الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        اعلم أن هذا الباب واسع جدا ويتلخص لمقصوده في أطراف .

                                                                                                                                                                        الأول : في التعليق بالأوقات ، وفيه مسائل .

                                                                                                                                                                        الأولى : قال : أنت طالق في شهر كذا ، أو غرة شهر كذا ، أو أوله ، أو رأس الشهر ، أو ابتداءه ، أو دخوله ، أو استقباله ، أو إذا جاء شهر كذا ، طلقت عند أول جزء منه ، فلو رأوا الهلال قبل غروب الشمس ، لم تطلق حتى تغرب .

                                                                                                                                                                        ولو قال : في نهار شهر كذا أو في أول يوم منه ، طلقت عند طلوع الفجر من اليوم الأول . ولو قال : أنت طالق في يوم كذا ، طلقت عند طلوع الفجر [ ص: 117 ] من ذلك اليوم ، وحكى الحناطي قولا ، أنها تطلق عند غروب الشمس من ذلك اليوم ، وطرده في الشهر أيضا ، وهو شاذ ضعيف جدا . وعلى قياس هذا ما لو قال : في وقت الظهر أو العصر ، ولو قال : أردت بقولي : في شهر كذا أو في يوم كذا وسطه أو آخره ، لم يقبل ظاهرا على الصحيح ، وحكى ابن كج وغيره في قبوله وجها ، ويدين قطعا . ولو قال : أردت بقولي : في غرته اليوم الثاني أو الثالث ، فكذلك ، لأن الثلاثة الأولى تسمى غررا ، فلو قال : أردت به المنتصف ، لم يدين ، لأنه لا يطلق على غير الثلاثة الأولى ، وكذا لو قال : في رأس الشهر ، ثم قال : أردت السادس عشر .

                                                                                                                                                                        الثانية : قال في رمضان : أنت طالق في رمضان ، طلقت في الحال ، ولو قال : في أول رمضان ، وإذا جاء رمضان ، وقع في أول رمضان القابل .

                                                                                                                                                                        الثالثة : قال : أنت طالق في آخر رمضان ، فهل يقع في جزء من الشهر ، أم أول جزء من ليلة السادس عشر ، أم أول اليوم الأخير منه ؟ فيه أوجه ، أصحها الأول ، ولو قال : أنت طالق في آخر السنة ، فعلى الأول يقع في آخر جزء من السنة ، وعلى الثاني في أول الشهر السابع .

                                                                                                                                                                        ولو قال : في آخر طهرك ، فعلى الأول يقع في آخر جزء من الطهر ، وعلى الثاني ، في أول النصف الثاني من الطهر . ولو قال : أنت طالق في أول آخر الشهر ، قال الجمهور : يقع في أول اليوم الأخير .

                                                                                                                                                                        وقال ابن سريج : في أول النصف الأخير ، وقال الصيرفي أو غيره : في أول اليوم السادس عشر .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق في آخر أول الشهر ، قال الجمهور : يقع عند غروب الشمس في اليوم الأول . وعن ابن سريج ، يقع في آخر جزء من الخامس عشر . وقيل : عند طلوع الفجر في اليوم الأول ، وبهذا قطع المتولي بدلا عن الأول . [ ص: 118 ] فقال : لو قال : أنت طالق أخر أول آخر الشهر ، فمن جعل آخر الشهر اليوم الأخير ، قال : تطلق بغروب الشمس في اليوم الأخير ، لأن ذلك اليوم هو آخر الشهر ، وأوله طلوع الفجر ، وآخر أوله غروب الشمس ، ومن جعل الآخر على النصف الثاني ، فأوله ليلة السادس عشر ، فتطلق عند انقضاء الشهر على الوجهين .

                                                                                                                                                                        الرابعة : قال : أنت طالق في سلخ الشهر ، فأوجه .

                                                                                                                                                                        أحدها : وبه قطع الشيخ أبو حامد ورجحه الغزالي : يقع في آخر جزء من الشهر .

                                                                                                                                                                        والثاني : وبه قطع المتولي والبغوي : يقع في أول اليوم الأخير .

                                                                                                                                                                        والثالث : في أول جزء من الشهر ، فإن الانسلاخ يأخذ من حينئذ . وقال الإمام : اسم السلخ يقع على الثلاثة الأخيرة من الشهر ، فتحتمل أن يقع في أول جزء من الثلاثة .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب الأول ، وما سواه ضعيف . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الخامسة : قال أنت طالق عند انتصاف الشهر ، يقع عند غروب الشمس في اليوم الخامس عشر ، وإن كان الشهر ناقصا ، لأنه المفهوم من مطلقه ، ذكره المتولي .

                                                                                                                                                                        ولو قال : نصف النصف الأول من الشهر ، طلقت عند طلوع الفجر يوم الثامن . ولو قال : نصف يوم كذا ، طلقت عند الزوال لأنه المفهوم منه . وإن كان اليوم يحسب من طلوع الفجر شرعا ، ويكون نصفه الأول أطول .

                                                                                                                                                                        [ ص: 119 ] السادسة : إذا قال : إذا مضى يوم فأنت طالق ، نظر إن قاله بالليل ، طلقت عند غروب الشمس من الغد ، وإن قاله بالنهار ، طلقت إذا جاء مثل ذلك الوقت من اليوم الثاني ، هكذا أطلقوه .

                                                                                                                                                                        ولو فرض انطباق التعليق على أول نهار ، طلقت عند غروب شمس يومه . ولو قال : أنت طالق إذا مضى اليوم ، نظر ، إن قاله نهارا ، طلقت عند غروب شمسه ، وإن كان الباقي منه يسيرا ، وإن قاله ليلا ، كان لغوا ، إذ لا نهار ، ولا يمكن الحمل على الجنس . ولو قال : أنت طالق اليوم ، طلقت في الحال نهارا كان أو ليلا ، قاله المتولي ، ويلغو قوله : اليوم لأنه لم يعلق ، وإنما أوقع وسمى الوقت بغير اسمه . ولو قال : أنت طالق الشهر ، أو السنة ، وقع في الحال .

                                                                                                                                                                        السابعة : قال : إذا مضى شهر فأنت طالق ، لم تطلق حتى يمضي شهر كامل . فإن اتفق قوله في ابتداء الهلال ، طلقت بمضيه تاما أو ناقصا ، وإلا فإن قاله ليلا ، طلقت إذا مضى ثلاثون يوما ، ومن ليلة الحادي والثلاثين تقدر ما كان سبق من ليلة التعليق ، وإن قاله : نهارا كمل من اليوم الحادي والثلاثين بعد التعليق . ولو قال : إذا مضى الشهر ، طلقت إذا انقضى الشهر الهلالي ، وكذا لو قال : إذا مضت السنة ، طلقت بمضي بقية السنة العربية ، وإن كانت قليلة ، وإنقال : إذا مضت سنة بالتنكير ، لم تطلق حتى يمضي اثنا عشر شهرا ، ثم إن لم ينكسر الشهر الأول ، طلقت بمضي اثني عشر شهرا بالأهلة ، وإن انكسر به الأول ، حسب أحد عشر شهرا بعده بالأهلة ، وكملت بقية الأول ثلاثين يوما من الثالث عشر . وفي وجه : أنه إذا انكسر شهر ، انكسر جميع الشهور ، واعتبرت سنة بالعدد ، وقد سبق مثله في السلم وهو ضعيف . ولو شك فيما كان مضى من شهر التعليق ، لم يقع الطلاق إلا باليقين ، وذكر الحناطي في حل الوطء في حال التردد وجهين .

                                                                                                                                                                        [ ص: 120 ] قلت : أصحهما الحل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أردت بالسنة ، السنة الفارسية أو الرومية ، دين ولم يقبل ظاهرا على الصحيح . ولو قال : أردت بقولي : السنة سنة كاملة ، دين ولم يقبل ظاهرا . ولو قال : أردت بقولي سنة بقية السنة ، فقد غلط على نفسه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية