الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى قومه وصبره وما من الله به من حمايته له

أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي ، وأبو محمد عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني قراءة عليهما وأنا حاضر ، فالأول قال : أخبرنا أبو اليمن الكندي ، والثاني قال : أخبرنا أبو علي بن أبي القاسم البغدادي ، قالا : أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا ابن حسنون ، أخبرنا أبو القاسم السراج هو موسى بن عيسى بن عبد الله ، حدثنا محمد بن محمد بن سليمان ، حدثنا أبو طاهر أحمد بن عمر بن السرح ، حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن أبان بن صالح ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن العباس بن عبد المطلب قال : كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال : إن لله علي إن رأيت محمدا أن أطأ على عنقه ، فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل ، فخرج غضبان حتى دخل المسجد ، فعجل أن يدخل من الباب ، فاقتحم من الحائط . فقلت : هذا يوم شر نبشته ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) حتى بلغ شأن أبي جهل ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) قال : فقال إنسان لأبي جهل : يا أبا الحكم ! هذا محمد . فقال أبو جهل : ألا ترون ما أرى ؟ والله لقد سد أفق السماء علي ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة سجد .

قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بسفح قاسيون ، أخبركم أبو البركات داود بن أحمد بن محمد البغدادي قراءة عليه وأنت تسمع ، فأقر به ، أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف ، أخبرنا أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن محمد بن [ ص: 193 ] المأمون ، أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز ، ومحمد بن هارون الحضرمي قالا : حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا عبد السلام هو ابن حرب ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزل : ( تبت يدا أبي لهب ) جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر رضي الله عنه ، فلما رآها قال : يا رسول الله إنها امرأة بذية ، فلو قمت لا تؤذيك . قال : "إنها لن تراني . فجاءت فقالت : يا أبا بكر صاحبك هجاني . قال : لا ، وما يقول الشعر . قالت : أنت عندي تصدق وانصرفت . قلت : يا رسول الله ! لم ترك ؟ قال : لا ، لم يزل ملك يسترني منها بجناحه" .

قرأت على أبي عبد الله محمد بن عثمان بن سلامة بدمشق ، أخبرك أبو القاسم الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الأسدي قراءة عليه وأنت تسمع ، فأقر به ، أخبرنا جدي ، أخبرنا القاسم بن أبي العلاء ، أخبرنا أبو محمد بن أبي نصر ، أخبرنا خيثمة ، حدثنا هلال يعني ابن العلاء الرقي ، حدثنا سعيد بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد هو ابن أبي أنيسة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، حدثنا عبد الله بن مسعود ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام ، ورفقة من المشركين من قريش ، ونبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي وقد نحر قبل ذلك جزور ، وقد بقي فرثه وقذره ، فقال أبو جهل : ألا رجل يقوم إلى هذا القذر يلقيه على محمد . ونبي الله صلى الله عليه وسلم ساجد ، إذ انبعث أشقاها ، فقام فألقاها عليه . قال عبد الله : فهبنا أن نلقيه عنه ، حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها فألقته عنه ، فقام فسمعته يقول ، وهو قائم يصلي : "اللهم اشدد وطأتك على مضر ، سنين كسني يوسف ، عليك بأبي الحكم بن هشام - وهو أبو جهل - ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وعقبة [ ص: 194 ] بن أبي معيط ، وأمية بن خلف ورجل آخر . ثم قال : رأيتهم من العام المقبل صرعى بالطوي طوي بدر ، صرعى بالقليب" .

وأخبرنا ابن الواسطي فيما قرأت عليه أخبرنا ابن ملاعب ، أخبرنا الأرموي ، أخبرنا ابن المأمون ، أخبرنا الدارقطني ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن صالح الأزدي ، حدثنا الزبير بن بكار ، حدثني أبو يحيى هارون بن بكر بن عبد الله الزهري ، عن عبد الله بن سلمة ، عن عبد الله بن عروة بن الزبير ، عن أبيه عروة بن الزبير قال : حدثني عمرو بن عثمان بن عفان ، عن أبيه عثمان بن عفان ، قال : أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته يوما - قال عمرو : فرأيت عيني عثمان بن عفان ، زرفتا من تذكر ذلك - قال عثمان بن عفان : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويده في يد أبي بكر ، وفي الحجر ثلاثة نفر جلوس : عقبة بن أبي معيط ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما حاذاهم أسمعوه بعض ما يكره ، فعرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، فدنوت منه حتى وسطته ، فكان بيني وبين أبي بكر ، وأدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعا ، فلما حاذاهم قال أبو جهل : والله لا نصالحك ما بل بحر صوفة ، وأنت تنهى أن نعبد ما يعبد آباؤنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا ذلك . ثم مضى عنهم ، فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك ، حتى إذا كان في الشوط الرابع ناهضوه ، ووثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجامع ثوبه ، فدفعت في صدره ، فوقع على استه ، ودفع أبو بكر ، أمية بن خلف ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط ، ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف ، ثم قال : أما والله لا تنتهون حتى يحل بكم عقابه عاجلا . قال [ ص: 195 ] عثمان : فوالله ما منهم رجل إلا وقد أخذه أفكل وهو يرتعد ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بئس القوم أنتم لنبيكم ، ثم انصرف إلى بيته وتبعناه خلفه ، حتى انتهى إلى باب بيته ووقف على السدة ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : أبشروا ، فإن الله عز وجل مظهر دينه ، ومتم كلمته ، وناصر نبيه ، وإن هؤلاء الذين ترون مما يذبح الله بأيديكم عاجلا ، ثم انصرفنا إلى بيوتنا ، فوالله لقد رأيتم قد ذبحهم الله بأيدينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية