الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
- الاقتراض اللغوي

في سياق حديثه عن قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام تناول الشاطبـي كثيرا من مسـائل اللغة العربية، وخصوصا جانب الدلالة فيها، وعروبة القرآن ونفي أعجميته؛ ومادام القرآن قد جاء على لسان العرب؛ فمن جهته يفهم. وحديثنا عن أن «الشريعة المباركة عربية» [1] ، و «أن الله عز وجل أنزل القرآن عربيا لا عجمة فيه» [2] يقودنا إلى الحديث «عما استقر عليه أهل العربية في الأسماء الأعجمية» [3] ، عند إشارتهم إلى أن القرآن الكريم قد جاءت فيه ألفاظ أعجمية تكلمت بها العرب، أو «أن القرآن ليس فيه كلمة أعجمية عند جماعة من الأصوليين» [4] .

ويبيـن الشاطبي أن قولنا: «إن القرآن نزل بلسان العرب، وإنه عربي، وإنه لا عجمة فيه، فبمعنى أنه أنزل على لسان معهود العرب في [ ص: 78 ] ألفاظها الخاصة، وأساليب معانيها» [5] . فدخول أي لفظ، أو اقتراضه، من لغة إلى أخرى، لا بد أن يكتسب خصائص تلك اللغة، وصفاتها، ومعنى يتلاءم مع معانيها، ولا يكون اقتراضه أو دخوله لمجرد إيصال معنى يحمله لفظ من ألفاظ اللغة المقترضة، مادامت اللغة ليست مجرد رصف للكلمات، والعبارات يتم بأي شكل من الأشكال، أو أي وجه كان، بل هـي نظام محدد متماسك العناصر والأجزاء، محكوم العلاقة، مضبوطها [6] .

ألا ترى أن العرب إذا اقترضت لفظا ما فإنها «لا تدعه على لفظه الذي كان عليه عند العجم، إلا إذا كانت حروفه في المخارج، والصفات كحروف لغة العرب، وهذا يقل وجوده، وعند ذلك يكون منسوبا إلى العرب» [7] . ولكن إذا لم تكن حروفه كحروف لغة العرب، أو كان بعضها كذلك دون بعض، فعندئذ «لا بد لها -أي العرب، وبما يفرضه عليها نظامها اللغوي- أن ترده إلى حروفها، ولا تقبلها على مطابقة حروف العجم أصلا» [8] .

هذا على مستوى حروف اللفظ المقترض، أما على مستوى وزنه، فمن الألفاظ «ما تتركه العرب على حاله في كلام العجم، بما يتلاءم [ ص: 79 ] والوزن العربي، ومنها ما تتصرف فيه بالتغيير كما تتصرف في كلامها، وإذا فعلت ذلك صارت تلك الكلم مضمومة إلى كلامها، كالألفاظ المرتجلة، والأوزان المبتدأة لها» [9] ، لهذا كان القرآن عربيا، « ليس فيه شيء من الألفاظ والمعاني، إلا وهو جار على ما اعتادوه» [10] بحسب نظامهم اللغوي؛ ولا يمكن أن يفهم « لسان بعض الأعاجم من جهة لسان العرب، كما لا يمكن أن يفهم لسان العرب من جهة فهم لسان العجم؛ لاختلاف الأوضاع والأساليب» [11] . فإذا عرفت تلك الأوضاع والأساليب ( النظام اللغوي) ، أو اتحدت سهل الفهم وحصل.

التالي السابق


الخدمات العلمية