الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الثالثة : قال لذات الأقراء : أنت طالق ثلاثا ، بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة ، فإن لم ينو شيئا ، فالصحيح المنصوص ، أنه يقع في الحال طلقتان ، فإذا صارت [ ص: 13 ] في الحالة الأخرى ، وقعت الثالثة ، لأن التبعيض يقتضي التشطير ، ثم يسري كما لو قال : هذه الدار بعضها لزيد وبعضها لعمرو ، يحمل على التشطير إذا لم تكن بينة . وقيل : تقع في الحال طلقة ، واختاره المزني ومن قال به لا يكاد يسلم مسألة الإقرار ، ويقول : هو مجمل يرجع إليه فيه . ونقل الحناطي وجها ثالثا أنه يقع في الحال الثلاث . أما إذا قال : أردت إيقاع بعض من كل طلقة في الحال ، فتقع الثلاث في الحال ، وإن قال : أردت في الحال طلقتين أو طلقة ونصفا ، وقع طلقتان في الحال قطعا ، وتقع الثالثة في الحالة الأخرى . وإن قال : أردت في الحال طلقة ، وفي المستقبل طلقتين ، دين فيه قطعا ، وتقبل أيضا في الظاهر على الصحيح المنصوص ، وقال ابن أبي هريرة : لا تقبل .

                                                                                                                                                                        وفائدة هذا الخلاف ، أنه لو ندم فأراد أن يخالعها حتى تصير إلى الحالة الأخرى وهي بائن ، فتنحل اليمين ، ثم يتزوجها . وقلنا : الخلع طلاق ، فإن قلنا : الواقع في الحال طلقة ، أمكنه ذلك ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق ثلاثا ، بعضهن للسنة واقتصر عليه ، وكانت في حال السنة ، قال ابن الصباغ : تجيء على الصحيح المنصوص ، أنه لا يقع في الحال إلا طلقة ، لأن البعض ليس عبارة عن النصف ، وإنما حملناه في الصورة الأولى على التشطير لإضافته البعضين في الحالين . ولو قال : أنت طالق خمسا ، بعضهن للسنة ، وبعضهن للبدعة ، ولم ينو شيئا ، بنى على الخلاف المعروف ، في أن الزيادة الملفوظ بها تلغى أم تعتبر ؟ إن قلنا بالأول ، وقع في الحال طلقتان ، وفي الثاني ، طلقة تفريعا على المنصوص ، وإن قلنا بالثاني وهو الأصح ، وقع الثلاث في الحال بالتشطير والتكميل .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق طلقتين : طلقة للسنة وطلقة للبدعة ، أو أنت طالق طلقة للسنة وطلقة للبدعة ، وقع في الحال طلقة ، وفي الاستقبال الأخرى . ولو قال : [ ص: 14 ] طلقتين للسنة والبدعة ، فهل يقع في الحال طلقة ، وفي الاستقبال الأخرى ، أم يقعان في الحال ؟ أصحهما : الثاني كما لو قال : ثلاثا للسنة وللبدعة ، فإنه يقع الثلاث في الحال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال لمن لا سنة لها ولا بدعة : أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة ، أو طلقة للسنة ، وطلقة للبدعة ، وقع الجميع في الحال .

                                                                                                                                                                        المسألة الرابعة : إذا وصف الطلاق بصفة مدح ، كقوله : أنت طالق أجمل الطلاق أو أفضله ، أو أحسنه ، أو أعدله ، أو أكمله ، أو أتمه ، أو أجوده ، أو خير الطلاق ، وأنت طالق للطاعة ولم ينو شيئا ، فهو كقوله : طالق للسنة ، فلا يقع إن كان الحال بدعة حتى ينتهي إلى حال السنة . وإن نوى شيئا ، نظر إن نوى ما يقتضيه الإطلاق ، فذاك . وإن قال : أردت طلاق البدعة ، لأنه في حقها أحسن من جهة سوء خلقها ، فإن كانت في حال بدعة ، قبل لأنه غلظ على نفسه . وإن كانت في حال سنة ، دين ولا يقبل ظاهرا ، وقد يجيء خلاف في الظاهر .

                                                                                                                                                                        وإن وصف الطلاق بصفة ذم كقوله : أقبح الطلاق ، أو أسمجه ، أو أفضحه ، أو أفظعه ، أو أردأه ، أو أفحشه ، أو أنتنه ، أو شر الطلاق ونحو ذلك ، فهو كقوله : للبدعة ، فلا يقع إن كانت في حال سنة حتى ينتهي إلى البدعة . وإن قال : أردت قبحه لحسن عشرتها ، أو أردت أن أقبح أحوالها أن تبين مني ، وقع في الحال ، لأنه غلظ على نفسه . وإن قال : أردت أن طلاق مثل هذه السنة أقبح ، فقصدت الطلاق في حال السنة دين ، ولم يقبل ظاهرا . ولو [ ص: 15 ] قال : أنت طالق للجرح ، أو طلاق الجرح فهو كقوله للبدعة . ولو خاطب بهذه الألفاظ من لا سنة لها ولا بدعة فهو كما لو قال لها : للسنة أو للبدعة ، كما سبق . ولو جمع صفتي الذم والمدح ، فقال : أنت طالق طلقة حسنة قبيحة أو جميلة فاحشة ، أو سنية بدعية ، أو للجرح والعدل ، والمخاطبة ذات أقراء ، وقعت في الحال . قال السرخسي في " الأمالي " : فإن فسر كل صفة بمعنى ، فقال : أردت كونها حسنة من حيث الوقت ، وقبيحة من حيث العدد حتى تقع الثلاث أو بالعكس ، قبل منه . وإن تأخر الوقوع ، لأن ضرر وقوع العدد أكثر من فائدة تأخير الوقوع .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية