الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث، جامعا بين أطراف كلامهم، ملاحظا مواقع استعمالهم، فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان:

أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر، حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد، وهو ورود حديث آخر بنحوه، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا. وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل.

القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح؛ لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما يتفرد به من حديثه منكرا. ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا سلامته من أن يكون معللا. وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي.

فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك، وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر، مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل، معرضا عما رأى أنه لا يشكل. أو أنه غفل عن البعض وذهل. والله أعلم. هذا تأصيل ذلك ونوضحه بـ:

[ ص: 298 ] [ ص: 299 ]

التالي السابق


[ ص: 298 ] [ ص: 299 ] قوله: (وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث، جامعا بين أطراف كلامهم، ملاحظا مواقع استعمالهم، فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن قسمان ...) إلى آخر كلامه.

وقد أنكر بعض العلماء المتأخرين لفظ الإمعان، وقال: إنه ليس عربيا، وكذلك قول الفقهاء في التيمم: "أمعن في الطلب" ونحو ذلك.

وقد نظرت في ذلك، فوجدته مأخوذا من: "أمعن الفرس في عدوه" أو من: "أمعن الماء" إذا استنبطه وأخرجه.

وقد حكى الأزهري في (تهذيب اللغة) عن الليث بن المظفر: "أمعن الفرس وغيره إذا تباعد في عدوه" وكذا قال الجوهري [ ص: 300 ] في الصحاح.

وحكاه الأزهري أيضا: "أمعن الماء إذا أجراه" ويحتمل أنه من أمعن إذا كثر، وهو من الأضداد.

قال أبو عمر: "المعن: القليل، والمعن: الكثير، والمعن: الطويل، والمعن: القصير، والمعن: الإقرار بالحق، والمعن: الجحود والكفر للنعم، والمعن: الماء الطاهر".

وما ذكره المصنف من كون الحديث الحسن على قسمين ... إلى آخر كلامه قد أخذ عليه فيه الشيخ تقي الدين في الاقتراح إجمالا، فقال بعد أن حكى كلامه: "وعليه فيه مؤاحذات ومناقشات".

وقال بعض المتأخرين: "يرد على القسم الأول المنقطع والمرسل [ ص: 301 ] الذي في رجاله مستور وروي مثله أو نحوه من وجه آخر. ويرد على الثاني المرسل الذي اشتهر رواته بما ذكر".

قال: "فالأحسن أن يقال: الحسن ما في إسناده المتصل مستور له به شاهد، أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان، وخلا من الشذوذ والعلة" والله أعلم.




الخدمات العلمية