الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 466 ] فصل في الاستثناء

                                                                                                                            ( يصح الاستثناء ) لوقوعه في الكتاب والسنة وكلام العرب ، وهو الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها تحقيقا أو تقديرا ، والأول المتصل ، والثاني المنقطع ، ولا دخل لها هنا بل إطلاق الاستثناء عليه مجاز ، ومثل الاستثناء بل يسمى استثناء شرعيا التعليق بالمشيئة وغيرها من سائر التعليقات فكل ما يأتي من الشروط ما عدا الاستغراق عام في النوعين ( بشرط اتصاله ) بالمستثنى منه عرفا بحيث يعد كلاما واحدا ، واحتج له الأصوليون بإجماع أهل اللغة ولعلهم لم يعتدوا بخلاف ابن عباس لشذوذه بفرض صحته عنه ( ولا يضر ) في الاتصال ( سكتة تنفس وعي ) ونحوهما كعروض عطاس أو سعال والسكوت للتذكر كما قالاه في الأيمان ولا ينافيه اشتراط قصده قبل الفراغ لأنه قد يقصده إجمالا ثم يتذكر العدد الذي يستثنيه ، وذلك لأن ما ذكر يسير لا يعد فاصلا عرفا ، بخلاف الكلام الأجنبي وإن قل لا ما له به تعلق وقد قل أخذا من قولهم : لو قال أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله صح الاستثناء ، وعلم بذلك ما صرحوا به ، وهو أن الاتصال هنا أبلغ منه بين إيجاب نحو البيع وقبوله ، ودعوى أن ما تقرر يقتضي كونه مثله ممنوع بل لو سكت ثم عبث عبثا يسيرا عرفا لم يضر وإن زاد على نحو سكتة التنفس بخلاف هنا ، لأنه يحتمل بين كلام اثنين ما لا يحتمل بين كلام واحد .

                                                                                                                            ( قلت : ويشترط أن ينوي الاستثناء ) وألحق به ما في معناه كأنت طالق بعد موتي كما علم مما قدمناه ( قبل فراغ اليمين في الأصح ، والله أعلم ) لأنه رافع لبعض ما سبق فاحتيج قصده للرفع ، بخلافه بعد فراغ لفظ اليمين إجماعا على ما حكاه جمع ، بخلاف ما لو اقترنت بكله ولا خلاف فيه ، أو بأوله فقط أو آخره فقط أو أثنائه فقط فيصح كما شمل ذلك كلام المصنف هنا ، ويتجه أن يأتي في الاقتران هنا بأنت من أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو إن دخلت ما مر في اقترانها بأنت من أنت بائن ، وإنما لم يجر الخلاف المار في نية الكناية هنا لإمكان الفرق بأن الاستثناء صريح في الرفع فكفى فيه أدنى إشعار ، بخلاف الكناية فإنها لضعف دلالتها على الوقوع تحتاج إلى مؤكد أقوى وهو اقتران النية بكل اللفظ على ما مر ، لكن ما نقلاه عن المتولي وأقراه فيمن قال أنت طالق ونوى إن دخلت الدار أنه إن نوى ذلك أثناء الكلمة فوجهان كما في نية الكناية [ ص: 467 ] يقتضي مجيء ما مر في الكناية هنا ، لكنه يشكل على صنيع المنهاج حيث صرح ثم باقتران نيتها بكل اللفظ وهنا باكتفاء مقارنة النية لبعضه ، ولا مخلص عن ذلك إلا بما فرقنا به ، وإنما ألحق ما ذكرا بالكناية لأن الرفع فيه بمجرد النية مثلها بخلاف ما هنا .

                                                                                                                            ( ويشترط ) أيضا أن يعرف معناه ولو بوجه ، وأن يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إن اعتدل سمعه ولا عارض وإلا لم يقبل ، وأن لا يجمع مفرق ولا يفرق مجتمع في مستثنى أو مستثنى منه أو فيهما لأجل الاستغراق أو عدمه و ( عدم استغراقه ) فالمستغرق ك ثلاثا إلا ثلاثا باطل بالإجماع فيقع الثلاث ، ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا نصف إلا ثلث إلا ربع إلا سدس إلا ثمن طلقة فثلاث وإن قصد الاستثناء بشرطه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى لأن الطلاق لا يتبعض ، إذ المعنى أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة فلا يقع إلا ثلث طلقة فيقع إلا ربع طلقة فلا يقع إلا سدس طلقة فيقع إلا ثمن طلقة فلا يقع .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 466 ] فصل ) في الاستثناء ( قوله : والأول ) هو قوله تحقيقا ، وقوله والثاني هو قوله أو تقديرا ( قوله : ولا يدخل له ) أي الثاني ( قوله : بل يسمى ) أي التعليق ( قوله : واحتج له ) أي لصحته ، وقوله ولا ينافيه : أي السكوت ( قوله : لأن ما ذكر يسير ) قضيته أنه لو طال نحو السعال ولو قهرا ضر ، وفي شرح الإرشاد للشارح : نعم أطلقوا أنه لا يضر عروض سعال وينبغي تقييده بالخفيف عرفا ا هـ سم على حج ( قوله : يا زانية ) انظر وجه أن هذا به تعلقا إلا أن يكون بيان عذره في تطليقها ا هـ سم على حج ( قوله وألحق به ) أي الاستثناء ( قوله : كأنت طالق بعد موتي ) أي إذا نوى أن يأتي بذلك قبل فراغ طالق ( قوله : قبل فراغ اليمين ) قال في شرح الإرشاد : إن أخره وإلا فقبل التلفظ به فيما يظهر ا هـ .

                                                                                                                            والأوجه أنه لا يشترط قصده بل التلفظ به ، ولو اشترط أن يقصد حال الإتيان به أنه استثناه مما يأتي لكان له وجه وجيه [ ص: 467 ] ا هـ سم على حج . وقول سم إن أخره : أي الاستثناء عن الصيغة ( قوله : يقتضي مجيء ما مر ) أي من الخلاف ( قوله : إلا بما فرقنا به ) أي من قوله لإمكان الفرق بأن الاستثناء إلخ ، وقوله وإنما ألحق ما ذكراه : أي من قوله فيمن قال أنت طالق ونوى إن دخلت الدار إلخ ، وقوله لأن الرفع فيه : أي ما ذكراه ( قوله : وإلا لم يقبل ) ينبغي أن يكون المراد بالنسبة للتعليق الذي سوى بينه وبين الاستثناء فيما عدا الاستغراق من الشرط عدم القبول ظاهرا في نحو إن دخلت أو إن شاء زيد لما يأتي أن من ادعى إرادة ذلك دين وذلك لأن عدم الإسماع المذكور مع الإرادة إذ الفرض وجودها كما يدل عليه قوله ويشترط أيضا أن لا ينقص عن مجرد الإرادة إذ لم يزد عليه ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وكتب أيضا لطف الله به : وإلا لم يقبل : أي ظاهرا ويدين ، ومثله في هذا الشرط إسماع الغير التعليق بالمشيئة ، بخلاف التعليق بصفة أخرى نحو إن دخلت الدار فإنه لا يشترط فيه إسماع الغير ، حتى لو قال قلت إن دخلت الدار وأنكرت صدق بيمينه . قال سم على حج : والفرق بين التعليق بالصفة وبينه بالمشيئة وبين الاستثناء أن التعليق بالصفة ليس رافعا للطلاق بل مخصص له ، بخلاف التعليق بالمشيئة والاستثناء فإن ما ادعاه فيهما رافع للطلاق من أصله ، ثم محل عدم قبول قوله في المشيئة والاستثناء إذا أنكرتهما المرأة وحلفت ، بخلاف ما إذا ادعى سماعها فأنكرته فإن القول قوله ولعل وجهه أن مجرد إنكار السماع لا يستدعي عدم القول من أصله ومثل ما قيل في المرأة يأتي في الشهود ( قوله : وأن لا يجمع مفرق ) أي على الراجح أخذا من قوله الآتي بعد قول المصنف وقيل ثلاث بناء [ ص: 468 ] على الجمع



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 466 ] فصل ) في الاستثناء ( قوله : بخلاف ما لو اقترنت بكله ) هذه المخالفة بالنظر لما تضمنته المخالفة قبلها من عدم الصحة التي هي [ ص: 467 ] مفهوم المتن فهده المخالفة الثانية هي منطوق المتن ( قوله : ولا مخلص عن ذلك إلا بما فرقنا به ) قال الشهاب سم : قد يقال عنه مخلص أيضا كما يؤخذ من قوله وإنما ألحق إلخ فليتأمل ، على أن قول المتن قبل فراغ ليس صريحا في الاكتفاء بالمقارنة للبعض ; لأن النية قبل الفراغ صادقة بالمقارنة للجميع ، غاية الأمر أنها تصدق أيضا بالبعض فيجوز أن يريد المقارنة للجميع ويكون التقييد بقبل الفراغ لمجرد الاحتراز عما بعد الفراغ لا لقصد شموله المقارنة للبعض فقط ، فقوله وهنا باكتفاء : أي وصرح هنا باكتفاء إلخ ممنوع منعا لا شبهة فيه فليتأمل . ا هـ . ( قوله : وإلا لم يقبل ) أي ظاهرا كما هو قضية التعبير بلم يقبل ( قوله : ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا نصف إلخ ) انظر ما وجه تعلق [ ص: 468 ] هذه بما نحن فيه




                                                                                                                            الخدمات العلمية