الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان العاقل من قدم في كل أمر الأهم فالأهم؛ فميز بين خير الخيرين فاتبعه؛ وشر الشرين فاجتنبه؛ كان المحسن من جعل أكبر ذنوبه نصب عينيه؛ وعمل على هدمه؛ فلذلك علل الإحسان بقوله: ليكفر ؛ أي: يستر سترا عظيما؛ كأنه قال: "...المحسنين الذين أحسنوا لهذا الغرض"؛ ويجوز أن يكون التعليل للجزاء؛ وعبر بالاسم الأعظم؛ لفتا عن صفة الإحسان؛ إشارة إلى عظيم الاجتهاد في العمل؛ والإيذان بأنه لا يقدر على الغفران لمن يريد إلا مطلق التصرف؛ فقال: الله ؛ أي: الذي نصب المحسن جلاله وجماله بين عينيه؛ فاستغرق في صفاته ابتغاء مرضاته؛ فعبده كأنه يراه؛ وحقق باعترافهم بالخطإ وقصدهم التكفير؛ لما أهمهم فعلهم له؛ بقوله: عنهم أسوأ ؛ العمل؛ الذي عملوا ؛ وتابوا عنه بالندم؛ والإقلاع؛ والعزم على عدم العود؛ وقد علم أنه إذا محي الأكبر انمحى الأصغر؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات؛ فلله در أهل البصائر والإخلاص؛ في الإعلان؛ والسرائر؛ ولما أخبر بالتطهير من أوضار السيئ؛ أتبعه الإخبار بالتنوير بأنوار الحسن؛ فقال: ويجزيهم أجرهم [ ص: 508 ] أي: الذي تفضل عليهم بالوعد به.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان (تعالى) يزيد العمل الصالح؛ ويربيه؛ زاد الجار في الجزاء؛ إعلاما بأنه يجعل الأعمال الصالحة كلها مثل أعلاها؛ فقال: بأحسن ؛ ولما كان مقصود هذه السورة أخص من مقصود سورة "النحل"؛ وكانت "الذي"؛ و"من"؛ أقل إبهاما من "ما"؛ قال: الذي ؛ أي: العمل الذي؛ وهو كالأول؛ من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه؛ كخاتم فضة؛ وأشار إلى مداومتهم على الخير؛ بالتعبير بالكون؛ والمضارع؛ فقال: كانوا يعملون ؛ مجددين له وقتا بعد وقت؛ لأنه في طبائعهم؛ فهم عريقون في تعاطيه؛ فمن كان في هذه الدار محسنا في وقت ما؛ يعبد الله كأنه يراه؛ فهو في الآخرة كل حين يراه؛ قال القشيري؛ ثم يجب أن يكون على أحسن الأعمال أحسن الثواب؛ وأحسن الثواب الرؤية؛ فيجب أن يكون على الدوام؛ وهذا استدلال قوي.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية