الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الرابعة : قال : إذا ولدت أو إن ولدت فأنت طالق ، فولدت حيا أو ميتا ، ذكرا أو أنثى ، طلقت إذا انفصل الولد بكماله . قال ابن كج : ولو أسقطت ما بان فيه خلق آدمي ، طلقت ، وإن لم يبن فيه خلق الآدمي بتمامه لم تطلق . ولو قال : إن ولدت ولدا فأنت طالق ، فولدت ولدين متعاقبين ، طلقت بالأول . ثم إن كانا في بطن واحد ، بأن كان بينهما دون ستة أشهر ، انقضت عدتها بالثاني ، ولا يتكرر الطلاق ، وإن كانا من بطنين ، فانقضاء العدة بالثاني يبنى [ ص: 142 ] على لحوقه بالزوج ، وهو لاحق إن ولدته لأقل من أربع سنين ، وهل تحسب هذه المدة من وقت الطلاق ، أم من وقت انقضاء العدة ؟ قولان مذكوران في العدة فإن ألحق انقضت به العدة ، وإن قال : كلما ولدت ولدا فأنت طالق ، فهذا يقتضي التكرار ، فإن ولدت أولادا في بطن واحد ، نظر ، إن كانوا أربعة وانفصلوا متعاقبين ، طلقت ثلاثا بولادة ثلاثة ، وانقضت عدتها بولادة الرابع ، وإن كانوا ثلاثة ، طلقت بالأوليين طلقتين ، وانقضت عدتها بالثالث ، ولا تطلق بولادته طلقة ثالثة ، هذا هو المنصوص في " الأم " وعامة كتب الشافعي رحمه الله ، وقال في " الإملاء " : يقع بالثالث طلقة ثالثة ، وتعتد بعد ذلك بالأقراء ، والمذهب عند الأصحاب هو الأول ، لأن المرأة في عدة الطلقتين ، ووقت انفصال الثالث هو وقت انقضاء العدة وبراءة الرحم . ولو وقع الطلاق لوقع في تلك الحال ، لما سبق أن الطلاق المعلق بالولادة يقع عند الانفصال ، ولا يجوز أن يقع الطلاق في حال انقضاء العدة والبينونة ، ولهذا لو قال : أنت طالق مع موتي ، لم يقع الطلاق إذا مات ، لأنه وقت انتهاء النكاح . ولو قال لغير المدخول بها : إذا طلقتك فأنت طالق ، فطلقها ، لم يقع أخرى لمصادفتها البينونة ، وأما نصه في " الإملاء " ، ففيه طريقان ، أحدهما : تسليمه قولا واحدا ، ووجهوه بشيئين ، أحدهما : أن هذا الطلاق لا يتأخر عن العدة ، بل يقارن آخرها ، وإذا تقارن الوقوع وانقضاء العدة كفى ، وحكم بالوقوع تغليبا للطلاق ولقوته ، وهؤلاء قالوا : لو قال للرجعية : أنت طالق مع انقضاء عدتك ، ففي الوقوع القولان ، بخلاف ما لو قال : بعد انقضاء عدتك . وعن الخضري وغيره تخريج قول فيما إذا قال : مع موتي : أنها تطلق في آخر جزء من حياته . الشيء الثاني عن الخضري والقفال ، بناء القولين على القولين ، في أن الرجعية إذا طلقت ، هل تستأنف العدة ؟ إن قلنا : لا ، لم تطلق هنا ولم تلزم العدة ، [ ص: 143 ] وإن قلنا نعم ، فبوقوع الطلاق ارتفعت العدة ، ولزمت عدة أخرى هناك ، فكذا هنا . وعلى هذا حكى الإمام عن القفال ، أنه لا يحكم بوقوع الطلاق ، وهي في بقية من العدة الماضية ، ولا بوقوعه في مفتتح العدة المستقبلة ، لكن يقع على منفصل الانقطاع والاستقبال ، وهو كقوله : أنت طالق بين الليل والنهار ، يقع لا في جزء من الليل ، ولا من النهار . قال الإمام : ولا معنى للمنفصل ، وليس بين انقضاء العدة الأولى وافتتاح الثانية لو قدرناها زمان ، والحكم بوقوع الطلاق في غير زمان محال . قال : وقوله : بين الليل والنهار يقع الطلاق في آخر جزء من النهار ، لتكون متصفة بالطلاق في منقطع النهار ، ومبتدأ الليل .

                                                                                                                                                                        والطريق الثاني : وهو الصحيح عند المعتبرين : القطع بما نص عليه في كتبه المشهورة ، والامتناع من إثبات نص " الإملاء " قولا ، وأولوه من وجهين ، أحدهما : حمله على ما إذا ولدتهم دفعة في مشيمة ، وفي هذه الحالة يقع بكل واحد طلقة ، وتعتد بالأقراء لأنها ليست حاملا وقت وقوع الطلاق ، والثاني : حمله على ما إذا كان الحمل من زنا ، ووطئها الزوج ، يقع بكل واحد طلقة ، ولا تنقضي العدة بولادتهم . أما إذا أتت بولدين متعاقبين في بطن ، والتعليق بصيغة " كلما " فهل تنقضي عدتها بالثاني ولا يقع به طلقة أخرى ، أم تقع أخرى ؟ فيه هذا الخلاف السابق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية