الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
816 - أنبأ أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا محمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي ، (ح) وأنبأ عمرو بن عبد الله ، ومحمد بن يعقوب ، قالا : ثنا محمد بن عبد الوهاب بن حبيب الفراء ، قال : ثنا جعفر بن عون ، أنبأ هشام بن سعد ، ثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : [ ص: 798 ] قلنا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ ، قال : " هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب ؟ " . قال : قلنا : لا يا رسول الله ، قال : " فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيه سحاب ؟ " ، قالوا : لا يا رسول الله ، قال : " ما تضارون في رؤيته يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما . إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ألا يلحق كل أمة بما كانت تعبد ، فلا يبقى أحد كان يعبد صنما ، ولا وثنا ، ولا صورة إلا ذهبوا حتى يتساقطوا في النار ، ويبقى من كان يعبد الله وحده من بر وفاجر وغبرات أهل الكتاب . قال : ثم تعرض جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا ، قال : ثم تدعى اليهود ، فيقال : ما كنتم تعبدون ؟ ، فيقولون : عزيرا ابن الله ، فيقول : كذبتم ، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد ، فماذا تريدون ؟ ، فيقولون : أي ربنا ظمينا ، فيقول : أفلا تردون ؟ ، فيذهبون حتى يتساقطوا في النار ، ثم تدعى النصارى فيقول : ما كنتم تعبدون ؟ ، فيقولون : المسيح ابن الله ، فيقول : كذبتم ، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد ، فماذا تريدون ؟ ، فيقولون : أي رب ، ظمينا فاسقنا ، فيقول : ألا تردون ؟ ، فيذهبوا حتى يتساقطوا في النار ، ويبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر ، قال : ثم يتبدى الله عز وجل لنا في صورة غير صورته التي رأيناه فيها أول مرة فيقول : يا أيها الناس لحقت كل أمة بما كانت تعبد وبقيتم ، فلا يكلمه يومئذ إلا نبيا ، فيقول : فارقنا الناس في الدنيا ونحن كنا إلى صحبتهم أحوج ، لحقت كل أمة بما كانت تعبد ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، فيقول : هل بينكم وبين الله عز وجل من آية تعرفونها ؟ ، فيقولون : نعم ، فيكشف عن ساق فيخرون سجدا أجمعين ، ولا يبقى أحد كان يسجد في الدنيا سمعة ، ولا رياء ، ولا نفاقا إلا عاد ظهره طبقا واحدا ، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، ثم يرفع برنا ومسيئنا ، وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أول مرة فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعم أنت ربنا ، ثلاث مرات ، ثم يضرب الجسر على [ ص: 799 ] جهنم " ، قلنا : وما الجسر يا رسول الله ؟ بأبينا أنت وأمنا ، قال : " دحض مزلة له كلاليب وخطاطيف وحسكة تكون بنجد عقيفاء يقال له السعدان ، فيمر المؤمنون كلمح البرق وكالطرف ، وكأجاود الخيل والراكب ، فمرسل ، ومخدوش ، ومكدوس في نار جهنم ، والذي نفسي بيده ، ما أحدكم بأشد مناشدة في الحق يراه مضيئا له من المؤمنين في إخوانهم إذا هم رأوا أنهم قد خلصوا من النار ، يقولون : أي ربنا إخواننا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا ويجاهدون معنا ، قد أخذتهم النار ، فيقول : اذهبوا فمن عرفتم صورته فأخرجوه ، وتحرم صورتهم على النار ، فيجدون الرجل قد أخذته النار إلى قدميه وإلى أنصاف ساقيه وإلى ركبته وإلى حقوه فيخرجون منها بشرا كثيرا ، ثم يعودون فيتكلمون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قيراط خير فأخرجوه ، فيخرجون منها بشرا كثيرا ، ثم يعودون فيتكلمون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه نصف قيراط خير فأخرجوه ، فيخرجون منها بشرا كثيرا ثم يعودون فيتكلمون ، فلا يزال يقول ذلك حتى يقول : اذهبوا فأخرجوا من وجدتم في قلبه مثقال ذرة فأخرجوه " فكان أبو سعيد إذا حدث بهذا الحديث يقول : فإن لم تصدقوا فاقرؤوا : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ) . [ ص: 800 ] الآية ، " فيقولون : أي ربنا ، لم نذر فيها خيرا ، فيقول : هل بقي إلا أرحم الراحمين ، فيقول : قد شفعت الملائكة ، وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون ، فهل بقي إلا أرحم الراحمين ؟ ، قال : فيأخذ قبضة من النار ، قال : فيخرج قوما قد عادوا حممة لم يعملوا له عمل خير قط ، فيطرحون في نهر الجنة يقال له نهر الحياة فينبتون فيه والذي نفسي بيده كما تنبت الحبة في حميل السيل ، ألم تروها وما يليها من الظل أصيفر وما يليها من الشمس أخيضر " ، قال : قلنا : يا رسول الله كأنك كنت في الماشية ، قال : " فينبتون كذلك ، فيخرجون أمثال اللؤلؤ فتجعل في رقابهم الخواتيم ، ثم يرسلون في الجنة : هؤلاء الجهنميون ، هؤلاء الذين أخرجهم الله من النار بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ، فيقول الله لهم : خذوا ، فلكم ما أخذتم ، فيأخذون حتى ينتهوا ، قال : ثم يقولون : لن يعطينا الله ما أخذنا ، فيقول الله : فإني أعطيكم أفضل مما أخذتم ، فيقولون : يا ربنا ، وما أفضل مما أخذنا ؟ ، فيقول : رضواني فلا أسخط " .

أنبأ أبو علي ، ثنا الحسن بن عامر ، ثنا أبو بكر ، ثنا جعفر نحوه . ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية