الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الترجمة ونقل مقاصد النص

تعددت الآراء، وتضاربت حول ترجمة القرآن الكريم إلى لغات الأمم الأخرى تعريفا لهم به، ودعوة لهم؛ فمنهم من يذهب به الحرص على اللغة العربية، والتعصب لها إلى أن يمنع منعا قطعيا كل ترجمة للقرآن الكريـم، ويرى فيها بدعة من البدع!، وإنما مـا يترجم منه هـو تقديم بعض مواضيعه، وما يدور حوله ليس إلا؛ (أي تلخيصا له) [1] . [ ص: 75 ] ومنهم من يذهب إلى أن الترجمة ممكنة، وجائزة إذا أمكن الإحاطة بأساليب العرب، ومذاهبها في لسانها، واستواء اللسـان المترجـم إليه مع لسان العرب [2] ، وإذا تعذر ذلك -وهو الحاصل- تبقى الإشارة إلى ما أشـار إليه الشاطبي من أن ترجمـة القرآن الكريم تكون بنقـل معانيـه، دون ترجمـة خصـائص النظم العربي المعجز، وهي مستحيلة، أو كما سماها بالترجمة على مستوى الدلالة الأصلية دون التابعة؛ أي على مستوى الجهة التي تلتقي فها لغات الأمم (الدلالة الأصلية) ، دون مستوى الجهة التي تختلف فيها، وتفترق وهي جهة الدلالة التابعة [3] .

ويبقى أداء الترجمة للمقاصد مرتبطا بمدى خبرة المترجم باللغة المـترجم عنها، ومدى معرفته بأساليب أدائها للمعاني [4] ، ومذاهب أهلها في التعبير عن مقاصدهم وغاياتهم، وكذلك مدى خبرته باللغة المترجم [ ص: 76 ] إليها؛ إذ لا يكفي في تحديد المقاصد، وبيانها إدراكها، وتحصيلها دون القدرة على بيانها، والإخبار عنها.

فإذا لم تقيد المعاني والتصورات بأسلوب لغة أمة ما، ولم يعبر عنها بذلك الأسلوب؛ تكون اللغات سواء في تلك المعاني التي لا تختص بها أمة دون أخرى، أو كما حددها الشاطبي ، رحمه الله، بكونها «عبارات مطلقة تدل على معان مطلقة» [5] . أما حين تلجأ كل لغة إلى التعبير عن تلك المعاني، والتصـورات بما عهدته من أسـاليب وصيغ تختلف مع لغات الأمم الأخرى [6] ، حينئذ يتحدد لسان كل أمة عن الأخرى، من جهة الدلالة التابعة [7] .

فمثلا: (قيام زيد أو عبيد) ، فجميع لغات الأمم بلا شك تعرف معنى القيام، وتستطيع التعبير عنه كيفما شاءت، ومتى شاءت (وهذا وجه التقاء لغات الأمم فيما بينها) ، أما حينما يعبر عن ذلك القيام، يبقى الأمر خاضعا لأسلوب كل أمة، وما تعرفه من صيغ، وتعابير تؤدي بها معانيها، وأغراضها [8] . [ ص: 77 ] وينبني على وجود معاني مشتركة بين اللغات الاهتمام - في تدريسنا للغة العربية لأبناء اللغات المختلفة - بتدريس وجه الدلالة التابعة؛ أي طريقة تعبير أبناء اللغة العربية لتلك المعاني، أو المقاصد المشتركة؛ إذ في معرفة الدارسين لطريقة اللغة العربية في أداء المعاني، وربطها بمقاصدهم يسهل عليهم إدراكها، واستخدامها.

التالي السابق


الخدمات العلمية