الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين عذابهم؛ بين اكتئابهم؛ فقال: وهم ؛ أي: فعل ذلك بهم والحال أنهم يصطرخون فيها ؛ أي: يوجدون الصراخ فيها بغاية ما يقدرون عليه من الجهد في الصياح؛ بالبكاء والنواح؛ ولما بين ذلك؛ بين قولهم في اصطراخهم بقوله: ربنا ؛ أي: يقولون: أيها المحسن إلينا؛ أخرجنا ؛ أي: من النار؛ نعمل صالحا ؛ ثم أكدوه؛ وفسروه؛ [ ص: 63 ] وبينوه بقولهم - على سبيل التحسر؛ والاعتراف بالخطإ؛ أو لأنهم كانوا يظنون عملهم صالحا -: غير الذي كنا ؛ أي: بغاية جهدنا؛ نعمل ؛ فتركوا الترقق والعمل على حسبه في وقت نفعه؛ واستعملوه عند فواته؛ فلم ينفعهم؛ بل قيل - في جوابهم؛ تقريرا لهم؛ وتوبيخا؛ وتقريعا -: أولم ؛ أي: ألم تكونوا في دار العمل متمكنين من ذلك بالعقول والقوى؟ أولم نعمركم ؛ أي: نطل أعماركم؛ مع إعطائنا لكم العقول؛ ولم نعاجلكم بالأخذ؛ ما ؛ أي: زمانا؛ يتذكر فيه ؛ وما يشمل كل عمر يتمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه؛ غير أن التوبيخ في الطويل أعظم؛ وأشار بمظهر العظمة إلى أنه لا مطمع بغيره - سبحانه - في مد العمر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التفكر بعد البعث غير نافع ؛ لأنه بعد كشف الغطاء؛ عبر بالماضي؛ فقال: من تذكر ؛ إعلاما بأنه قد ختم على ديوان المتذكرين؛ فلا يزاد فيهم أحد؛ والزمان المشار إليه قيل: إنه ستون سنة؛ قاله ابن عباس - رضي الله عنهما -؛ وبوب له البخاري في أوائل الرقاق؛ من غير عزو إلى أحد؛ وروى أحمد بن منيع ؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من عمره الله [ ص: 64 ] ستين سنة؛ فقد أعذر الله إليه في العمر"؛ وروى الترمذي ؛ وابن ماجة ؛ وأبو يعلى ؛ عن أبي هريرة أيضا - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين؛ وأقلهم من يجوز ذلك".

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أشار إلى دليل العقل ابتداء ودواما؛ أشار إلى أدلة النقل المنبه على ما قصر عنه العقل؛ فقال - معبرا بالماضي؛ تصريحا بالمقصود؛ عطفا على معنى: "أولم نعمركم"؛ الذي هو "قد عمرناكم" -: وجاءكم النذير ؛ أي: عني؛ من الرسل؛ والكتب؛ تأييدا للعقول بالدليل المعقول.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما تسبب عن ذلك أن عذابهم لا ينفك؛ قال: فذوقوا ؛ أي: ما أعددناه لكم من العذاب دائما أبدا؛ ولما كانت العادة جارية بأن من أيس من خصمه فزع إلى الاستغاثة عليه؛ تسبب عن ذلك قوله: فما ؛ وكان الأصل: "لكم"؛ ولكنه أظهر؛ تعليقا للحكم بالوصف؛ للتعميم؛ فقال: للظالمين ؛ أي: الواضعين الأشياء في غير مواضعها؛ من نصير ؛ أي: يعينهم؛ ويقوي أيديهم؛ فلا براح لكم عن هذا الذواق؛ وهذا عام في كل ظالم؛ فإن من ثبت له نصر عليه؛ لأن ظلمه في كل يوم يضعف؛ ويهن؛ والحق في كل حين يقوى ويضخم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية