الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثامنة: في رواية المجهول، وهو في غرضنا هنا أقسام:

(أحدها): المجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعا، وروايته غير مقبولة عند الجماهير على ما نبهنا عليه أولا.

(الثاني): المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة، وهو عدل في الظاهر، وهو المستور، فقد قال بعض أئمتنا: "المستور من يكون عدلا في الظاهر، ولا نعرف عدالة باطنه" فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول، وهو قول بعض الشافعيين، وبه قطع منهم الإمام سليم بن أيوب الرازي، قال: "لأن أمر الأخبار مبني على حسن الظن بالراوي؛ ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن، فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر، وتفارق الشهادة؛ فإنها تكون عند الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك، فاعتبر فيها العدالة في الظاهر والباطن".

قلت: ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم، وتعذرت الخبرة الباطنة بهم. والله أعلم.

(الثالث): المجهول العين، وقد يقبل رواية المجهول العدالة من لا يقبل رواية المجهول العين. ومن روى عنه عدلان وعيناه فقد ارتفعت عنه هذه الجهالة. [ ص: 567 ] [ ص: 568 ]

التالي السابق


[ ص: 567 ] [ ص: 568 ] 85 - قوله: (الثاني: المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر، وهو المستور، فقد قال بعض أئمتنا: "المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا نعرف عدالة باطنه") انتهى.

[ ص: 569 ] وهذا الذي أبهمه المصنف بقوله: "بعض أئمتنا" هو أبو محمد البغوي صاحب التهذيب، فهذا لفظه بحروفه فيه، ويوافقه كلام الرافعي في (الصوم) فإنه قال فيه: "إن العدالة الباطنة هي التي يرجع فيها إلى أقوال المزكي" وحكى في (الصوم) أيضا في قبول رواية المستور وجهين من غير ترجيح.

وصحح النووي في شرح المهذب قبول روايته.

نعم، عبارة الشافعي - رحمه الله - في (اختلاف الحديث) تدل على أن التي يحكم الحاكم بها هي العدالة الظاهرة؛ فإنه قال في جواب سؤال ورده: "فلا يجوز أن يترك الحاكم شهادتهما إذا كانا عدلين في الظاهر" انتهى.

فعلى هذا تكون العدالة الظاهرة هي التي يحكم الحاكم بها، وهي التي تستند إلى أقوال المزكين، بخلاف ما ذكره الرافعي في (الصوم). والله أعلم.




الخدمات العلمية