الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الثامنة : أوصى بجارية فولدت ، فلها أحوال .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن تلد قبل موت الموصي ، فينظر ، إن انقضى أقل مدة الحمل من يوم الوصية ، وهو ستة أشهر ، ثم ولدت ، لم يدخل الولد في الوصية ; لأنه يحتمل حدوثه بعد الوصية .

                                                                                                                                                                        والأصل عدم الحمل يومئذ ، فلا يجعل للموصى له بالشك .

                                                                                                                                                                        [ ص: 151 ] وإن لم ينقض أقل مدة الحمل ، علمنا وجوده يوم الوصية ، فيبنى على الخلاف في أن الحمل [ هل ] يعرف ويعطى حكما قبل الانفصال ، أم لا ؟ إن قلنا بالثاني ، فالولد غير داخل في الوصية ، بل هو زيادة حدثت في ملك الموصي ، فيكون لورثته .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا بالأول ، فهو كما لو أوصى بالجارية وولدها بعد الانفصال ، فينظر ، أيقبلهما الموصى له ؟ أم يردهما ؟ أم يقبل أحدهما دون الآخر ؟ وفي هذا زيادة بحيث نذكره في أول الباب الثاني إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        فإن كان الموصى له زوج الجارية ، وقبل الوصية في الولد ، عتق [ كله ] عليه بالملك ، وله ولاؤه ، ولا تصير الجارية أم ولد له ؛ لأنها علقت منه برقيق .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن تلد بعد موت الموصي ، وقبل قبول الموصى له ، فهذا ثلاثة أقسام .

                                                                                                                                                                        ( القسم ) الأول : ولدت بعد مضي أقل مدة الحمل من يوم الموت ، فالولد غير موصى به ؛ لاحتمال حدوثه بعد الموت .

                                                                                                                                                                        ثم إن كان الموصى له زوج الجارية ، بني حكم الولد على أن الوصية متى تملك ؟ إن قلنا بالقبول ، وأنها قبل القبول لورثة الموصي ، فالولد لهم ، لا إرثا من الميت ، بل لحدوثه في ملكهم .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : تملك بالموت ، أو موقوف ، فقبل ، فالعلوق في ملكه ، فينعقد الولد حرا لا ولاء عليه ، والجارية أم ولد له .

                                                                                                                                                                        ( القسم ) الثاني : ولدت قبل أقل مدة الحمل من يوم الموت ، وبعدها من يوم الوصية ، فيجعل كأنه حدث بعد الوصية .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا : الحمل يعرف ، فالولد زيادة حدثت في ملك الموصي ، فهو له ، ولورثته بعده .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : لا يعرف ، ولا يعطى حكما ، بني على أن الوصية متى تملك ؟ إن قلنا بالقبول وأنها للورثة قبل القبول ، فالولد لهم ؛ لحدوثه في ملكهم .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : بالموت ، أو موقوف ، وكان الموصى له [ ص: 152 ] زوج الجارية ، وقبل ، عتق الولد عليه بالملك ، وله عليه الولاء ، ولا تصير الجارية أم ولد .

                                                                                                                                                                        ( القسم ) الثالث : أن تلد قبل مضي أقل مدة الحمل من يومي الموت والوصية جميعا .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا : الحمل يعرف ، فكأنه أوصى بالجارية والحمل جميعا ، وإلا ، فعلى الخلاف في أن الوصية متى تملك ؟ على ما ذكرناه في القسم الثاني .

                                                                                                                                                                        الحال الثالث : أن تلد بعد الموت والقبول ، وله صور .

                                                                                                                                                                        أحدها : تلد بعد مضي أقل مدة الحمل من وقت القبول ، فالولد للموصى له .

                                                                                                                                                                        فلو كان زوج الجارية ، انعقد الولد حرا ، وصارت أم ولد له .

                                                                                                                                                                        الثانية : تلد قبل مضي هذه المدة من وقت القبول ، وبعدها من وقت الموت .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا : الوصية تملك بالموت ، أو موقوف ، فقبل ، فحكمه حكم الصورة الأولى .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : تملك بالقبول ، وأنها قبل القبول للورثة .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا : الحمل يعرف ، فهو زيادة للورثة ، وإلا فللموصى له ، وإذا كان الموصى له زوج الجارية ، عتق الولد عليه ، وثبت له الولاء عليه ، ولا تصير أم ولد .

                                                                                                                                                                        الثالثة : تلد قبل مضي هذه المدة من وقت القبول والموت جميعا ، وبعدها من يوم الوصية .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا : الحمل يعرف ، فالولد غير داخل في الوصية .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا : لا ، واعتبرنا حالة الانفصال ، فالانفصال حصل في ملك الموصى له ، فيكون الولد له ، ويعتق عليه إن كان زوجها ، ولا استيلاد .

                                                                                                                                                                        الرابعة : تلد قبل مضيها من يوم الوصية أيضا .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا : الحمل يعرف ، فهو داخل في الوصية ، وإلا فهو حاصل في ملك الموصى له ، فيكون له ، فإن كان زوجها ، عتق عليه بالملك ، ولا استيلاد .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية