[ ص: 494 ] ولما بين سفههم؛ وشدة حمقهم باستعجالهم بالعذاب؛ استهزاء؛ سبب عنه تبكيت من لم يتعظ بحالهم؛ فقال: فأذاقهم الله ؛ أي: الذي لا راد لأمره؛ الخزي ؛ أي: الذل الناشئ عن الفضيحة؛ والعذاب الكبير؛ بما أرادوه من إخزاء الرسل بتكذيبهم؛ في الحياة الدنيا ؛ أي: العاجلة الدنية.
ولما كان انتظار الفرج مما يسلي؛ قال - معلما أن عذابهم دائم؛ على سبيل الترقي إلى ما هو أشد؛ وأكده لإنكارهم إياه -: ولعذاب الآخرة ؛ أي: الذي انتقلوا إليه بالموت؛ ويصيرون إليه بالبعث؛ أكبر ؛ من العذاب الذي أهلكهم في الدنيا؛ وأشدهم إخزاء؛ فالآية من الاحتباك: ذكر الخزي أولا؛ دليلا على إرادته ثانيا؛ والأكبر ثانيا؛ دليلا على الكبير أولا؛ وسره تغليظ الأمر عليهم بالجمع بين الخزي؛ والعذاب؛ بما فعلوا برسله - عليهم الصلاة والسلام - بخلاف ما يأتي في "فصلت"؛ فإن سياقه للطعن في الوحدانية؛ وهي لكثرة أدلتها؛ وبعدها عن الشكوك؛ وعظم المتصف بها؛ وعدم تأثيره بشيء؛ يكفي في نكال الكافر به مطلق العذاب.
ولما كان من علم أن فعله يورث نكالا؛ كف عنه؛ ولا يكفون؛ ولا يتعظون؛ قال: لو كانوا يعلمون ؛ أي: لو كان لهم علم ما؛ لعلموا أنه أكبر؛ فاتعظوا؛ وآمنوا؛ ولكنه لا علم لهم أصلا؛ بل هم كالأنعام؛ بل هم أضل سبيلا؛ لأن الجزئيات لا تنفعهم كما تنفع سائر الحيوانات؛ فإن الشاة ترى الذئب فتنفر منه؛ إدراكا لأن بينها وبينه عداوة؛ بما خلق [ ص: 495 ] الله في طبعه من أكل أمثالها؛ وهؤلاء يرون ما حل بأمثالهم من العذاب؛ لتكذيبهم الرسل؛ فلا يفرون منه إلى التصديق.