الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو حلب من امرأة لبن كثير ففرق ثم أوجر منه صبي مرتين أو ثلاثة لم يكن إلا رضعة واحدة وليس كاللبن يحدث في الثدي كلما خرج منه شيء حدث غيره " . قال الماوردي : وجملة ذلك أن للمرأة إذا حلب لبنها وشربه الولد أربعة أحوال : أحدها : أن يحلب لبنها مرة واحدة ويشربه المولود في مرة واحدة فهذه رضعة واحدة ، سواء قل اللبن أو كثر . والحال الثانية : أن يحلب لبنها خمس مرات في خمس أواني ويشربه في خمس مرات فهذه خمس رضعات لوجود العدد من الجهتين . والحال الثالثة : أن يحلب لبنها مرة واحدة في إناء واحد ، ويشربه المولود في خمس مرات ، فالذي نقله المزني في مختصره وجامعه ونقله الربيع في كتاب الأم أنها رضعة واحدة اعتبارا بفعل المرضعة ، قال الربيع : وفيه قول آخر أنها خمس رضعات اعتبارا بشرب المرتضع ، واختلف في تخريج الربيع ، هل هو قول ثان للشافعي أو هو وجه قاله مذهبا لنفسه ، فكان أبو إسحاق المروزي ، وأبو علي بن أبي هريرة يجعلانه وجها قاله مذهبا لنفسه ، وكان أبو حامد المروزي وجميع البصريين يخرجونه قولا ثانيا للشافعي ، فإذا قيل بالقول المشهور : إنه يكون رضعة واحدة اعتبارا بفعل المرضعة فوجهه قول الله تعالى وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم [ النساء : 23 ] فأضاف فعل الرضاع إليهن فاقتضى أن يكون فعلهن فيه أغلب ، وهو المعتبر في الحكم ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة في سالم : أرضعيه خمس رضعات يحرم بهن عليك فاعتبر فعلها ، وإذا قيل [ ص: 379 ] بالثاني ، وهو تخريج الربيع : أنه يكون خمس رضعات اعتبارا بشرب المرتضع فوجهه أن جهته أقوى من جهة المرضعة لوقوع التحريم بوصول اللبن إليه لا بانفصاله عنها ؛ ولأن الحالف لا يأكل إلا مرة إذا جمع له الطعام فأكله مرارا حنث اعتبارا بأكله لا يجمعه كذلك الرضاع . والحال الرابعة : أن يحلب لبنها خمس مرات في خمسة أواني ، ويشربه مرة واحدة ، ففيه ما ذكرنا من القولين أحدهما : يكون خمس رضعات اعتبارا بفعل المرضع . " والقول الثاني : أن يكون رضعة واحدة اعتبارا بشرب المرتضع . وأما إذا حلب خمس مرات في خمس أواني ، ثم جمع في إناء وشربه المرتضع في خمس مرات ، فالصحيح الذي عليه جمهور أصحابنا أنه يكون بخمس رضعات اعتبارا بوجود العدد في الانفصال والاتصال . وقال بعض أصحابنا : يعتبر بعد الاجتماع كالحلبة الواحدة يشربها المرتضع خمس مرات فيكون على القولين ، وهذا فاسد ؛ لأنه بعد الاجتماع فيه صار شاربا في كل مرة من كل حلبة فلم يؤثر فيه الاجتماع بعد وجود التفرقة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية