في " كتاب الاستبراء " . ولو جرى هذا التعليق في مراهقة لم تحض بعد ، وأمكن كونها حاملا ، فيشبه أن يقال : إن قلنا : الاستبراء بثلاثة أقراء ، ففي حقها بثلاثة أشهر ، وإن قلنا : بقرء ، فهل يكفي في حقها شهر ، أم يشترط ثلاثة أشهر ، فيه خلاف كاستبراء الأمة ، والأصح هناك الاكتفاء بشهر ، والذي ذكره البغوي هنا عن القفال ثلاثة أشهر حرة كانت أو أمة ، لأن الحمل لا يظهر في أقل من هذه المدة .

                                                                                                                                                                        وأما الآيسة ، فهل يعتبر فيها مضي مدة كالعدة ، أم يكتفى بدلالة اليأس ؟ وجهان ، أصحهما : الثاني ، لأن المقصود ظهور الحال . ولو كان قد استبرأ زوجته قبل التعليق ، فوجهان . أحدهما : لا يكتفى به كما لا يكتفى بمدة العدة واستبراء الرقيقة قبل الطلاق والملك ، وأصحهما : يكتفى به ، لأن المقصود معرفة حالها في الحمل ، فلا فرق بين التقدم والتأخر ، بخلاف العدة واستبراء المملوكة ، ثم إذا جرى الاستبراء ، لا يمنع من الوطء بعده ، فلو ولدت بعد الوطء واقتضى الحال وقوع الطلاق ، أوقعناه ، وكان ذلك الوطء وطء شبهة ، يجب به المهر دون الحد .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : إن أحبلتك فأنت طالق وكانت حاملا لم تطلق ، بل يقتضي ذلك حملا حادثا منه ، فإن وضعت ، أو كانت حائلا لم يمنع من الوطء ، فإذا وطئها مرة ، منع حتى تحيض .

                                                                                                                                                                        [ ص: 140 ] فرع

                                                                                                                                                                        نص في " الإملاء " أنه لو قال لامرأته : إن كنت حاملا فأنت طالق على مائة دينار وهي حامل في غالب الظن ، طلقت إذا أعطته مائة دينار ، وله عليها مهر المثل لفساد المسمى . ووجه فساد المسمى ، بأن الحمل مجهول لا يمكن التوصل إليه في الحال ، فأشبه إذا جعله عوضا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية