الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثالث : ما به المطالبة . قد تكرر أن المؤلي بعد المدة ، يطالب بالفيأة أو الطلاق ، والمقصود الفيأة ، لكنه يطالب بالطلاق إن لم يفئ . قال الإمام : وليس لها أن توجه الطلب نحو الفيأة وحدها ، بل يجب أن تكون المطالبة مترددة ، فإن لم يفئ وأبى أن يطلق ، فقولان ، أظهرهما وهو الجديد وأحد قولي القديم واختيار المزني : أنه يطلقها القاضي طلقة . والثاني ، لا يطلق عليه ، بل يحبسه ويعزره حتى يفيء أو يطلق .

                                                                                                                                                                        ولو لم يصرح بالامتناع ، بل استمهل ليفيء ، أمهل بلا خلاف قدر ما يتهيأ لذلك الشغل ، فإن كان صائما ، أمهل حتى يفطر ، أو جائعا ، فحتى يشبع ، أو ثقيلا من الشبع ، فحتى يخف ، أو غلبه النعاس ، فحتى يزول .

                                                                                                                                                                        ويحصل التهيؤ والاستعداد في مثل هذه الأحوال [ ص: 256 ] بقدر يوم فما دونه .

                                                                                                                                                                        وهل يمهل ثلاثة أيام ؟ قولان ، ويقال : وجهان . أظهرهما عند الجمهور : لا . وإذا أمهل ، فطلق القاضي عليه في مدة الإمهال ، لم يقع طلاقه إن وجدت الفيأة في مدة المهلة ، وإن مضت المدة بلا فيأة ، لم يقع أيضا على الصحيح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ذكر ابن كج ، أنه لو طلق القاضي عليه ، فبان أنه وطئ أو طلق قبل تطليق القاضي ، لم ينفذ طلاق القاضي . ولو وقع طلاق الزوج والقاضي معا ، نفذ الطلاقان ، لأن كل واحد فعل ماله فعله .

                                                                                                                                                                        وقيل : لا يقع تطليق القاضي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        آلى ثم غاب ، أو آلى وهو غائب ، تحسب المدة ، ولها أن توكل من يطالبه . فإذا مضت المدة ، رفعه وكيلها إلى قاضي البلد الذي فيه الزوج وطالبه ويأمره القاضي بالفيأة باللسان في الحال ، لأن المانع حسي وبالمسير ، أو يحملها إليه ، أو الطلاق إن لم يفعل ذلك ، فإن لم يفئ باللسان ، أو فاء به ولم يرجع إليها ، ولا حملها إليه حتى مضت مدة الإمكان ، ثم قال : أرجع الآن ، لم يمكن ، ويطلق عليه القاضي إذا طلب وكيلها على الأظهر ، وعلى القول القديم : يحبسه ليطلق ، ويعذر في التأخير لتهيئة أهبة السفر ، ولخوف الطريق إلى أن يزول الخوف .

                                                                                                                                                                        ولو غاب عنها بعد مطالبته بالفيأة أو الطلاق ، لم يرض منه بفيأة اللسان ، ولا يمهل . ذكره أبو الفرج السرخسي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو طولب فادعى التعيين والعجز عن الفيأة ، نظر ، إن لم يدخل بها في ذلك [ ص: 257 ] النكاح ، سواء كانت ثيبا أو بكرا ، أو ادعى العجز عن الافتضاض ، فوجهان . أحدهما وهو ظاهر النص ، وبه قطع في " الوجيز " : إذا صدقته أو كذبته فحلف على العجز ، لا يطالب بالوطء ، بل يطالب بفيأة اللسان ، فإن فاء ، ضربت مدة التعنين إن طلبتها . فإن وطئ في المدة ، فذاك ، وإلا أمضى حكم التعنين . والثاني : يتعين عليه الطلاق ، لأنه متهم في تأخير حقها وضررها ، وإن كان دخل بها في ذلك النكاح ، لم تسقط المطالبة ، لأن التعنين بعد الوطء لا يعتبر ، فتظهر تهمته .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية