الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر - سبحانه - حال الأولين موعظة للعرب؛ فكان كأنه قيل - صرفا للقول إلى مظهر العظمة؛ تذكيرا بما في الأناة من المنة؛ لأن حالها يقتضي المعاجلة بالأخذ؛ والمبادرة بإحلال السطوة -: ضربنا لكم حالهم مثلا لحالكم؛ لتعتبروا به؛ فإن الأمثال يفهم بها المعاني الغائبة؛ وتصير كأنها محسوسة مشاهدة؛ عطف عليه قوله - مؤكدا لإنكارهم أن يكون في القرآن بيان شاف؛ وادعائهم أنه إنما هو شعر؛ وكهانة؛ وسحر -: ولقد ضربنا ؛ على ما لنا من العظمة؛ ولما كان في سياق المفاضلة بين المتقي؛ وغيره؛ من أوائل السورة؛ حين قال: أمن هو قانت إلى أن ختم بقوله: أفمن يتقي بوجهه وأسس ذلك كله على ابتداء الخلق من نفس واحدة؛ كانت العناية في هذا السياق بالمخاطبين أكثر؛ فقدم قوله: للناس ؛ أي: عامة؛ لأن رسالة رسولكم عامة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المتعنت كثيرا؛ عين المحدث عنه بالإشارة؛ التي هي أعرف المعارف؛ وجعلها ما يعبر به عن القرب؛ إشارة إلى أنه لما أتى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - خلع القلوب؛ وملأها؛ فلا حاضر فيها سواه؛ وإن كان المعاند يقول غير ذلك؛ فقوله زور؛ وبهتان؛ وإثم؛ وعدوان؛ فقال: في هذا القرآن ؛ أي: الجامع لكل علم؛ ولما كانت كلماته - سبحانه - لا تنفد؛ وعجائبه لا تعد ولا تحد؛ وكان في [ ص: 496 ] سياق التعجيب من توقفهم؛ قال: من كل مثل ؛ أي: يكفي ضربه في البيان؛ لإقامة الحجة البالغة؛ ثم بين علة الضرب بقوله: لعلهم يتذكرون ؛ أي: ليكون حالهم بعد ضربه حال من يرجى تذكره بما ضرب له ما يعرفه في الكون؛ في نفسه؛ أو في الآفاق؛ تذكرا واضحا مكشوفا - بما أرشد إليه الإظهار - فيتعظ؛ لما في تلك الأمثال المسوقة في أحسن المقال؛ المنسوقة بما يلائمها من الأوضاع؛ والأشكال من البيان؛ وأوضح البرهان.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية