الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 3 ] { من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين } " حديث شريف " بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الفرائض أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة بمعنى مفروضة : أي مقدرة لما فيها من السهام المقدرة فغلبت على غيرها . والفرض لغة التقدير ، ويرد بمعنى القطع والتبيين والإنزال والإحلال والعطاء . وشرعا هنا نصيب مقدر للوارث . وتعريف هذا العلم هو الفقه المتعلق بالإرث والعلم الموصل لمعرفة قدر ما يجب لكل ذي حق من التركة والأصل فيه قبل الإجماع آيات المواريث وأخبار كخبر الشيخين { ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر } .

                                                                                                                            وفائدة قوله صلى الله عليه وسلم " ذكر " بيان أن المراد بالرجل هنا ما قابل المرأة ، فيشمل الصبي لا ما قابل الصبي المختص بالبالغ ، وورد في الحث على تعلمها وتعليمها أخبار منها ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم { تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض ، وإن هذا العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في فريضة [ ص: 4 ] فلا يجدان من يقضي بينهما } وورد أنه نصف العلم وأنه ينسى وأنه أول علم ينزع من الأمة : أي بموت أهله ، وسمي نصفا لتعلقه بالموت المقابل للحياة ، وقيل النصف بمعنى الصنف .

                                                                                                                            قال الشاعر :

                                                                                                                            إذا مت كان الناس نصفان شامت وآخر مثن بالذي كنت أصنع

                                                                                                                            وهو مخرج على لغة من يلزم المثنى الألف مطلقا أو اسم كان ضمير الشأن محذوفا ، والناس مبتدأ ونصفان خبره والجملة خبر كان ، والمراد بالنصف الشطر لا خصوص النصف كما لا يخفى ، وعلم الفرائض يحتاج إلى ثلاثة علوم : علم الفتوى بأن يعلم نصيب كل وارث من التركة ، وعلم النسب بأن يعلم الوارث من الميت بالنسب وكيفية انتسابه للميت ، وعلم الحساب بأن يعلم من أي حساب تخرج المسألة ، وحقيقة مطلق الحساب أنه علم بكيفية التصرف في عدد لاستخراج مجهول من معلوم ( يبدأ ) وجوبا ( من تركة الميت ) وهي ما يخلفه من حق كجناية وحد قذف أو اختصاص أو مال كخمر تخللت بعد موته ودية أخذت من قاتله لدخولها في ملكه ، وكذا ما وقع بشبكة نصبها في حياته على ما قاله الزركشي وما نظر به من انتقالها بعد الموت للورثة ، فالواقع بها من زوائد التركة ، وهي ملكهم رد بأن سبب الملك نصبه للشبكة لا هي ، وإذا استند الملك لفعله كان تركة ، ووقع السؤال عمن عاش بعد موته معجزة لنبي .

                                                                                                                            وأجاب بعضهم بتبين بقاء ملكه لتركته ، وهو محمول على أنه بالإحياء تبين عدم موته ، لكنه خلاف الفرض في السؤال إذ لا توجد المعجزة إلا بعد تحقق الموت ، وعند تحققه ينتقل الملك للورثة بالإجماع ، فإذا وجد [ ص: 5 ] الإحياء كانت هذه حياة جديدة مبتدأة بلا تبين عود ملك ويلزمه أن نساءه لو تزوجن أن يعدن له وليس كذلك بل يبقى نكاحهن .

                                                                                                                            والحاصل أن زوال الملك والعصمة محقق وعوده مشكوك فيه ، فيستصحب زواله حتى يثبت ما يدل على العود ، ولم يثبت فيه شيء فوجب البقاء مع الأصل ، وسيأتي في الصداق حكم الممسوخ جمادا أو حيوانا بالنسبة لمخلفه وغيره ( بمؤنة تجهيزه ) ولو كافرا من كفن وأجرة غسل وحمل وحفر وطم وحنوط كما في المجموع عن الأصحاب لاحتياجه لذلك كالمفلس ، بل أولى لانقطاع كسبه بالمعروف بحسب يساره وإعساره ، ولا عبرة بما كان عليه في حياته من إسرافه وتقتيره ، وعلم مما مر في الجنائز أن عليه مؤنة تجهيز عبده ونحوه ممن تلزمه نفقته كزوجته غير الناشزة إذا كان موسرا وإن كان لها تركة ولو اجتمع معه ممونه ولم تف تركته إلا بأحدهما فالأوجه تقديمه [ ص: 6 ] لتبين عجزه عن تجهيز غيره ، أو اجتمع جمع من ممونه وماتوا دفعة قدم كما في الروضة من يخشى تغيره ثم الأب لشدة حرمته ثم الأم ; لأن لها رحما ثم الأقرب فالأقرب ، ويقدم الأكبر سنا من أخوين مثلا ، ويقرع بين زوجتيه إذ لا مزية ، والأوجه تقديم الزوجة على جميع الأقارب ثم المملوك الخادم لها بعدها لأن العلقة بهما أتم أخذا مما ذكر في النفقات ، وقياس كلامهم فيما لو دفن اثنان فأكثر في قبر أنه يقدم هنا في نحو الأخوين المستويين سنا الأفضل بنحو فقه أو ورع ، وأنه لا يقدم فرع على أصله من جنسه ، بخلافه من غير جنسه فيقدم أب على ابن وإن كان أفضل منه وابن على أمه لفضيلة الذكورة ورجل على صبي وهو على خنثى فيجعل امرأة ، فإن استووا أقرع بينهم .

                                                                                                                            وفي كلام الأذرعي ما يؤيد ما ذكرناه ، وظاهر كلامهم الإقراع بين الزوجات ، وإن تفاوتن في الفضل وغيره ، ويوجه بأن الزوجية لا تقبل التفاوت فيها ، بخلاف الأخوة المقتضية لوجوب التجهيز ، وبه يعلم أن المملوكين كذلك ، أما إذا ترتبوا فيقدم السابق حيث أمن فساد غيره ولو مفضولا ، هذا كله إن لم يمكنه القيام بأمر الجميع ، وإلا فالأوجه وجوبه كما بحثه الزركشي أخذا مما مر في الفطرة ، فتقدم الزوجة فالولد الصغير فالأب فالأم فالكبير ، ولعل الفرق بين هذا وما مر قبله أن ذاك فيه إيثار مجرد التعجيل فنظر فيه إلى الأشرف ، وهذا فيه إيثار بالتجهيز فنظر فيه إلى الألزم مؤنة ثم الأشرف ، وذكرهم الأخوين هنا مع أن الكلام إنما هو فيمن تجب مؤنته لعلهم أرادوا به ما إذا انحصر تجهيزهما فيه أو ألزمه به من يرى وجوب ذلك ( ثم ) بعد مؤنة التجهيز ( تقضى ديونه ) المتعلقة بذمته من رأس المال سواء أكان لله تعالى أم لآدمي أوصى به أم لا ; لأنه حق واجب عليه ، وإنما قدمت الوصية في الآية على الدين ذكرا لكونها قربة أو مشابهة للإرث من حيث أخذها بلا عوض ومشقتها على [ ص: 7 ] الورثة ونفوسهم مطمئنة على أدائه فقدمت عليه بعثا على وجوب إخراجها والمسارعة إليه .

                                                                                                                            ويقدم دين الله تعالى كزكاة وكفارة وحج على دين الآدمي ، أما المتعلقة بعين التركة فستأتي ( ثم ) بعد الدين ، وإن كان إنما يثبت بإقرار الوارث سواء أكان بعد ثبوت الوصية أم قبلها كما علم مما نقلناه عن الصيدلاني تنفذ ( وصاياه ) وما ألحق بها من عتق علق بالموت أو تبرع نجز في مرض الموت أو الملحق به لقوله تعالى { من بعد وصية يوصى بها أو دين } ( من ) للابتداء فتدخل الوصايا بالثلث وببعضه ( ثلث الباقي ) بعد الدين كما نبه عليه بثم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 3 ] كتاب الفرائض ( قوله : أي مقدرة ) فسره بذلك مع أن الفرض مشترك على ما ذكره بقوله ويرد بمعنى إلخ ; لأنه المناسب ( قوله : فغلبت على غيرها ) لفضلها بتقدير الشارع لها ولكثرتها انتهى حج ( قوله : ويرد بمعنى القطع ) أي لغة ( قوله : والإنزال ) ومنه { إن الذي فرض عليك القرآن } الآية ( قوله : والإحلال ) أي الإباحة ( قوله : مقدر للوارث ) أي لا يزيد إلا بالرد ولا ينقص إلا بالعول ( قوله : والعلم الموصل ) عطف تفسير ; لأن العلم الموصل لما ذكر هو عين الفقه ، ويمكن أن لا يكون تفسيريا بحمل الفقه على معرفة أن للبنت إذا انفردت النصف ولا يلزم معرفة ما لكل واحد إلا بالحساب الذي يتوصل به إلى معرفة أصول المسائل وتصحيحها ، وما ذكره الشارح شامل لقول شيخنا الزيادي وعلم الفرائض ، كما قال بعضهم هو الفقه المتعلق بالإرث ، ومعرفة الحساب الموصل إلى معرفة ذلك القدر الواجب لكل ذي حق انتهى .

                                                                                                                            ( قوله : فلأولى رجل ) أي أقرب انتهى حج وأراد بالأقرب ما يشمل الأقوى [ ص: 4 ] قوله : وأنه ينسى ) أي أنه أكثر نسيانا من غيره ، أو أنه ينسى بحيث لا يصير لأحد به شعور ، بخلاف غيره فإنه لا يصل في النسيان إلى هذا الحد ( قوله : وأنه أول علم ينزع من الأمة ) هو معنى الحديث ولفظه على ما في حج { تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم ، وهو ينسى وهو أول علم ينزع من أمتي } وقال : إنه ضعيف ا هـ ولعل هذا حكمة المغايرة في كلام الشارح حيث قال هنا : ورد أنه نصف العلم إلخ ، وفيما قبله منها ما صح إلخ ( قوله : وآخر مثن ) في شرح الأربعين لحج بدل وآخر بموتى ومثن ( قوله : والمراد بالنصف إلخ ) الأولى التعبير بأو ليكون جوابا آخر ، وعلى ما في الأصل فلعله تفسير للنصف ( قوله : وهي ) أي التركة ما يخلفه من حق : أي وإن لم يتأت منه التجهيز ولا قضاء الديون كحد القذف ( قوله : أو اختصاص ) انظر لو كان لما يؤخذ في مقابلة رفع اليد عنها وقع هل يكلف الوارث ذلك وتوفى منه ديونه أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لما فيه من براءة ذمة الميت ونظيره ما قيل إن المفلس إذا كان بيده وظائف جرت العادة بأخذ العوض في مقابلة النزول عنها كلف ذلك ( قوله : كخمر تخللت ) أي فإن لم تتخلل فهي من جملة الاختصاص وقد مر ( قوله : ودية أخذت من قاتله ) أي سواء وجبت ابتداء كدية الخطأ أو بالعفو عن القصاص سواء كان العفو منه أو من وارثه ( قوله : عمن عاش بعد موته إلخ ) هل [ ص: 5 ] يتبين عدم خروج التركة عن ملكه أو لا ( قوله : فوجب البقاء مع الأصل ) هو موته ، ثم ما ذكره من الحياة هل تترتب عليه أحكام الحياة الأولى من وجوب القصاص على قاتله المكافئ له ووجوب الحد على من زنى به لو كان امرأة والمهر لها وتجهيزه بالغسل والتكفين والصلاة عليه إذا مات وسائر الأحكام ، أو لا يثبت شيء من ذلك إلحاقا لهذه الحياة بالأمور الأخروية واستصحابا لحكم الموت كحياة الشهيد ، أو يفرق بين كون الحياة العائدة مستمرة أم لا كحركة المذبوح ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول .

                                                                                                                            ويحتمل أن يفرق بين الحياة المستقرة وغيرها فيعطي حكم الأحياء في الأولى دون الثانية ، ولو قيل به لم يكن بعيدا وتجعل هذه الحياة من أمور الآخرة فلا ينقطع بها حكم البرزخ ، ويدل عليه ما قيل في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم من أنهما أحييا له وآمنا به ، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهما بعد ذلك ولا غسلهما .

                                                                                                                            وفي فتاوى ابن حجر الحديثية في آخر الجواب عما لو مات شخص ثم أحياه الله إلخ ما نصه : وقد علم من قواعد شرعنا كما قررته أنه لا عبرة بالحياة بعد الموت المتيقن : أي بإخبار نحو معصوم كما قدمه ، وإن لم يتيقن موته حكمنا ; لأن ما كان به غشي أو نحوه . ا هـ . ويوافق ما في الفتاوى قول الشارح إذ لا توجد المعجزة إلا بعد تحقق الموت ، هذا ونقل عن خط شيخنا الشوبري ما صورته منازعة للفتاوى قوله : فلا يجوز لنا أن ندير عليها حكما ، وقوله : قبله لم يكن لحياته أثر كلاهما صريح أو كالصريح في أنه لا يجب تجهيزه ثانيا ، وبه يرد قول شيخ مشايخنا .

                                                                                                                            [ فرع ] لو مات إنسان موتا حقيقيا وجهز ثم أحيي حياة حقيقة ثم مات فالوجه الذي لا شك فيه أنه يجب له تجهيز آخر خلافا لما توهم . ا هـ . وقد كنت أتوقف في كلام الشيخ كثيرا لما علل به في الجواب من قوله ; لأنها وقعت خارقة للعادة حتى وقفت على هذا الجواب فلله الحمد الكريم الوهاب .

                                                                                                                            قال : وفي البحر للزركشي قال الماوردي في تفسيره : اختلف في بقاء تكليف من أعيد بعد موته ، فقيل يبقى لئلا يخلو عاقل عن تعبد ، وقيل يسقط فالتكليف معتبر بالاستدلال دون الاضطرار . ا هـ . وهو غريب . وقال الإمام في تفسيره : إذا جاز تكليفهم بعد الموت فلم لا يجوز تكليف أهل الآخرة ؟ فأجاب بأن المانع من الآخرة الاضطرار إلى المعرفة وبعد العلم الضروري لا تكليف وأهل الصاعقة يجوز كونه تعالى لم يضطرهم فصح تكليفهم بعد ذلك . ا هـ .

                                                                                                                            قال بعض مشايخنا : الحق أن الآيات المضطرة لا تمنع التكليف ، وقد أبوا أخذ الكتاب فرفع الجبل فوقهم فآمنوا وقبلوه ، ولا شك أن في هذا آية مضطرة . وقول الرازي بعد التكليف في الآخرة ليس على إطلاقه ، فإن التكليف في الآخرة باق فيها ، وقد جاء أنه يؤجج نار ويؤمر بالدخول فيها ، فمن أقبل على ذلك صرف عنها وهذا تكليف .

                                                                                                                            وقال بعضهم : قولهم الآخرة دار جزاء والدنيا دار تكليف محمول على الأغلب في كل ، وأن في الآخرة التكليف كما في الدنيا الجزاء . ا هـ ما قاله شيخنا .

                                                                                                                            ( قوله : ولو كافرا ) أي غير حربي ولا مرتد ; لأنه لا يبطل تجهيزه ، بل يجوز إغراء الكلاب على جيفته ، بل يحرم تجهيزه مما خلفه ; لأنه صار فيئا ( قوله : لاحتياجه لذلك ) علة للبداءة بمؤنة التجهيز ( قوله : فالأوجه تقديمه ) أي [ ص: 6 ] وإن مات ممونه قبله وخيف تغيره ( قوله : من يخشى تغيره ) أي وإن بعد وكان مفضولا ( قوله : ثم الأم ) ظاهره تقديم الأبوين على الفرع ولو صغيرا ، وسياق ما يصرح به في قوله ولعل الفرق بين هذا وما مر إلخ ، وظاهره أيضا أن الأم تقدم على الفرع ولو ذكرا وسيأتي ما يخالفه ( قوله : ويقدم الأكبر سنا ) أي ولو كان مفضولا كما اقتضاه إطلاقه وأفاده قوله : الآتي أنه يقدم هنا في نحو الأخوين المستويين سنا الأفضل بنحو فقه أو ورع . وقياس ذلك تقديم الولد الكبير على الولد الصغير إذا لم يمكنه القيام بهما ( قوله : إذ لا مزية ) أي من حيث الزوجية كما يأتي فلا نظر إلى كون إحداهما أفضل من الأخرى ( قوله : والأوجه تقديم الزوجة إلخ ) أي فتقدم على الأب إلخ ( قوله : لفضيلة الذكورة ) يؤخذ منه أن الإخوة لو اختلفوا ذكورة وأنوثة قدم الذكر ، وأن المماليك كذلك ( قوله : فيجعل امرأة ) أي يفرض ( قولهما يؤيد ما ذكرناه ) أي من التفصيل ( قوله : بخلاف الإخوة ) أي فإنها تتفاوت في نفسها بأن يكون أحد الإخوة شقيقا والآخر لأب أو لأم ( قوله : وبه يعلم أن المملوكين كذلك ) أي كالزوجين ; لأن الملكية لا تتفاوت فيهم ( قوله : وإلا فالأوجه وجوبه ) أي الترتيب ( قوله : وما مر قبله ) أي من تقديم الأب والأم على الولد الصغير ( قوله : إن ذاك فيه إلخ ) يتأمل قوله : إن ذاك إلخ فإنه فرض الكلام ، ثم فيما إذا لم تف التركة إلا بتجهيز واحد ، وعليه فالفائت التجهيز لا التعجيل فكان المناسب أن يقول : إن الفائت ثم التجهيز فروعي فيه الأشرف ، والفائت هنا مجرد التعجيل فروعي فيه الألزم .

                                                                                                                            ( قوله : ما إذا انحصر تجهيزهما فيه ) أي بأن لم يكن ثم غنى إلا هو ( قوله : أم لآدمي أوصى به ) أي ذلك الآدمي به ، أي بالدين : هذا هو المتبادر مما ذكر ، وقد يتوقف فيه بأن ما أوصى به ليس ثابتا في ذمته ، فلعل المراد أن الدائن أوصى به لزيد مثلا ومات وقبل الموصى له الوصية ثم مات من عليه .

                                                                                                                            [ ص: 7 ] الدين فيخرج من تركته مقدما على الإرث ، وعلى ما أوصى به من عليه الدين ; لأنه لم يملك بالوصية من جهته فليتأمل . وأن المراد أوصى بقضائه مقدما على غيره أو لم يوص به ، ويكون فائدة التنصيص عليه دفع ما قد يتوهم من أنه إذا أوصى به تعلق بالثلث فيزاحم غيره من الوصايا ، وهذا هو الظاهر لما تقدم أنه المتبادر من العبارة . ( قوله : كزكاة وكفارة وحج على دين الآدمي ) أي أما بعض هذه الثلاثة مع بعض فهل يخير أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول .

                                                                                                                            والكلام بالنسبة للزكاة مفروض فيما لو تلف المال حتى يكون في الذمة ، إذ لو كان باقيا كانت متعلقة به تعلق شركة ( قوله : أما المتعلقة إلخ ) محترز قوله بذمته ( قوله : بعد الدين إلخ ) قضية التعبير بثم هنا وفيما يأتي أنه لو عكس الترتيب لم يجز .

                                                                                                                            وفي حج : قال بعضهم : ووجوب الترتيب فيما ذكر إنما هو عند المزاحمة ، فلو دفع الوصي مثلا مائة للدائن ومائة للموصى له ومائة للوارث معا لم يتجه إلا الصحة : أي والحل ، ويوجه بأنه حينئذ لم يقارن الدفع مانع ، ونظيره من عليه حجة الإسلام وغيرها فإنهم صرحوا بوجوب الترتيب بينهما ، قالوا : والمراد به أن لا يتقدم على حجة الإسلام غيرها لا أن لا يقارنها غيرها . ا هـ .

                                                                                                                            وقضيته أنه لو قدم المؤخر في الإعطاء لم يصح ولم يحل ، فلو دفع الوصي الموصى به للموصى له قبل أداء الدين أو دفع فلورثته حصصهم وأبقى مقدار الدين والموصى به لم يعتد بما فعله ويجب استرجاع ما دفع لهما ( قوله : مما نقلناه عن الصيدلاني ) لم يتقدم له هنا نقل عنه ولعله ذكره في باب الإقرار فليراجع ، وعبارة حج مما نقلاه ثم رأيته في نسخة كذلك .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 3 ] كتاب الفرائض ( قوله : والفرض لغة التقدير ويرد بمعنى القطع إلخ ) ظاهر هذا السياق أنه حقيقة في التقدير مجاز في غيره ، أو أنه مشترك بين هذه المعاني واستعماله في التقدير أكثر . وعبارة والده في حواشي شرح الروض بعد أن أورد المعاني التي ذكرها الشارح بشواهدها مع زيادة نصها : فيجوز أن يكون الفرض حقيقة في هذه المعاني ، أو في [ ص: 4 ] القدر المشترك وهو التقدير فيكون مقولا عليها بالاشتراك اللفظي أو بالتواطؤ وأن يكون حقيقة في القطع مجازا في غيره لتصريح كثير من أهل اللغة بأنه أصله ( قوله : وهي ما يخلفه من حق إلخ ) أي ولا ينافي هذا التفسير ما الكلام فيه من أنه يخرج منها الأمور الآتية ; لأن التركة بهذا المعنى مبدأ الإخراج ، ومعلوم أنه لا يكون إلا مما يصح الإخراج منه وهو الأموال فلا يضر اشتمالها على غيره ، ويجوز أن تكون من للتبعيض ، والبعض الذي يخرج منه هو المال ، لكن هذا يقتضي وجوب تقديم المؤن ، والدين ، والوصية على استيفاء نحو حد قذف فلا يجوز تقديم استيفائه على واحد منها ، وظاهر أنه ليس كذلك ، فالأولى الجواب بأن فيه شبه استخدام ، فالمعرف مطلق التركة لا خصوص ما يخرج منه ذلك . [ ص: 5 - 6 ] قوله : وما مر قبله ) أي في قوله أو اجتمع جمع من ممونه




                                                                                                                            الخدمات العلمية