الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما دل على أنه نذير؛ وأزال ما ربما أوردوه عليه؛ أتبعه ظرف اختصام الملإ الأعلى؛ أو بدل "إذ"؛ الأولى؛ فقال: إذ ؛ أي: حين؛ قال ؛ ودل على أن هذا كله إحسان إليه؛ وإنعام عليه؛ بذكر الوصف الدال على ذلك - ولفت القول عن التكلم إلى الخطاب؛ لأنه أقعد في المدح؛ وأدل على أنه كلام الله؛ كما في قوله: قل من كان عدوا لجبريل - دليلا يوهم أنه ظرف لـ "يوحى"؛ أو لـ "نذير"؛ فقال: ربك ؛ أي: المحسن إليك بجعلك خير المخلوقين؛ وأكرمهم عليه؛ فإنه أعطاك الكوثر؛ وهو كل ما يمكن أن تحتاج إليه؛ للملائكة ؛ وهم الملأ الأعلى؛ وإبليس منهم؛ [ ص: 419 ] لأنه كان إذ ذاك معهم؛ وفي عدادهم؛ ولما كانوا عالمين بما دلهم عليه دليل من الله؛ كما تقدم في سورة "البقرة"؛ أن البشر يقع منه الفساد؛ فكانوا يبعدون أن يخلق - سبحانه - من فيه فساد؛ لأنه الحكيم؛ الذي لا حكيم سواه؛ أكد لهم - سبحانه - قوله: إني خالق بشرا ؛ أي: شخصا ظاهر البشرة؛ لا ساتر له من ريش؛ ولا شعر؛ ولا غيرهما؛ ليكون التأكيد دليلا على ما مضى من مراجعتهم لله (تعالى) ؛ التي أشار إليها بالاختصام؛ وبين أصله بقوله - معلقا بـ "خالق"؛ أو بوصف بشر -: من طين ؛ أجعله خليفتي في الأرض؛ وإن كان في ذلك فساد؛ لأني أريد أن أظهر حلمي؛ ورحمتي؛ وعفوي؛ وغير ذلك من صفاتي التي لا يحسن في الحكمة إظهارها إلا مع الذنوب: "لو لم تذنبوا فتستغفروا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم"؛ قال القشيري: وإخباره للملائكة بذلك يدل على تفخيم شأن آدم - عليه السلام - لأنه خلق ما خلق من الكونين؛ والجنة؛ والنار؛ والعرش؛ والكرسي؛ والملائكة؛ ولم يقل في صفة شيء منها ما قاله في صفة آدم - عليه السلام -؛ وأولاده؛ ولم يأمر بالسجود لشيء غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية