الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر إسلام عمر بن الخطاب

رضي الله عنه

قرأت على عبد الرحيم بن يوسف المزي ، أخبركم أبو حفص بن طبرزد ، قال : أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو علي الحسن بن غالب الحربي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد المالكي القاضي ، حدثنا الحسين بن إسحاق ، حدثنا أبو علقمة عبد الله بن عيسى الفروي ، حدثنا عبد الملك بن الماجشون ، عن الزنجي بن خالد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب" . وقرأت على أبي الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو الفراء بسفح قاسيون ، أخبركم أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي فأقر به ، قال : أخبرنا الشيخان الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر الحسيني ، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الأسدي ، قالا : أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن أبي العلاء ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر التميمي ، قال : أخبرنا أبو خيثمة بن سليمان ، حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا سفيان الطائي ، قال : قرأت على إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، قال : ذكره أسامة بن زيد ، عن أبيه ، عن جده أسلم ، قال : قال لنا عمر بن الخطاب : أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي ؟ قلنا : نعم . قال : كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينا أنا في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طرق مكة إذ لقيني رجل من بعض قريش ، فقال لي : أين تذهب يا ابن الخطاب ؟ أنت تزعم أنك هكذا ، وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك ! قال : قلت : وما ذاك ؟ قال : أختك قد صبأت ، قال فرجعت مغضبا ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الرجل [ ص: 217 ] والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة ، فيكونان معه ويصيبان من طعامه ، قال : وقد ضم إلى زوج أختي رجلين ، قال : فجئت حتى قرعت الباب ، فقيل : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب . قال : وكان القوم جلوسا يقرؤون صحيفة معهم ، قال : فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا ، وتركوا أو نسوا الصحيفة من أيديهم ، قال : فقامت المرأة ففتحت لي . قال : فقلت لها : يا عدوة نفسها قد بلغني أنك قد صبأت . قال : فأرفع شيئا في يدي فأضربها به . قال : فسال الدم . قال : فلما رأت المرأة الدم بكت ثم قالت : يا ابن الخطاب ! ما كنت فاعلا فافعل ، فقد أسلمت . قال : فدخلت وأنا مغضب . قال : فجلست على السرير ، فنظرت ، فإذا بكتاب في ناحية البيت . فقلت : ما هذا الكتاب أعطنيه . فقالت : لا أعطيكه ، لست من أهله ، أنت لا تغتسل من الجنابة ولا تطهر ، وهذا لا يمسه إلا المطهرون . قال : فلم أزل بها حتى أعطتنيه ، فإذا فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال : فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت ورميت الصحيفة من يدي . قال : ثم رجعت إلى نفسي فإذا فيها ( سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) قال : فكلما مررت بالاسم من أسماء الله عز وجل ذعرت ، ثم ترجع إلي نفسي حتى بلغت ( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) حتى بلغ إلى قوله ( إن كنتم مؤمنين ) قال : فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فخرج القوم يتبادرون بالتكبير استبشارا بما سمعوا مني ، وحمدوا الله عز وجل ، ثم قالوا : يا ابن الخطاب أبشر ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين ، فقال : اللهم أعز الإسلام بأحد الرجلين ، إما بأبي جهل بن هشام ، وإما بعمر بن الخطاب ، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فأبشر . قال : فلما أن عرفوا مني الصدق ، قلت لهم : أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : هو في بيت في أسفل الصفا وصفوه . قال : فخرجت حتى قرعت الباب . قيل : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب . قال : قد عرفوا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا إسلامي . قال : فما اجترأ أحد منهم أن يفتح الباب . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افتحوا له فإن يرد الله به خيرا يهده . قال : ففتحوا لي وأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبي صلى الله عليه وسلم . فقال : أرسلوه . قال : فأرسلوني ، فجلست بين يديه . قال : فأخذ بمجمع قميصي فجبذني إليه . ثم قال : أسلم يا ابن [ ص: 218 ] الخطاب ، اللهم اهده . قال : قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله . قال : فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة . قال : وقد كان الرجل إذا أسلم استخفى ، ثم خرجت فكنت لا أشاء أن أرى رجلا إذا أسلم ضرب إلا رأيته ، قال : فلما رأيت ذلك قلت لا أحب أن لا يصيبني ما يصيب المسلمين ، قال : فذهبت إلى خالي وكان شريفا فيهم ، فقرعت الباب عليه . فقال : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب . قال : فخرج إلي فقلت له : أشعرت إني قد صبأت . قال : نعم . فقلت : نعم ! قال : لا تفعل . قال : قلت : بلى قد فعلت . قال : لا تفعل . فأجاف الباب دوني وتركني . قال قلت : ما هذا بشيء ؟ قال : فخرجت حتى جئت رجلا من عظماء قريش فقرعت عليه الباب . قال : من هذا ؟ قلت : عمر بن الخطاب . قال : فخرج إلي . فقلت له : أشعرت إني قد صبأت . فقال : أوفعلت ؟ قلت : نعم . قال : فلا تفعل . قلت : قد فعلت . قال : لا تفعل . ثم قام فدخل فأجاف الباب دوني . قال : فلما رأيت ذلك انصرفت . فقال لي رجل : تحب أن يعلم إسلامك ؟ قال : قلت : نعم . قال : فإذا جلس الناس في الحجر واجتمعوا أتيت فلانا رجلا لم يكن يكتم السر - فاصغ إليه ، فقل له فيما بينك وبينه : إني قد صبأت . فإنه سوف يظهر عليك ذلك ويصيح ويعلنه . قال : فلما اجتمع الناس في الحجر جئت إلى الرجل ، فدنوت منه فأصغيت إليه فيما بيني وبينه ، فقلت : أعلمت إني قد صبأت . قال : فقال : أصبأت ؟ قلت : نعم . قال : فرفع صوته بأعلاه ، فقال : ألا إن ابن الخطاب قد صبأ . قال : فما زال الناس يضربوني وأضربهم . قال : فقال خالي : ما هذا ؟ قال : فقيل : ابن الخطاب . قال : فقام علي في الحجر فأشار بكمه ، فقال : ألا إني قد أجرت ابن أختي . قال : فانكشف الناس عني . قال : وكنت لا أشاء [ ص: 219 ] أن أرى أحدا من المسلمين يضرب إلا رأيته ، وأنا لا أضرب . قال : فقلت : ما هذا بشيء حتى يصيبني مثل ما يصيب المسلمين . قال : فأمهلت حتى إذا جلس الناس في الحجر وصلت إلى خالي فقلت : اسمع . فقال : ما أسمع ؟ قال : قلت : جوارك عليك رد . قال : فقال : لا تفعل يا ابن أختي . قال : قلت : بلى هو ذاك . فقال : ما شئت . قال : فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية