الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

النص الشرعي وتأويله (الشاطبي أنموذجا)

الدكتور / صالح سبوعي

- موقع فكره اللغوي من النظريات اللغوية التراثية والحديثة

يبدو جليا واضحا من خلال ما استخلص من آراء، وما تقرر من مبادئ وأسس، أن الشاطبي يلتقي في كثير من آرائه مع بعض الآراء التراثية، والنظريات اللغوية التي توصف بالحديثة.

أ- التراثية: يلتقي في نظرته للغـة على أنها عرف، وتواضع مع الذين يرون أن اللغة اصطـلاحية، عرفية، مكتسبة، من أمثال ابن جني (ت392هـ) [1] ، وعبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) [2] ، وابن سنان الخفاجي (ت466هـ) [3] ؛ ويلتقي مع ابن قيم الجـوزية (ت751هـ) في تقسيمـه للدلالة إلى حقيقـية (أصلية) ، وإضـافية (تابعة) مع اخـتلاف كل منهما في تحديد مفهوم كل واحدة منهما؛ فالشاطبي يربطها بالوضـع اللغوي، بينمـا ابن القيم يربطها بأداء المخاطب وتلقي المخاطب [4] . [ ص: 60 ] يرى عبد القاهر الجرجاني أن نظم الكلم يقتفى فيه آثار المعاني، والأغراض الكامنة في النفس [5] ، فلا شك أنه سيراعى ترتيب الكلم، وطرق ورود الألفـاظ والعبارات لتأدية الأغراض والمعـاني الكامـنة في النفس، مادامت الألفـاظ أوعية للمعاني، خـادمة لها، تتبعها في مواقعها [6] . وما أشار إليه الجرجاني من تأثير المعاني على الصيغ، والتراكيب (أو كما سماها نظم الكلم) أشار إليه الشاطبي -أيضا- مبينا أن إدراك طريقة ورود التعابير، وتكوين التراكيب، والصيغ فيه إدراك للمعنى والمقصد، أو الأغراض التي يرومها صاحبها من خلال تراكيبه وصيغه [7] .

ب- الحديثة: من المحدثين العرب الذين يقولون بعرفية اللغة وتواضعها، ويلتقون معه في رأيه، نجد إبراهيم أنيس ( 1978م ) ، ومن الغربيين دي سـوسير (ت1913م) ، و سابير (ت1939م) [8] . ويلتقي معه في تأكيده مراعاة مقتضـيات الأحـوال الإنجليزي جون فـيرث [ ص: 61 ] (ت1960م) - مؤسس النظرية الاجتماعية الإنجليزية- الذي يرى وجوب اعتماد كل تحليل لغوي على ما يسمى بالمقام، أو السياق [9] . ويرى الشاطبي، رحمه الله، أيضا أن دارس اللغـة، والمتفقه فيها، يجب «ألا يحسن ظنه بنفسه، قبل الشهادة له من أهل علم العربية» [10] .. و «تسمى هـذه المقدرة على الإدلاء بالأحكام فيما يختص بأصولية الجمل، بالحدس اللغوي الخاص بمتكلم اللغة» [11] . وبذلك ينال هـذا المتكلم اعترافا من مجتمع الناطقين الأصليين بهذه اللغة [12] . [ ص: 62 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية