الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر حال الذين أشقاهم؛ أتبعهم حال الذين أسعدهم؛ فقال - عاطفا لجملة على جملة؛ لا على "ترى"؛ المظروف ليوم القيامة؛ إشارة إلى أن هذا فعله معهم في الدارين؛ وإشارة إلى كثرة التنجية؛ لكثرة الأهوال كثرة تفوت الحصر -: وينجي ؛ أي: مطلق إنجاء؛ لبعض من اتقى؛ بما أشارت إليه قراءة يعقوب؛ بالتخفيف؛ وتنجية عظيمة لبعضهم؛ بما أفادته قراءة الباقين؛ بالتشديد؛ وأظهر؛ ولم يضمر؛ زيادة على تعظيم حالهم؛ وتسكين قلوبهم؛ الله ؛ أي: يفعل؛ بما له من صفات الكمال؛ في نجاتهم فعل المبالغ في ذلك؛ الذين اتقوا [ ص: 543 ] أي: بالغوا في وقاية أنفسهم من غضبه؛ فكما وقاهم في الدنيا من المخالفات؛ حماهم هناك من العقوبات؛ بمفازتهم ؛ أي: بسبب أنهم عدوا أنفسهم في مفازة بعيدة؛ مخوفة؛ فوقفوا فيها عن كل عمل إلا بدليل؛ لئلا يمشوا بغير دليل فيهلكوا؛ فأدتهم تقواهم إلى الفوز؛ وهو الظفر بالمراد؛ وزمانه؛ ومكانه الذي سميت المفازة به تفاؤلا؛ ولذلك فسر ابن عباس - رضي الله عنهما - المفازة بالأعمال الحسنة؛ لأنها سبب الفوز؛ وقرئ بالجمع؛ باعتبار أنواع المصدر؛ وذلك كله بعناية الله بهم في الدارين؛ فمفازة كل أحد في الأخرى على قدر مفازته بالطاعات في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كأنه قيل: ما فعل في تنجيتهم؟ قال - ذاكرا نتيجة التنجية -: لا يمسهم السوء ؛ أي: هذا النوع؛ فلا يخافون؛ ولا هم يحزنون ؛ أي: ولا يطرق بواطنهم حزن على فائت؛ لأنهم لا يفوت لهم شيء أصلا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية