الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        ومنها : الصداق والخلع ، وقد سبق أن المريض إذا نكح بمهر المثل ، جعل من رأس المال .

                                                                                                                                                                        وإن نكح بأكثر ، فالزيادة من الثلث .

                                                                                                                                                                        فإن كانت وارثة ، فالتبرع على وارث ، وذكرنا أنه إن ماتت الزوجة قبله وورثها الزوج ، وقع الدور ، فيتخرج على هذا مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : أصدقها مائة ، ومهر مثلها أربعون ، فماتت قبله ولا مال لهما سوى الصداق ، فلها أربعون من رأس المال ، ولها شيء بالمحاباة ، يبقى مع الزوج ستون إلا شيئا ، ويرجع إليه بالإرث نصف ما للمرأة وهو عشرون ونصف شيء ، فالمبلغ ثمانون إلا نصف شيء يعدل شيئين ضعف المحاباة ، فبعد الجبر ثمانون تعدل شيئين ونصف شيء ، فالشيء خمسا الثمانين وهو اثنان وثلاثون ، فلها اثنان وسبعون ، أربعون مهر ، والباقي محاباة ، يبقى مع الزوج ثمانية وعشرون ، ويرجع إليه بالإرث ستة وثلاثون ، فيجتمع لورثته أربعة وستون ضعف المحاباة .

                                                                                                                                                                        فإن كان لها ولد ، فالراجع إليه بالإرث ربع مالها وهو عشرة وربع شيء ، فيحصل للزوج سبعون [ ص: 283 ] إلا ثلاثة أرباع شيء وذلك يعدل شيئين ، فبعد الجبر : سبعون تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء ، تبسطهما أرباعا ، فتكون الدراهم مائتين وثمانين ، والأشياء أحد عشر ، تقسم الدراهم على الأشياء ، يخرج من القسمة خمسة وعشرون وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ، فهذا قدر المحاباة ، فلها بالمهر والمحاباة خمسة وستون درهما وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ، يرجع إلى الزوج ربع ذلك وهو ستة عشر درهما وأربعة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ، وذلك ضعف المحاباة .

                                                                                                                                                                        ( المسألة ) الثانية : أعتق مريض جارية ونكحها على مهر مسمى ، نظر ، إن لم يملك غيرها ، فالنكاح باطل ; لأنه لا ينفذ عتق جميعها ، والنكاح والملك لا يجتمعان .

                                                                                                                                                                        ثم إن لم يدخل بها ، فلا مهر .

                                                                                                                                                                        وإن دخل ، فهو وطء شبهة ، فلها من المهر بقسط ما عتق منها ، ويقع فيه الدور .

                                                                                                                                                                        فإذا كانت قيمتها مائة ، والمهر خمسين ، عتق منها شيء ولها بالمهر نصف شيء ; لأن المهر نصف القيمة ، يبقى جارية إلا شيئا ونصف شيء يعدل شيئين ، فبعد الجبر : جارية تعدل ثلاثة أشياء ونصف شيء ، فالشيء سبعا الجارية ، فينفذ العتق في سبعيها ، ويبطل في خمسة أسباعها ، فيصرف سبع منها إلى مهر السبعين ، يبقى للورثة أربعة أسباعها ضعف ما عتق ، ثم السبع المصروف إلى المهر ، إن رضيت به بدلا عما لها من المهر ، فذاك ، ويعتق عليها حين ملكته لا بالإعتاق الأول وإن أبت بيع سبعها في مهرها .

                                                                                                                                                                        هذا إذا لم يملك غيرها .

                                                                                                                                                                        فإن ملك ، و [ كانت ] الجارية قدر الثلث ، بأن خلف مائتين سواها ، فإن لم يدخل بها ، فلا مهر ، لأنها لو استحقت مهرا للحق [ التركة ] دين ، فلا تخرج كلها من الثلث ، ولبطل النكاح وسقط المهر ، وإن دخل بها ، قالالشيخ أبو علي : لها الخيار ، فإن عفت عن مهرها ، عتقت وصح النكاح ، وإلا ، فلها ذلك ، ويتبين أن جميعها لم يعتق ، وأن النكاح فاسد ولها مهرها ما عتق منها .

                                                                                                                                                                        فيقال : عتق شيء ، ولها بالمهر نصف شيء ، يبقى للورثة ثلثمائة إلا شيئا ونصف شيء يعدل شيئين ، [ ص: 284 ] فبعد الجبر : ثلثمائة تعدل ثلاثة أشياء ونصف شيء ، فمائة تعدل شيئا وسدس شيء ، تبسطها أسداسا ، وتقلب الاسم ، فالشيء ستة ، والمائة سبعة ، فالشيء ستة أسباع الجارية .

                                                                                                                                                                        ( المسألة ) الثالثة : قد علم أن خلع المريض بأقل من مهر المثل ، لا يعتبر من الثلث ، وأن المريضة [ لو نكحت بأقل من مهر المثل جاز ، ولا اعتراض للورثة إذا لم يكن الزوج وارثا ، وأن المريضة ] لو اختلعت بأكثر من مهر المثل ، اعتبرت الزيادة من الثلث .

                                                                                                                                                                        فإذا نكح مريض امرأة بمائة ، ومهرها أربعون درهما ، ثم خالعته في مرضها بمائة ، وماتا من مرضهما ولا مال لهما إلا المائة ، فإما أن يكون الخلع قبل الدخول ، وإما بعده .

                                                                                                                                                                        الحالة الأولى : بعده ، فللمرأة أربعون من رأس المال ، وله شيء بالمحاباة ، ثم يرجع إلى الزوج أربعون بالخلع ، وله ثلث شيء بالمحاباة ، فيحصل لورثة الزوج مائة إلا ثلثي شيء تعدل شيئين ، فبعد الجبر : مائة تعدل شيئين وثلثي شيء ، فالشيء ثلاثة أثمان المائة وهو سبعة وثلاثون درهما ونصف درهم وهي المحاباة ، فللمرأة بالمهر والمحاباة سبعة وسبعون درهما ونصف درهم ، ثم يأخذ الزوج من ذلك أربعين درهما بعوض الخلع ، وبالمحاباة ثلث الباقي وهو اثنا عشر ونصف ، وكان [ بقي ] له اثنان وعشرون ونصف ، فالمبلغ خمسة وسبعون ضعف المحاباة .

                                                                                                                                                                        هذا إذا جرى الخلع بمائة في ذمتها ، فلو جرى بعين المائة التي أصدقها ، فقد خالعها على مملوك وغير مملوك .

                                                                                                                                                                        قال الأستاذ تفريعا على أن المسمى يسقط ويرجع إلى مهر المثل : لها أربعون من رأس المال ، وشيء بالمحاباة ، وللزوج عليها أربعون بالخلع ، ولا شيء له بالمحاباة ; لأن المسمى إذا بطل بطل ما في ضمنه من المحاباة ، فيكون لورثة الزوج مائة إلا شيئا يعدل شيئين ، فبعد الجبر يتبين أن المسمى ثلث المائة ، فلها بالمهر والمحاباة ثلاثة وسبعون [ ص: 285 ] درهما وثلث درهم ، يأخذ الزوج من ذلك أربعين ، يجتمع لورثته ستة وستون وثلثان ضعف المحاباة .

                                                                                                                                                                        الحالة الثانية : إذا جرى الخلع قبل الدخول ، فيتشطر الصداق ، والحاصل للمرأة نصف مهر المثل من رأس المال وهو عشرون درهما وشيء بالمحاباة ، للزوج من ذلك أربعون مهر المثل ، يبقى شيء إلا عشرين درهما له ثلاثة بالمحاباة وهو ثلث شيء إلا ستة دراهم وثلثي درهم ، يبقى لورثتها ثلثا شيء إلا ثلاثة عشر درهما وثلث درهم ، فيجتمع لورثة الزوج مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم إلا ثلثي شيء ، وذلك يعدل ضعف المحاباة شيئين ، فبعد الجبر : مائة وثلاثة عشر وثلث تعدل شيئين وثلثي شيء ، فالشيء ثلاثة أثمان هذا المبلغ وهي اثنان وأربعون درهما ونصف درهم [ وهي المحاباة ، فللمرأة المحاباة ونصف المهر اثنان وستون درهما ونصف درهم ] يبقى للزوج سبعة وثلاثون درهما ونصف درهم ، ويأخذ مما صار لها بعوض الخلع أربعين ، ويأخذ أيضا ثلث الباقي وهو سبعة دراهم ونصف ، فالمبلغ خمسة وثمانون ضعف المحاباة .

                                                                                                                                                                        هذا كلام الأستاذ ، واعترض الإمام بأن مهر المثل مع المحاباة الصداق ، فوجب أن يرجع إلى الزوج نصف الجميع ، وعلى هذا طريق الحساب أن يقال : لها من رأس المال أربعون ، وبالمحاباة شيء ، يبقى للزوج ستون إلا شيئا ، ويرجع إليه نصف ما ملكته صداقا وهو عشرون ونصف شيء ، فللزوج ثمانون إلا نصف شيء ، ثم تأخذ مما بقي لها أربعين ، يبقى نصف شيء إلا عشرين درهما ، تأخذ بالمحاباة ثلث هذا الباقي وهو سدس شيء إلا ستة دراهم وثلثي درهم ، فيجتمع لورثته مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم إلا ثلث شيء يعدل شيئين ، فبعد الجبر يتبين أن الشيء ثلاثة أسباع مائة وثلاثة عشر درهما وثلث درهم ، وهو ثمانية وأربعون درهما وأربعة أسباع درهم ، يبقى للزوج أحد عشر درهما وثلاثة أسباع ، ويرجع بالشطر أربعة وأربعون درهما وسبعان ، ويأخذ من الشطر [ ص: 286 ] الآخر قدر مهر المثل وهو أربعون وثلث الباقي وهو درهم وثلاثة أسباع ، فالمبلغ سبعة وتسعون درهما وسبع درهم ، وذلك ضعف المحاباة ، يبقى لورثة المرأة درهمان وستة أسباع درهم .

                                                                                                                                                                        وعلى قول الأستاذ ، يبقى لهم خمسة عشر ، ثم لا فرق في المسألة بين موته أولا وعكسه ، وموتهما معا ، لانقطاع الإرث بالخلع ، والدور إنما يقع في جانبه دونها ، إذ لا يعود إليها شيء مما يخرج منها .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية