الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

النص الشرعي وتأويله (الشاطبي أنموذجا)

الدكتور / صالح سبوعي

الفصل الثالث

نماذج تحليلية تطبيقية للنصوص

الشرعية) أولا: الانطلاق من النص للوقوف على المقصد (المعنى)

الأنموذج التحليلي الأول: أساليب الأمر والنهي

يراعى في ذلك الأسس الآتية:

1- معرفة أسباب ورود النص، وظروفه، ومناسبته.

2- مراعاة الخصائص المعهودة في أقوال العرب، وعاداتها، وأفعالها، ومجاري أحوالها حالة ورود النص.

3- عدم الاقتصار على القرآن حين الاستنباط منه دون النظر في شرحه، وبيانه وهو السنة، وعدم الاقتصار على السنة دون القرآن.

4- النظر إلى النص نظرة كلية، تلم الأجزاء إلى بعضها، ولا تأخذ بأطراف العبارات دون النظر فيما وراءها.

5- مراعاة ربط فهم النص بتغير العادات وتغير الأحوال والأزمان لفهمه على الوجه الأمثل. [ ص: 103 ]

* أسلوب الأمر

( قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : «اكلفوا من الأعمـال ما تطيقون ) [1] . وفي رواية : ( اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة ) [2] .

- مستويات التحليل اللغوي (المراعى فيه معهود العرب في لغتها) [3] :

مستويات التحليل اللغوي هـي:

- المستوى الصوتي.

- المستوى الصرفي.

- المسـتوى النحوي.

- المسـتوى الدلالي.

وسيكون الاعتمـاد على أحـد هـذه المستويات، أو جميعها حسب ما تقتضيه دواعي التحـليل، وما يمكن أن يكون له أهمية في إبراز المعـنى المراد، وهي تسهم في الكشف عن المقصد، وإيضاحه. [ ص: 104 ]

- التحليل اللغوي

1- المستوى الصرفي

اكلفوا: أصل الفعل (كلف) ، وهو فعل صحيح، جاء الأمر منه على وزن ( افعلوا) .

2- المستوى النحوي

اكلفوا: فعل أمر مبني على حذف النون. والواو ضمير جمع الذكور، مبني على السكون في محل رفع فاعل. والألف: الفارقة.

من العمل: جار ومجرور، متعلق بالفعل ( اكلفوا) .

ما: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

تطيقون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو: ضمير جمع الذكور، مبني على السكون في محل رفع فاعل.

والجملة من الفعل والفاعل صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

3- المستوى الدلالي

اكلفوا أصـل الفعـل ( كلـف) ، من باب (تعب) فيقال في كلـف الأمر: وكلف به: إذا تكلفـه [4] : حملـه على مشقته، والكلفة: ما تكلف على مشقة، أو ما كان حمله على مشقة [5] . وكلفت بالأمر: [ ص: 105 ] إذا أولعـت به وأحببته [6] . والكـلف: الـولوع بالشـيء مع شـغل قلب ومشقة. [7] العمل: المهنة والفعل [8] .

تطيقون: أصل الفعل ( طوق) ، فيقال طاق الشيء يطوقه طوقا وأطاقه يطيقه إطاقة وطاقة: إذا قدر عليه. والطاقة هـي: القدرة على الشيء، أو الوسع [9] ، أو هـي مقدار ما يمكن أن يفعله المرء بمشقة منه [10] .

دلالة التركيب

يبين النص أن :

1- الأعمال أنواع، ودرجات في المشقة والجهد، وكذلك طاقات العباد، وقدراتهم في تحمل الأعمال، ومزاولة ما اختلف من مهن، وأفعال.

2- على العباد أن يوازنوا بين طاقاتهم، وبين ما يعرض لهم من أعمال؛ فلا يباشروا منها إلا ما كان لهم به طاقة، وسعة، ويضمن من ورائها مداومتهم، واستمرارهم فيها، لا انقطاعهم عنها، وربما مقتهم لها.

3- ضمان استمرار العبد فيما يزاوله من أفعال، أيا كانت، مرتبط بمدى ملاءمة تلك الأفعال لقدراته، وكفاءته النابعة من طول مزاولته للعمل المراد. [ ص: 106 ] 4- مجيء صلة الموصول جملة فعلية (تطيقون) ، دليل على إمكانية الاستمرار، والدوام، أكثر من مجيء الصلة جملة اسمية، وذلك لما يحمله الفعـل من حركة، وتجـدد، بينما الاسـم يحمل من الجمود، والثبات ما يحمل، والاستمرار في العمل قرين الحركة والنشاط. و «... إن خير العمل أدومه وإن قل » [11] .

الوقوف على المقصد

السياق الذي ورد فيه النص هـو الأمر بعدم الوصال في العبادات، والالتزام فيها بما يتلاءم وطاقة المتعبدين المتحملين لها القائمين بها [12] .

ولما كانت المشقة، والحرج حاصلين للعبد نتيجة تحمله ما يتجاوز الجهد والطاقة وكان ذلك مظنة للانقطاع عن الأعمال التي يزاولها المرء عموما، والانقطاع عن العبادة خصوصا، وذلك مكروه لمن ألزم نفسه [ ص: 107 ] بها [13] ؛ كان الأمر بالقيام بما يتلاءم وطاقة المرء، وجهده، وسعته. ولأجل ذلك كان الدعاء الدائم للمؤمنين:

( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) (البقرة: 286) .

المقصد العام:

المحافظة على يسر الدين، والمواظبة على شعائره بالابتعاد عن الغلو فيه، والتزام الإنسان قدر جهده، وسعته فيما يزاوله من أعمال، دون قصور، أو تقصير.

المقصد الخاص:

1- إقامة الأمور على أساس من الحب والإقبال، لا الكراهية والإدبار.

2- التوسط في الأمور جميعها، ومزاولة الأعمال على أساس من توافر الطاقة، فيه ضمان للوصول إلى الغايات والأهداف، والاستمرار في الأعمال مع إمكانية الإتقان فيها «القصد القصد تبلغوا» [14] .

المعنى الإجمالي:

لا يفهم من الحديث النهي المطلق عن بذل الجهد، أو المشقة في أداء الأعمال، وإنما هـو توجيه إلى مراعاة توزيع طاقـة الفرد، وجهده على ما يزاوله من أفعال بما يضمن له المداومة والاستمرار فيها. [ ص: 108 ]

* أسلوب النهي

قال تعالى: ( وأن هـذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم ) (الأنعام: 153) .

1- المستوى الصوتي

مجيء التاء الثانية مدغمة في قوله: ( تتبعوا ) أدى إلى التقاء طرف اللسان مع أقصى الحنك؛ فنتج عنه انحباس الهواء، وشدته، ثم خروجه؛ فجاء صوت التاء المدغمة مهموسا.

2- المستوى الصرفي

تتبعوا: أصل الفعل (تبع) ثلاثي صحيح على وزن (فعل) ، ويصح فيه أيضا أن يكون الأصل فيه أيضا (اتبع) على وزن (افتعل) .

3- المستوى النحوي

وحرف عطف. لا: ناهية.

تتبعوا: فعل مضـارع مجزوم بلا الناهية، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو: ضمير جماعة الذكور فاعل. والألف: الفارقة.

السبل: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

والجملة الفعلية من « الفعل وفاعله» معطوفة على ماقبلها. [ ص: 109 ]

4- المستوى الدلالي

تتبعوا: أصل الفعل ( تبع ) ، فيقال: تبع الشيء تبعا وتباعا، وتبعت الشيء تبوعا: سرت في إثره. وأتبعه وأتبعه وتتبعه: قـفاه وتطلبه متبعا له. وكذلك تتبعه وتتبعته تبعا. وقيل: تبعت فلانا، واتبعته وأتبعته سواء [15] .

السبل: مفردها (السبيل ) : وهو الطريق وما وضح منه، وسبيل الله: طريق الهدى الذي دعا إليه [16] .

دلالة التركيب:

يفيد التركيب النهي عن اتباع الطرق المتعددة التي يذهب فيها الجهد سدى هـباء، وضرورة الاكتفاء باتباع سبيل واحد؛ وهو سبيل الله، وطريقه كما جاءت الإشارة إليه في السياق نفسه، وذلك قبل النهي عن اتباع السبل المتعددة.

فالنهي هـنا الذي يفيد تحريم اتباع السبل المضلة جاء تعضيده، ودعمه بصيغة الأمر قبله التي تفيد وجوب اتباع سبيل واحد هـو سبيل الله الذي يعصم من التفرق والتشتـت ( فتفرق بكم ) . [ ص: 110 ]

الوقوف على المقصد:

السياق الذي ورد فيه النص هـو الأمر بجملة مأمورات، والدعوة إلى اتباعها، والنهي عن جملة منهيات، والدعوة أيضا إلى اجتنابها، والابتعاد عنها.

ولما كان النجاح في الدنيا والآخرة لا يحصل إلا باتباع سبيل واحد مستقيم يتركز فيه الجهد، ويتجه إليه القصد كانت الآية متضمنة النهي عن اتباع ما من شأنه أن يشتت تلك الطاقة، ويجعل العمل هـباء منثورا. ويتأكد ذلك من مجيء النهي مقترنا بأسلوب الأمر، ومادة الفعل هـي ذاتها في كل من الأمر والنهي؛ (اتبعوا) و (لا تتبعوا) . كما أن فعل النهي (لا تتبعوا) قد جاء بصوت مدغم شديد ليتلاءم مع دلالته على النهي القوي الشديد؛ مثلما يكون النهي قويا شديدا عن اتباع السبل المتعددة التي تبعد المسلم عن سبيل الله المستقيم.

المقصد العام

المقصد العام الذي ورد لأجله النص هـو الحفاظ على دين الله باتباعه، وترك ما سواه من زيغ وضلال؛ أي اتباع سبيل الله وترك ما دونه من سبل، وبذلك يتحقق المقصد الأساس للنص.

المقصد الخاص

1- يتم باتباع طريق واحد، وهو دين الله الذي جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم ، حفظ المرء لدينه، وبه يعصم نفسه من اتباع الطرق الضالة المضلة. وهذا [ ص: 111 ] يحقق مقصدا تابعا للمقصد العام يتمثل في حفظ المؤمن، وعصمته من الزيغ، والضلال الذي تحمله لفظة السبل [17] ، ويؤكد ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم ( أنه خـط خطا ثم قال : هـذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال: هـذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم تلا: صوأن هـذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) [18] .

2- ويتم أيضا باتباع سبيل واحد حفظ جهد الإنسان، وطاقته وتوجيهها الوجهة الصحيحة، ولا توجد وجهة صحيحة مثل طريق الله. وفي المقابل لا توجد وجهة مهلكة للطاقة، والجهد متلفة لهما، مثل سبل الشيطان، وطرقه التي ورد النص لأجل النهي عن اتباعها، وخاصة أنه نزل على أمة أثر عنها أنها أهل شرك، ووثنية، مذاهب أهلها شتى، وطرقهم المضلة متنوعة متعددة [19] . [ ص: 112 ] 3- إذا اتباع سبيل واحد، وبذل الجهد فيه كفيل بتحقيق الهدف الذي لا يكون إلا بتجميع الجهد، والطاقة نحو الهدف المنشود، والمقصد المرام. أما غير ذلك فهو مدعاة إلى الخسارة، والضلال، دع عنك الابتعاد عن الهدف المنشود، أو المقصد الذي يرومه صاحبه.

4- يتأكد كون الطريق المشار إليه هـنا هـو الدين الإسلامي؛ وذلك بربط النص بالسياق الذي ورد فيه، والنظر إليه في إطار بقية النصوص، والآيات الواردة قبله وبعده [20] . كما يتحقق أيضا بقوله تعالى: ( قل إنني هـداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ) (الأنعام: 161) ، ( وقوله رضي الله عنها : «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هـالك ) [21] .

المعنى الإجمالي:

النهي عن اتباع السبل المتفرقة، وتحريمه يتضمن النهي عن كل مامن شأنه أن يبعد المسلم عن دينه الذي هـو الطريق المستقيم الذي لا طريق سواه أنسب له، وأسلم من دون كل السبل، أو الخطوط، «فمن ثبت عليه دخل الجنة، ومن أخذ في هـذه الخطوط هـلك» [22] ؛ ولهذا كان دعاء المؤمنين الدائم:

( اهدنا الصراط المستقيم ) (الفاتحة:6) . [ ص: 113 ]

الأنموذج التحليلي الثاني: أساليب العموم والخصوص

* أسلوب العموم

قال تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا ) (المائدة: 38) .

- التحليل اللغوي

1- المستوى الصرفي

اقطعوا: أصل الفعل ( قطع ) وهو ثلاثي صحيح، جاء الأمر منه على وزن ( افعلوا) .

السارق: على وزن ( فاعل ) ، وأصل الفعل ( سرق ) .

2- المستوى النحوي

واستئنافية.

السارق: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

والسارقة: الواو حرف عطف، (السارقة) معطوف على السارق، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. [ ص: 114 ]

فاقطعوا: الفاء زائدة في الخبر، وجيء بها لأن الألف واللام في السارق والسارقة بمنـزلة جواب الشرط [23] . اقطعوا: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو: ضمير جماعة الذكور، مبني على السكون في محل رفع فاعل، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ. والألف: الفارقة.

أيديهما: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، «وأيديهما بمعنى يديهما؛ لأن المقطوع من السارق والسارقة يمناهما، فوضع الجمع موضع الاثنين، لأنه ليس في الإنسان سوى يمين واحـدة» [24] . وهما: مضاف إليه.. وجملة «السارق والسارقة» استئنافية لا محل لها من الإعراب.

3- المستوى الدلالي:

السارق: الاسم منه السرق أو السرقة، وتعني عند العرب «من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له، فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس ومستلب ومنتهب ومحترس، والفعل منه: سرق، واسترق [25] . وسموا سارقا وسراقا، والسراقة: اسم ما سرق» [26] . [ ص: 115 ]

والمجاز منه: استرق السمع: إذا استمع مستخفيا، وسارقه النظر: إذا نظر إليه غفلة، أو خيفة. وسرق ليلة من الشهر: إذا نعم فيها، وسرق صوته: إذا بح صوته [27] .

اصطلاحا (شرعا) : هـي أخـذ مكـلف عاقل بالغ نصابا محرزا، أو ما قيمته نصابا ملكا للغير، لا شبهة له فيه، على وجه الخفية [28] .

القطع: إبانة بعض أجزاء الجرم من بعض فصلا، والفعل: قطعه يقطعه قطعا وقطيعة وقطوعا. والأقطع: المقطوع اليد، والجمع قطع وقطعان، ويد قطعاء: مقطوعة، والقطعة والقطعة: موضع القطع من اليد [29] .

من المجاز: فلان قطيع الكلام: ضعيفه، وفي أمعائه تقطع: أي مغص [30] .

أيديهما: واحدتها ( يد ) ، وأصلها (يدي ) فحذفت ياؤها، واليد: من أطراف الأصابع إلى الكف [31] . موضع قطع اليد في الشرع: «الجمهور [ ص: 116 ] على أنه الرسـغ؛ لأنه عليه الصـلاة والسلام أتي بسارق فأمر بقطع يمينه منه». [32] دلالة التركيب:

1- تضمن التركيب حد من أخذ ما لا يحل له أخذه، دون وجه حق على سبيل السرقة، ذكرا كان أم أنثى، وحده أن تقطع يده.

2- يتضمن التركيب صرامة في تطبيق الحد، ووجوب تطبيق ذلك دون رأفة أو شفقة؛ بمجرد وقوع السرقة وتوافر شروطها.

3- (ال) في لفظتي السارق والسارقة موصولة، فالموصول إذا أريد منه التعميم ينـزل منـزلة الشرط، أي يجعل (ال) فيها اسما موصولا، فيكون المعنى الذي سرق، والتي سرقت فاقطعوا أيديهما. [33] [ ص: 117 ] - الوقوف على المقصد:

نزلت الآية في رجل أنصاري [34] سرق درعا من جار له، فعرف وقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت الآية بمثابة الحكم في شأن ذلك السارق وأمثاله.

وتضمن النص حكما صارما في حق كل من يأخذ ما لا يملكه ويخص الغير، فكانت جزاء بجزاء. كما شمل النص عموم السارق والسارقة؛ حيث إنه لم يحدد سارقا بعينه، ولا سارقة بعينها، وإنما كل من توافرت فيه صفة السرقة فقد لزمه الحد، ولما كان ذكر الذكر مما قد يلتبس فيه بإخراج الأنثى منه؛ كان ذكر السارقة أيضا ليشملها عموم الحكم كالسارق، وكان تقديمه في التركيب عليها لكون الرجل أجرأ وأقدر على السرقة من المرأة [35] .

ولم يحدد النص نصاب حد السرقة، ولا اليد التي تقطع مع الكيفية، ولا موضع القطـع، ولا الذي يقـوم بعملية القطع، وإنما يتم الرجوع فيها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) (الأحزاب: 21) . [ ص: 118 ] - المقصد العام

1- ضمان اطمئنان الإنسان على ماله وضمان صيانته؛ فينشط ويسعى إلى تنمية ذلك المال وزيادة الكسب منه، فإذا خشي عليه من السرقة فإن حركته تقل، ونشاطه يفتر، وسعيه نحو الكسب يقل، وقد ينعدم؛ وما قد ينجر عن ذلك من تعطيل حركة المجتمع، وبالتالي تخلفه، وتبعيته!!

2- كان الأمر الإلهي صارما بوجوب تطبيق العقوبة على السارق والسارقة، ردعا منه لكل من تسول له نفسه أمر السرقة، وحفاظا منه على الأموال، وما يملكه الإنسان من ثمين ونفيس، وكل غال محبب إلى النفس؛ فالمقصد العام للنص هـو الحفاظ على إحدى كليات الشريعة ، وهي حفظ المال، وفي حفظه حفظ للنفس والدين! ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه... ) [36] .

- المقصد الخاص

1- تطمئن نفس الإنسان بتوافر دواعي الحفاظ على الأموال، ويستقر باله، وتنشط حركته في المجتمع، وتمتد شبكة علاقاته، وما قد يؤديه ذلك من نمو وازدهار في المجتمع، وكل ذلك مما يتضمنه المقصد التابع لمقصد حفظ المال؛ فيد واحدة تقطع « كفيلة بردع المجرمين، وكف عدوانهم، وتأمين الأمن، والاستقرار للمجتمع» [37] . [ ص: 119 ] 2- للنص أبعاد نفسية واجتماعية تتمثل في تحقيق الراحة النفسية والطمأنينة لأفراد المجتمع الإسلامي، وسيادة جو من المودة والتآلف والمحبة على محور علاقة أبناء المجتمع فيما بينهم. كما أنه بسيادة الطمأنينة، والأمان تقوى رابطة العلاقة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ويزدهر، ويتطور بتكاتف أبنائه وتعاضدهم، والعكس صحيح!

- المعنى الإجمالي

ظاهر الآية الصرامة والقسوة في تطبيق حدود الله، ولكن في حقيقتها الرحمة، وفي تطبيقها، وغيرها من حدود الله وأوامره تحقيق لأمن المجتمع وسلامته، وصيانة له من كل ما من شأنه أن يفكك روابط العلاقة التي تجمع أفراد المجتمع الإسلامي.

* أسلوب الخصوص

( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته ) [38] .

- التحليل اللغوي:

1- المستوى النحوي

هو: ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.

الطهور: خبر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. [ ص: 120 ]

ماؤه: فاعل مرفوع بصيغة المبالغة لاسم الفاعل (الطهور) ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، والضمير المتصل (الهاء) مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.

الحل: خبر ثان مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

ميتته: فاعل مرفوع بالمصدر ( الحل = الحلال ) ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، والضمير المتصل (الهاء) مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.

2- المستوى الدلالي

البحر: الماء الكثير ملحا كان أو عذبا، وهو خلاف البر، سمي بذلك لعمقه واتساعه، وقد غلب على الملح، حتى قل في العذب، وجمعه أبحر وبحور وبحار، وكل نهر عظيم بحر، أو كل نهر لا ينقطع ماؤه فهو بحر.

ومن المجاز: فلان بحر: أي واسع المعروف، وفرس بحر: أي كثير العدو [39] .

الطهور (لغة) : الماء الطهور: البليغ في الطـهارة، لا شبهة فيه [40] ، أو هـو كل ماء نظيف [41] . (اصطلاحا) : هـو الماء الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وكل طهور طاهر ولا عكس [42] . [ ص: 121 ]

الحل: الحلال، حل يحل حلا، وأحله الله وحلله، أي جعله حلالا [43] .

المـيتة والـميتة: السـكون والنوم والبلى [44] . أو ما لم تدرك تذكيته [45] .

- دلالة التركيب

1- تضمن النص بيان المباحات للمسلم وتأصيلها، وقد يدعوه تجاهلها إلى اعتبارها من المحرمات؛ فيوقعه ذلك في الحرج والضيق، وهذه المباحات التي تضمنها النص هـي طهورية ماء البحر، وعدم نجاسته، بالإضافة إلى إباحة تناول ميتته؛ سواء أكانت مما يلفظه الماء فيطفو [46] ، أو ما يخرج من الماء فيموت.

2- ورود (ال) في لفظة (الطهور) يفيد استغراق الطهورية جميع ماء البحر، وليس جزء ا منه، وكذلك مجيئها في لفظة (الحل) لإفادة أن جميع ميتة البحر حلال، وليس نوعا منها دون نوع، أو صنفا دون صنف. وذلك يؤكد التوسعة على العباد، وينفي عنهم الحرج. [ ص: 122 ]

- الوقوف على المقصد

النص الوارد هـنا، يقوم مقام التخصيص للنص العام المتمثل في قوله تعالى:

( حرمت عليكم الميتة ) (المائدة:3) ،

وفي ذلك إخراج للحكم العام الذي يشمله النص القرآني، وقصره على بعض أفراده [47] .

-المقصد العام

1- ورود النص المخصص للعموم، وفيه رفع للحرج والضيق عن العباد، وتوسعة لهم في معاشهم وأرزاقهم، وإقامة للدين على أساس من التوسعة ورفع الحرج عنهم، وذلك هـو المقصد الأساسي للنص.

2- في النص مراعاة لظروف المكلفين ومصالحهم؛ إذ لو فرض الاكتفاء بالنص العام على أساس تحريم الميتة عموما، برية كانت، أم بحرية لكان في ذلك بعض النفور الذي قد يتصور فيه أنه تضييق على العباد، خاصة أولئك الذين جل اعتمادهم في معاشهم على البحر وميتاته! وجل مساحة الأرض ماء.

والمقام الذي ورد فيه الحـديث يؤكد رفع الحرج وعدم التضييق على العباد؛ فقد ( ورد أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، [ ص: 123 ] إنا نركب البـحر، ونحمل معـنا القـليل من الماء، فـإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من مـاء البحر؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) [48] .

- المقصد الخاص:

المقصد التابع الذي يحققه النص أنه يزيد في بيان نصوص الشرع وإيضاحها، وجعل حد للتأويلات الكثيرة لها، كما أنه يضع الدين في موضع السهولة، واليسر لا موضع المشقة والعسر، بما يوفره من مباحات تتلاءم والفطرة.

- المعنى الإجمالي

يؤكد الحديث أن دين الله دين يسر، وليس دين عسر،

وأنه ما جاء إلا ليؤكد قوله تعالى: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) ( الأعراف: 32) .

كما يؤكد رفع الحرج والمشقة عن العباد. [ ص: 124 ]

الأنموذج التحليلي الثالث: أساليب الإجمال والبيان

* أسلوب الإجمال

قال تعالى: ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) (آل عمران: 97) . بيانها: ( خذوا مناسككم ) [49] .

- التحليل اللغوي

1- المستوى النحوي

الواو: حرف استئناف.

لله: اللام حرف جر، الله: لفظ الجلالة، اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم تقديره ( واجب ) .

على الناس: جار ومجرور متعلق بالخبر المحذوف، ويفيد الجر هـنا الاستعلاء [50] . [ ص: 125 ]

حج: مبتدأ مؤخر مرفوع، وهو مضاف، البيت: مضاف إليه مجرور.

وجملة ( ولله على الناس حج ) استئنافية لا محل لها من الإعراب.

من: اسم موصول مبني على السكون في محل جر بدل بعض من كل (الناس) ، والرابط مقدر (أي استطاع منهم) . إلى: حرف جر، والهاء: ضمير متصل في محل جر متعلق بمحذوف حال من (سبيلا) كان نعتا له فتقدم على المنعوت، فلما قدم صار حالا على قاعدة ( نعت النكرة إذا تقدم عليه صار حالا) .

سبيلا: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وجملة (استطاع) لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

2- المستوى الدلالي

حج [51] الحج: القصد، تقول حجه يحجه حجا: قصده. والحج: كثرة الاختلاف إلى الشيء، ثم تعورف في القصد إلى مكة للنسك والحج إلى بيت الله خاصة [52] . [ ص: 126 ]

استطاع: الاستطاعة: الطاقة والقدرة على الشيء، والاستطاعة للإنسان خاصة، والإطاقة عامة، تقول الجمل مطيق لحمله، ولا تقل مستطيع. وقد تحذف التاء للتخفيف فيقال: اسطاع يسطيع [53] .

السبيل: في الأصل الطريق وما وضح منه، يذكر ويؤنث، ومن المجاز: أسبل المطر: إذا أرسل دفعه وتكاثف [54] .

دلالة التركيب

1- نظام تركيب النص، وتآلف عباراته يدل على شدة الاهتمام بالأمر المكلف به؛ فقد عبر تعالى عن وجوب الحج بعبارتين كلتاهما تحمل الوجوب والإلزام؛ فالأولى اللام في قوله (ولله) وهي تفيد الاستعلاء والوجوب، والعبارة الثانية قوله (على) التي هـي «من أوكد ألفاظ الوجوب عند العرب» [55] ، كما تدل على «تقرر حق في ذمة المجرور بها» [56] . كذلك ختم النص بعـبارة (ومن كفر) ! وكان المقـام يتطـلب «ومن لم يحج» [57] وما كل ذلك إلا تأكيد على شدة الاهتمام بالأمر المكلف به هـنا، وتعظيما لحرمته ومـدى أهميته بالنسبة للشـارع الذي هـو أعظـم مما كلف به؛ لهذا أيضا كان تقديم اسمه تعالى على الأمر المكلف به. [ ص: 127 ] 2- تضمن التركيب إلزاما ووجوبا بقيد؛ فالإلزام والوجوب يتمثل في فرضية الحج على الناس من الله سبحانه وتعالى، الملزم عباده بما يشاء، أما القيد فهو حصر إلزام الحج على القادرين من الناس (المؤمنين) ، دون غيرهم الذين لا تتوافر فيهم شروط الإلزام ( من استطاع إليه سبيلا ) .

الوقوف على المقصد

ورد النص على سبيل الإجمال متضمنا إلزاما ووجوبا بأداء فريضة الحج على كل مسلم قادر. وقد قيل إنه بهذا النص (الآية) كان فرض الحج على المسلمين، وإلزامهم به كبقية الفرائض الإسلامية. والأمر بالقصد إلى البيت الحرام، فيه إلزام بأداء الحج الذي لم تحدد الآية شعائره، هـل هـي الشعائر والنسك التي عهدها العرب قبل فرض الحج عليهم، أم هـي شعائر ونسك تختلف وتتمايز عن الشعائر المعهودة، خاصة وأن العرب قد عرفت الحج، وقد كان مشهورا لديهم، له تعاليمه ونسكه [58] ؛ من هـنا كان النص مجملا يحتاج إلى تفصيل وبيان، ورفع احتمالات تأويل عباراته.

هنا يأتي دور السنة في تفصيل النص وبيانه وتحديد المقصود بالحج، وهو ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله ( خذوا مناسككم ) ، وما ثبت عنـه من أدائه الحج وتوجيهه جموع المسلمين إلى اتباعه وتقليده في ذلك، والمعلوم أن «الأفعال أقوى في التأسي والبيان إذا جامعت الأقوال من انفراد الأقوال» [59] ، ورافعة لكل إبهام. [ ص: 128 ]

المقصد العام:

ورود النص بتركيبه الذي يحمل من الإلزام والوجوب ما يحمل، يؤكد مدى أهميته في تحقيق المقصد الأساسي للشارع وهو حفظ الدين؛ ولا يوجد حفظ أحسن من التقاء المسلمين وتآزرهم، وتلاحمهم على أمر واحد مما يحقق إحساسهم أنهم بنيان واحد. خاصة وأن الحج أكبر تجمع إسلامي يلتقي فيه المسلمون بعضهم ببعض، عربيهم بعجميهم، وأبيضهم بأسودهم، وفقيرهم بغنيهم، وعالمهم بجاهلهم، والأنثى بالذكر، والصغير بالكبير، كل في صعيد واحد، منسكهم واحد، وربهم واحد، وقدوتهم واحد، وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يحيدون عما بينه لهم وسـنه. وفي الغـالب لا يكون الأمر كذلك إلا في الحج.

المقصد الخاص

1- مع تحقيق المقصد الأساسي من وروده، يحقق النص أيضا مقصدا تابعا يتمثل في تعارف المسلمين بعضهم بعضا،

وتحقيق قوله تعالى: ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) (الحجرات:13) ،

ويشعرهم بقوة الآصرة التي تجمعهم، والتي هـونت عليهم المشاق والمصاعب فجاءوا من كل فج عميق.

كما يمكن القول: إن النص يحقق مقصدا آخر تابعا لمقصد حفظ الدين؛ يتمثل في توحيد المسلمين ولم شملهم وإبعادهم عن كل فرقة وشقاق، خاصة وأن لفظة الحج قد جاءت مجملة غير مفصلة لشعائره ونسكه، وإنما كانت إحالتها إلى قائد واحد، هـو القدوة والمرجع في ذلك [ ص: 129 ] التفصيل والبيان؛ فكأن ذلك أيضا إشارة إلى أن الأمة وحدتها، وتجمعها في وجود قائد واحـد يسـتمد القدوة من القائد الأول للأمة وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك يحقق مقصد حفظ الدين بطريق التبعية والتكملة.

المعنى الإجمالي

تشير الآية إلى أن كل ما كان فيه وحدة للمسلمين، ولم شملهم، وتوثيق عرى المودة بينهم فهو آكد عند الله سبحانه وتعالى وأوجب وألزم على العباد.

* أسلوب البيان

( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صلوا كما رأيتموني أصلي ) [60] .

- التحليل اللغوي :

1- المستوى النحوي

صلوا: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو ضمير جماعة الذكور، مبني على السكون في محل رفع فاعل. والألف: الفارقة.

كما: الكاف: حرف جر وتشبيه، ما: مصدرية.

رأيتموني: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، والتاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل، والميم علامة جمع الذكور، وحركت بالضم للإشباع، والواو للإشـباع. وما المصدرية [ ص: 130 ] والفعل في محل تأويل مصدر مجرور بالكاف، التقدير: (صلوا الصلاة مثلما رأيتموني أصلي) .

أصلي: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره ( أنا ) .

دلالة التركيب

- يتضمن النص النبوي أمرا بوجوب اتباعه ( في أداء الصلاة، والاقتداء به في إقامتها والإتيان بأركانها؛ وهو اقتداء قائم على الرؤية المباشرة من قبل الصحابة رضي الله عنهم له حال تأديته الصلاة.

النص يتضمن أيضا بيانا وتفصيلا للنصوص القرآنية المجملة التي تحوي أمر ا بإقامة الصلاة:

( وأقيموا الصلاة ) (البقرة:83)

وفي ذلك إخراج لها من الإجمال إلى البيان والتفصيل.

يبـين النص أيضا، أن اصطلاح الصلاة قد اكتسب مفهوما مغايرا لما عهدته العرب؛ وإلا لما كان الأمر والتوجيه بالاتباع والتقليد ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) .

الوقوف على المقصد:

النص الوارد هـنا،

بيان للآية المجملة في قوله تعالى: ( وأقيموا الصلاة ) (البقرة:83) ،

وفي هـذا تأكيد أن السنة بيان وتفصيل للقرآن الكريم. وبأمره صلى الله عليه وسلم المسلمين بأداء الصلاة بالكيفية نفسها والطريقة التي يؤديها هـو، فيه ضمان لأداء شعائر الدين على الطريقة المطلوبة شرعا، دون زيغ أو ابتداع. [ ص: 131 ]

المقصد العام: الالتزام بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهه فيه ضمان لإقامة الدين وحمايته من الابتداع؛ فـالصلاة عمود الدين، من أقامها أقام الدين، ومن تركها ترك الدين» ،

ولقوله تعالى: ( وأقيموا الصلاة ) (البقرة:83) ؛

ففي إقامتها حسب الكيفية اللازمة تحقيق لمقصد الشارع، وهو حفظ الدين.

المقصد الخاص: يحقق النص مقصدا أصليا، هـو حفظ الدين؛ وإنه في الوقت نفسه يحقق مقصدا تابعا له، يتمثل في توفير النموذج الذي يحتذيه المسلم، ويكون رائده فيما يتمثله من أعمال دينية ودنيوية:

( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) (الأحزاب: 21) ،

وفي ذلك تحقيق لنوع من الثقة في نفسه، مادام يسلك طريقا معروفا لديه؛ إذا فلا خشية عليه من التيه والضلال! كما أنه سيبعد عنه كل مبتدع مدع في الدين، فيسد أمامه السبل التي تضله وتغويه، ولا يبقى أمامه إلا سبيل الهداية والرشاد، سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الراشدة الهادية.

المعنى الإجمالي: القدوة الصالحة المناسبة لها أهميتها في حياة المسلم؛ فهي تضمن له عدم الزيغ والضلال الناتج عن تعدد السبل، ويؤكد الحديث أن القدوة المناسبة هـي اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين للنص القرآني، الشارح له، وهذا يحقق قوله تعالى: ( ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) (الأنعام: 153) . [ ص: 132 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية