الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وإذا أوصى لجهة عامة فالشرط أن لا تكون معصية ) ولا مكروها : أي لذاته لا لعارض كما يعلم مما يأتي في النذر فيهما ، وكذا إذا أوصى لغير جهة يشترط عدم المعصية والكراهة أيضا ، ومن ثم بطلت لكافر بنحو مسلم أو مصحف ، وإنما اقتصر على الأولى ; لكثرة وقوعها أو قصدها بخلاف غير الجهة ، وشمل عدم المعصية القربة كعمارة المساجد ولو من كافر وقبور الأنبياء والعلماء والصالحين لما في ذلك من إحياء الزيارة والتبرك بها ، ولعل المراد به كما قاله صاحب الذخائر ، وأشعر به كلام الإحياء في أوائل كتاب الحج ، وكلامه في الوسيط في زكاة النقد يشير إليه أن تبنى على قبورهم القباب والقناطر كما يفعل في المشاهد إذا كان الدفن في مواضع مملوكة لهم أو لمن دفنهم فيها لا بناء القبور نفسها للنهي عنه ، ولا فعله في المقابر المسبلة فإن فيه تضييقا على المسلمين خلافا لما استوجهه الزركشي من كون المراد بعمارتها رد التراب فيها وملازمتها خوفا من الوحش والقراءة عندها ، وإعلام الزائرين بها لئلا تندرس .

                                                                                                                            وفي زيادات العبادي لو أوصى بأن يدفن في بيته بطلت الوصية ، ولعله مبني عن أن الدفن في البيت مكروه وليس كذلك . والمباحة كفك أسارى كفار منا ، وإن كان الموصي ذميا ; لأن الوصية جائزة للمعين من أهل الحرب فالأسارى أولى وبناء رباط لأهل الذمة أو سكناهم به ، وإن سميت كنيسة خلافا للسبكي [ ص: 43 ] ما لم يأت بما يدل على أنه للتعبد وحده أو مع نزول المارة على أوجه الوجهين خلافا لبعضهم . أما إذا كانت معصية فلا تصح من مسلم ولا كافر ( كعمارة ) أو ترميم ( كنيسة ) للتعبد أو إسراجها تعظيما أو بكتابة التوراة والإنجيل وقراءتهما أو أحكام شريعة اليهود والنصارى وكتب النجوم والفلسفة وسائر العلوم المحرمة ، وإعطاء أهل ردة أو حرب وشمل وقودها ما لو انتفع به مقيم أو مجاور بها بضوئه ; لأن فيه إعانة على تعبدهم وتعظيمها كما اقتضاه كلامهم واختاره جمع فإن قصد به انتفاعهم بذلك لا تعظيمها صحت كما لو أوصى بشيء لأهل الذمة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولا مكروها ) أي لذاته : أي ما ذكر من المعصية والكراهة كبيع العنب والرطب لعاصر الخمر فإنه حرام حيث غلب على ظنه اتخاذه خمرا ، ومكروه حيث توهمه فتصح الوصية ( قوله : بنحو مسلم إلخ ) أي مما يحرم بيعه له كالمرتد وكتب علم فيها آثار السلف ( قوله : أو مصحف ) أي إذا بقي على الكفر لموت الموصي ( قوله : وإنما اقتصر على الأولى ) هي قوله : وإذا أوصى لجهة عامة إلخ ، والثانية قوله : وكذا إذا أوصى لغير جهة إلخ ( قوله : ولعل المراد به ) أي عمارة القبور ( قوله : أن تبنى على قبورهم القباب ) جعله الشارح في الجنائز مؤيدا لعدم جواز حفر قبور الصالحين في المسبلة ، وعبارته ثم قبيل الزكاة : ومحل ذلك كما قاله الموفق بن حمزة في مشكل الوسيط ما لم يكن المدفون صحابيا أو ممن اشتهرت ولايته وإلا امتنع نبشه عند الانمحاق ، وأيده بعض المتأخرين بجواز الوصية لعمارة قبور الأنبياء والصالحين لما فيه من إحياء الزيارة والتبرك . إذ قضيته جواز عمارة قبورهم مع الجزم هنا بما مر من حرمة تسوية القبر وعمارته في المسبلة . ا هـ .

                                                                                                                            والمعتمد ما في الجنائز ( قوله : وليس كذلك ) أي فتصح الوصية ( قوله : والمباحة ) عطفا على قوله القربة ( قوله : فالأسارى أولى ) قضية ذلك تخصيصه بما لو أوصى [ ص: 43 ] بفك أسارى معينين ، ونقله حج عن شرح الروض وعبارته بعد كلام ذكره عن شرح الروض والكلام في المعينين فلا يصح لأهل الحرب والردة . ا هـ : أي بفك أهل الحرب إلخ ( قوله : ما لم يأت بما يدل إلخ ) أي فلا تصح الوصية ( قوله : أو مع نزول المارة ) ومنه الكنائس التي في جهة بيت المقدس التي ينزلها المارة فإن المقصود ببنائها التعبد ونزول المارة طارئ ( قوله : أما إذا كانت معصية إلخ ) أي أو مكرهة كما علم من قوله السابق والكراهة أيضا ( قوله : أو ترميم كنيسة ) هذا في الكنائس الذي حدثت بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم . أما ما وقف منها قبل نسخ شريعة عيسى صلى الله عليه وسلم فحكمها حكم مساجدنا ، ولا تمكن النصارى من دخولها إلا لحاجة بإذن مسلم كمساجدنا ، كذا نقل عن إفتاء السبكي ، وحينئذ فيصح الوقف عليها وإن كانت للتعبد ; لأن ، الذين يتعبدون بها الآن هم المسلمون دون غيرهم وإن سميت كنيسة ( قوله : أو بكتابة التوراة والإنجيل ) أي ولو غير مبدلين ; لأن فيه تعظيما لهم ( قوله : فإن قصد به انتفاعهم ) أي المجاورين لها ( قوله : كما لو أوصى بشيء لأهل الذمة ) أي ويرجع في ذلك إليه ، فإن لم يعلم منه شيء عمل بالقرائن ، فإن لم تظهر قرينة بطلت عملا بالظاهر والأصل من أن الوصية لها لتعظيمها .




                                                                                                                            الخدمات العلمية