الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كان أوصى له بشيء وقف حتى يصطلحا فيه " . قال الماوردي : يعني به هذا الولد الموقوف نسبه إذا أوصى له بوصية ، ثم مات فالوصية على ضربين : أحدهما : أن يوصي له بعد ولادته . والثاني : أن يوصي له في حال حمله . فأما الضرب الأول في الوصية له بعد ولادته فلا يخلو موته من أن يكون بعد قبول الوصية أو قبلها ، فإن مات بعد قبول الوصية ، وقبولها قد يصح من وجوه ثلاثة : أحدها : أن يكون قد قبلها بعد بلوغه ، ومات قبل انتسابه . والثاني : أن يقبلها الحاكم له في صغره . والثالث : أن يقبلها له المتنازعان في نسبه فيصح قبولها ؛ لأن أحدهما أبوه ، فإن قبلها أحدهما لم يصح لجواز أن يكون أجنبيا ، وإن قبلتها أمه ، ففي صحة قبولها وجهان من اختلاف الوجهين في ثبوت ولايتها عليه عند فقد الأب ، وإن مات قبل قبولها لم يبطل بموته وكان قبولها موقوفا على اجتماع ورثته على قبولها ، وهو أن تجتمع الأم مع المتنازعين على القبول فيصح ؛ لأنه حق لهم ورثوه عنه فلا يصح إلا [ ص: 306 ] باجتماعهم ، فإن تفردت الأم بالقبول صح في حقها ، وإن تفرد المتنازعان بالقبول صح في حقها ، وإن تفرد أحدهما بالقبول لم يصح في واحد من الحقين ، وإن قبل الحاكم لم يصح قبوله ، وإن صح في حياة الموصى له ؛ لأن الوصية في هذه الحال لمن لا ولاية له عليه ، وفي تلك الحال لا مولى عليه فإذا صح قبول الوصية على ما ذكرنا فهي موروثة عنه يمين أمه وأبيه وللأم في قدر ميراثها منه ثلاثة أحوال : حال تستحق فيها الثلث يقينا ، وحال تستحق فيها السدس يقينا ، وحال شك في استحقاقها لثلث أو سدس . فأما الحال المتيقن فيها استحقاقها للثلث فهو أن لا يجتمع للميت أخوان متحققان إما بأن لا يكون لها ولا لأحد من المتنازعين ولد ويكون لها ولد ، وليس لواحد منهما ولد ، أو يكون لكل واحد منهما ولد واحد ، وليس لها ولد فمستحق الثلث في هذه الحال ؛ لأنها غير محجوبة عنه لفقد الأخوين ، ويكون الثلثان الباقيان بعد ثلثها موقوفين على المتنازعين حتى يصطلحا عليه عن تراض ، إما بالتساوي فيه أو بالتفاضل أو بانفراد أحدهما به . وأما الحال المتيقن فيها استحقاقها للسدس فهو أن يجتمع للميت أخوان متحققان إما بأن يكون لها ولدان فيكونا أخوين من أم ، وإما بأن يكون لكل واحد من المتنازعين ولد فيكون له أخوان أحدهما من أم والآخر من أب وأم فيحجبونها إلى السدس فتعطاه ، ويكون ما عداه موقوفا بين المتنازعين حتى يصطلحا عليه . وأما الحال المشكوك في استحقاقها لثلث أو سدس فهو أن يكون للميت أخوان في حال وواحد في حال ، وذلك بأن يكون لأمه ولد ولأحد المتنازعين ولد ، وليس للآخر ولد أو يكون لأحدهما ولدان ، وليس للآخر إلا ولد واحد ، فقد ترث الأم إن لحق بصاحب الولدين السدس ، وإن لحق بصاحب الولد الواحد الثلث وفي قدر ما يستحقه مع هذا الشك وجهان حكاهما أبو إسحاق المروزي : أحدهما : تعطى السدس ؛ لأنها لا تورث بالشك ويكون السدس الآخر موقوفا بينها وبين المتنازعين حتى يصالحنها عليه ، وتكون ما عداه موقوفا عليها حتى يصطلحا عليه . والوجه الثاني : أن تعطى الثلث ؛ لأنها لا تحجب بالشك ، فإن بان حجبها رجع عليها بالسدس الزائد على حقها إن لم يبن فلا رجوع . قال أبو إسحاق : والأول أحوط والثاني أقيس .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية