الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : من رمى صيدا فتردى من جبل فلا يأكله ، فإني أخاف أن يكون التردي قتله ، وإن رمى طيرا فوقع في ماء فلا تأكله ، فإني أخاف أن يكون الغرق قتله ، وبه نأخذ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { قال لعدي بن حاتم : رضي الله تعالى عنه إذا وقعت رميتك في الماء فلا تأكل ، فإنك لا تدري أن الماء قتله أم سهمك } ولأن التردي وجب للحرمة ، فإن الله تعالى ذكر جملة المحرمات المتردية ، وعند اجتماع معنى الموجب للحل ومعنى الموجب للحرمة يغلب الموجب للحرمة ، وهذا بخلاف ما لو رمى طيرا في الهواء فوقع على الأرض ومات ، فإنه يؤكل ، وإن كان من الجائز أنه مات بوقوعه على الأرض ، فإن ذلك لا يستطاع الامتناع عنه فيكون عفوا ، والتكليف بحسب الوسع ، بخلاف الوقوع في الماء والتردي من موضع ، فإنه يستطاع الامتناع عنه ، ويستوي في ذلك طير الماء وغيره ; لأن طير الماء يعيش في الماء غير مجروح ، فأما بعد الجرح يتوهم أن يكون الماء قاتلا له ، كما يتوهم بغيره ، وهذا بخلاف ما لو ذبح شاة ، وتردى بعد الذبح من موضع ، أو وقعت في ماء ; لأن قطع الحلقوم والأوداج ذكاة مستقرة ، فإنه يحادي بالموت عليه دون ما يتعرض بعده ، فأما الرمي ليس بزكاة مستقرة ، حتى إذا وقع الصيد في [ ص: 225 ] يد الرامي حيا لم يحل إلا بالذبح ; فلهذا كان التردي من الجبل ، والوقوع في الماء محرما له .

التالي السابق


الخدمات العلمية