الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            دور القيادة في إدارة الأزمة

            سلوى حامد الملا

            المبحث الأول

            مفهوم القيادة السياسية

            التاريخ مدرسة للخبرات والتجارب، التي يتضح من خلالها أهمية دور القيادة ضمن الأحداث، التي مرت بها الشعوب والأمم، وكيف كان لها التأثير في الخروج من أزمات وأحداث خلدت أسماء قادتها في قدرتهم على التعامل معها. وترتبط فلسفة القيادة بالأساس بالنظرة الإنسانية، التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان، فهناك من هم قادة، وهناك من هم منقادون، فالناس في أي مجتمع ينقسمون إلى تراكيب قيادية وتراكيب أخرى منفذة، ولكل مهمات وأدوار تكمل إحداها الأخرى [1] ، يقول تعالى: ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ) (الزخرف:32).

            وتحتوي الفلسفات، القديمة والمعاصرة، شواهد تشير إلى هذه التصنيفات (قادة ومنفذون) في أي مجتمع، ولكن الاختلاف في تقسيم المهام والأدوار يقوم على الأسس الفلسفية، التي يتبناها القائد. [ ص: 71 ]

            - أولا: الحضارات القديمة:

            مرت القيادة بمراحل عديدة منذ الحضارات القديمة، على النحو التالي:

            1- الحضارة المصرية:

            القيادة عند قدماء المصريين معبأة بالفكر الإداري الجماعي، فالفلسفة قائمة على ضبط العمليات الإدارية الرئيسة، ومنها التخطيط والتنظيم المحكم، والتركيز على التخصص وتقسيم العمل، فهي قواعد التفكير القيادي ومحتواه. فما يميز الدور القيادي دون غيره من الأدوار، مرهون بالقدرة الإشرافية الشاملة وتسييرها وتدبيرها.

            2- الحضارة الصينية:

            من الفلسفات القديمة للقيادة ما احتوته أطروحات فيلسوف الصين القديمة (كونفوشيوس) من أفكار تقوم عليها المهام القيادية، التي تستوجب قدرا كبيرا من النزاهة والإيثار.

            3- الحضارتان اليونانية والرومانية:

            تقوم فلسفة القيادة القديمة عند (سقراط) على أهمية سيادة قيم حسن استخدام الآخرين في إدارة وتنفيذ الأعمال. في حين استخدمت الفلسفة الرومانية القديمة مفهوم التنظيم في بناء هيكلية عمل الدولة، حيث ساد عندهم تفويض السلطات من القيصر إلى حكام الأقاليم في ضوء نظرية التنظيم، وإحكام السيطرة على معظم أنحاء العالم، الذي كان معروفا آنذاك. [ ص: 72 ]

            ويتضح من مفهوم القيادة في الحضارات القديمة، ارتباطها بوجود القائد الموجه والمشرف على العمل الجماعي، ضمن تخطيط وعمليات إدارية محددة.

            ويرى (فليتشر): "أن كل فرد يشعر بشكل مختلف عن غيره عند النظر إلى الأمور. وهذه الاختلافات يترتب عليها اختلاف مواز في المقومات الفلسفية، التي يتبناها القائد، وقد يكون هذا الاختلاف مبنيا على اختلاف التكوين الفكري والتربوي، فضلا عن اختلاف حجم الخبرة والتجربة التراثية للقائد".

            - ثانيا: الحضارة والقيادة في المنظور الإسلامي:

            ارتبط ظهور مفهوم القيادة بمفهوم السلطة منذ البداية وممارستها الأولى باعتبارها أساسا تنظيميا، ومتطلبا ضروريا لأي مجتمع، وهي التي استدعت مفهوم القيادة. واختلف مفهومها، باختلاف العوامل والمقومات الاجتماعية: فتطور المفهوم "من السلطة داخل العشيرة والقبيلة، إلى سلطة الإمارة والمملكة، مرورا بسلطة الدولة، التي كانت ملامحها تبرز في بعض مدن الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده. وقد استندت السلطة تاريخيا إلى تأثير القائد على الجماهير نفسيا واعتقاديا، والخوف منه، والخضوع له عسكريا وسياسيا (عنصر قوة).

            ومع ظهور الأديان تحولت القيادة إلى الأنبياء والرسل والخلفاء، والصفوة المختارة من الصحابة والمبشرين، فالدين الإسلامي، تسليم وانقياد [2] ، فقد [ ص: 73 ] أوجب الله على الحكام والمحكومين، أن يرجعوا إلى حكمه وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شؤونهم [3] .

            وترجع أهمية القيادة إلى أنها تعبير طبيعي عن حاجات الفرد والجماعة، فهي تشبع حاجة الفرد المزودة بدافعي حب السيطرة وحب الخضوع، فهو يميل أحيانا إلى أن يكون ذا سيطرة على الآخرين، يوجه سلوكهم، ويضبط اتجاهاتهم، ويميل أحيانا، إلى تقبل سيطرة الآخرين عليه. ويختلف هذان الدافعان في النفس البشرية، قوة وضعفا، باختلاف الأشخاص واختلاف الظروف. أما الجماعة فهي في حاجة إلى من يسوس أمرها، ويحمل عنها تخطيط ما تريد، وتدين له بالطاعة والولاء [4] .

            لقد جاء الدين الإسلامي بأحكام وعقيدة، وأخلاق وعبادات، ومعاملات [5] ، وحقائق ملازمة للفطرة البشرية، منها ما يتعلق بنظام الحكم وقـواعـده، وكيفية اختيار الحاكم، لدوره المهم في حفظ الدولة ومنظماتها، وما قد يواجهها من أخطار تتهددها. وكذلك ما يختص بشكل الحكم، وعلاقته بالأفراد، وحقوقهم إزاء المؤسسة، التي ينتمون إليها، وتسمى في هذا العصر بالقانون أو الدستور. [ ص: 74 ]

            كما تتجلى حكمة الإسلام في الحرص على القائد الكفء، القادر على الاضطلاع بالمسؤولية وتحقيق مقاصد الشريعة [6] والتي بها يحفظ المجتمع ومصـالح الناس، فمقـاصـد الشـريـعـة، كما بينها الإمـام الشـاطبي [7] ، إما ضرورية أو حاجية أو تحسينية، وعليها جميعا تقوم مصالح الناس. ووضع الفقهاء القواعد الضابطة لهذه المقاصد وتفاضلها، ورتبوها حسب الحاجة إليها، ومدى أهميتها، وخضوعها لواقع حياة الناس، جلبا لمصالحهم، ودرءا للمفاسد عنهم.

            وأول الضرورات لحفظ النوع الإنساني هو توفير الطعام والشراب، والكساء والمسكن، وغيرها. يضاف إلى ذلك المشاركة في إبداء الرأي من خلال مؤسسات سياسية شرعية، ضمنت للأمة سلامتها النفسية، وصار المواطن سويا صالحا يعمل من أجل إعمار أمته وأمنها، وضمان حريتها [8] ، قال الله تعالى: ( فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) (قريش:3-4)، وقال تعالى: ( إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ) (طه:118)، وقال الرسـول صلى الله عليه وسلم : ( من أصبح منكم [ ص: 75 ] آمنـا في سـربه، معـافى في جسـده، عنـده قـوت يومـه، فكأنما حيـزت له الدنيا ) [9] .

            وتبين النصوص السابقة أهمية توفير الضرورات للناس، وربطها بقواعدها الإيمانية والاجتماعية في حيـاتهم العامة والخاصـة؛ وتبنى على هذه القـواعـد الشرعية كل الأعمال، من أجل تحقيق الضرورات والحاجيات والتحسينات [10] . فالشريعة الإسلامية تراعي أهمية وجود الحاكم لتحقيق المصالح المشروعة، ودرء المفاسد مراعاة لمصالح العباد.

            وفي هذا يقول ابن القيم: "إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم " [11] .

            وإذا ما تعارضت المفاسد والمصالح، رجح أعظمها مصلحة أو أقلها مفسدة، وهذا على خلاف ما ورد في المنهج الغربي، الذي وضع قوانينه [ ص: 76 ] الإنسان، فكان الترجيح يستند على ما جاء به الفلاسفة في إعطاء النصوص العقلية سلطة القانون، وتغليب الفكر على الشرع. فما يميز تفكير القائد المسلم في اتخاذ القرارات، أو تنفيذ المهام، تحديد نطاق التفكير، بالأحكام والقواعد والاجتهادات، القائمة على نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، فالإسلام نظام اتباع، وليس نظاما متحررا من الأمور الشرعية. [12]

            وتتطلب القيادة في الإسلام، صفات أساسية لمن يقوم بها، من هذه الصفات: الإيمان والتوحيد، والاتباع [13] ، والإخلاص، والنصيحة [14] ، واليقين والتوكل، والعلم والتعلم، والتربية، والحلم، وحسن الخلق، والرحمة، والعدل، بالإضافة إلى الصبر وتحمل الشدائد [15] ، ومن المهم أن يتحلى القائد بالصدق والأمانة، والتزكية والاستخلاف، يقول الله تعالى: ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) (البقرة:30).

            كما حدد الإسلام معايير اختيار القيادة، فالقوة في كل ولاية بحسبها، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب، وإلى الخبرة بالحروب؛ والقوة [ ص: 77 ] في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل، الذي دل عليهما الكتاب والسنة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام؛ والأمانة ترجع إلى خشية الله [16] ، يقول الله تعالى: ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) (القصص:26).

            القوة والأمانة صـفتان جـامعتان لكل المعاني القيادية، التي تحدث عنها عـلماء الإدارة الغـربيون في أدبيـاتهم [17] ، ومنـها ما كـتـبـه "جـولد ووتـر": إن "القيادة الجيدة تقوم بأكملها على دعائم الأمانة الأساسية، فما لم تكن تتحلى بالأمانة، فلن تكون قائدا جيدا" [18] .

            كل تلك الصفات وغيرها من صفات، مهمة للقائد المسلم، وتبرز أهميتها من خلال المواقف والأزمات.

            - ثالثا: التعريف بمفهوم القيادة:

            يعد مفهوم القيادة من المفاهيم السلوكية، التي أثارت الكثير من النقاش والخلاف، وتباينت التعريفات في الفكر الإداري، وفقا للمعالجات المختلفة، التي عرضتها المدارس الفكرية، ووفقا لتطور هذه المدارس واهتماماتها [19] . [ ص: 78 ]

            1- التعريف اللغوي:

            قال ابن منظور، في "لسان العرب": القود: نقيض السوق، يقود الدابة من أمامها، ويسوقها من خلفها، فالقود من أمام والسوق من خلف، والاسم من ذلك كله القيادة، وقائد جمعها قادة، وقواد وقادات. وهي من يقود فريقا من الجنود "القائد الأعلى" وهو كبير قواد الجيش في بلد من البلدان. وقائد الموقع هو الذي يقود الجيش في مدينة معينة أو موقع معين [20] .

            2- التعريف الاصطلاحي:

            ومع تطور مفهوم القيادة، ظهرت مجموعة من المفاهيم الأسـاسية، ومن أبرزها مفهوم الحكم الراشد، الذي يشير إلى البيئة الصالحة، التي تساعد على إيجاد القائد المناسب، لتحقيق أغراض المجتمع وتقدمه، من خلال سياسات وإجراءات واضحة، علاوة على ذلك، فإن محيط الحكم الراشد وبيئته تحقق العدالة المجتمعية بين أفراد المجتمع والتي لا تتحقق إلا بوجود قيادة فاعلة، سـواء كانت قيادة فردية متمثلة في شخصية القائد، أو قيادة مجتمعية تتمثل في النخبة السياسية أو الحاكمة.

            وللتوصل إلى تعريف القيادة بشكل واضح، لابد من الفهم بأن هناك عدة مصطلحات رئيسة مرتبطة مباشرة بالقيادة من أهمها: القوة: (Power)؛ والتأثير: (Influence)؛ والسلطة: (Authority) [21] . [ ص: 79 ]

            ويمكن تعريف المصطلحات الثلاثة بشكل أكثر تفصيلا؛ فالقوة [22] : هي القدرة الكامنة على التأثير في سلوك الآخرين، والقوة التي ترتبط بشكل عام بالسيطرة على الموارد القيمة أو النادرة؛ في حين أن التأثير: يظهر عندما يمارس شخص ما قوته بوعي أو غير وعي في التأثير على سلوك واتجاهات شخص آخر؛ أما السلطة، فهي القوة الناتجة أو الممنوحة من قبل المؤسسة أو الحكومة.

            ويمكن تعريف القيادة كذلك، أنها: عملية التأثير في نشاطات الجماعة بهدف تحقيق الأهداف، ويحتوي هذا التعريف على مفهومين أساسين:

            الأول: أن القيادة، علاقة بين فردين أو أكثر، يكون فيها التأثير والقوة، موزعين بشكل غير متكافئ، ومن خلال هذا التعريف، يفرق بين القائد المعين للجماعة، والقائد غير المعين، الذي يمارس السلوك القيادي عندما يكون عضوا مؤثرا في الجماعة.

            الثاني: أن القادة لا يوجدون بشكل منعزل، فإذا أراد الأفراد معرفة مدى ممارستهم للقيادة، عليهم أن ينظروا خلفهم، هل يتبعهم أحد؟

            لا تستطيع القيادة في غالب الأحيان، أن تكره الآخرين على السلوك بطريقة معينة، ولهذا تتطلب القيادة قبول الأتباع لهذا التأثير، فعندما يقبل الفرد كقائد، يقوم الأتباع بالتنازل طوعا عن بعض حرياتهم في صنع القرارات، بغرض تحقيق الأهداف، فالعـلاقة بين القائد والأتباع تمثل نوعا من التبادل الاقتصادي والنفسي. [ ص: 80 ]

            في المقابل فإن العلاقة العاطفية للقيادة ليست من جانب واحد، فهناك ارتباط عاطفي للقادة مع أتباعهم، حيث يدل شعور الأتباع نحو قادتهم على مدى توفر دعم الجماعة لهم.

            مما سبق، يمكن تعريف القيادة بأنها: عملية التأثير التي يقوم بها القائد في مرؤوسيه، لإقناعهم وحثهم على المساهمة الفعالة بجهودهم للقيام بنشاط متعاون [23] . ولعل أبسط تعريف للقيادة أنها: "توجيه سلوك الآخرين" [24] .

            - التمييز بين مفهوم القيادة والمفاهيم الأخرى:

            ارتبطت عدة مفاهيم أخرى بمفهوم القيادة، ومن أهمها:

            مفهوم النخبة [25] ، والقيادة الفردية والجماعية [26] ، والظاهرة القيادية [27] ، والقيادة الرئاسة. [ ص: 81 ]

            وفـرق بين القيادة والرئاسـة؛ فالقائد، عنصر مهم لممارسة السـلطة، فهو يرى في الجزاء والعقاب أدوات من الدرجة الثانية، في حين منصب الرئيس، يملك سلطة التوجيه، والأمر والنهي، اعتمادا على فرض وتوقيع الجزاء والعقاب في سياق القانون.

            وتصف الدراسات القديمة، التي قدمها الأستاذ الدكتور جلال معوض، تصف رؤساء الدول على اختلاف أنواع نظمها السياسية وحكوماتها، سواء أكانت جمهورية، أو ملكية، بالقادة. فالقيادة السياسية: جانب متميز لممارسة السـلطة السـياسية، حيث إن القـائد الحقـيقي في ممارسـته للسـلطة يأخذ في اعتباره دائما دوافع وحاجات أعضاء النخبة السياسية، والجماهير، كبشر، ويعتمد في تعامله معهم بالأساس، على الإقناع والاقتناع، ويستهدف بلوغ الأهداف العامة للمجتمع. بينما الرئيس هو من يمارس السلطة، دون أن تنطبق عليه حقيقة صفة القيادة، وقد يتجاهل أحيانا دوافع وحاجات أعضاء النخبة السياسية، ويعامل الآخرين (النخبة والجماهير) باعتبارهم أشياء، من منطلق سلطته القمعية، وعادة ما لا يعنيه من ممارسة السلطة المرتبطة بمنصبه الرئاسي، سوى تحقيق أهدافه الخاصة

            [28] . [ ص: 82 ]

            والرئاسة؛ تعني في حقيقتها سلطة التوجيه والأمر والنهي، النابعة من الاعتماد الكلي على فرض وتوقيع الجزاءات، في حين القيادة السياسية تنظر إلى هذه السلطة الجزائية كإحدى أدواتها من الدرجة الثانية، وتعتبر اكتساب ثقة الآخرين بطريق الإقناع أداتها الأولى، مستغلة في ذلك ما تتمتع به من خصائص وقدرات ذاتية ونفسية وسلوكية [29] .

            ومهما يكن مصدر السـلطة والقيادة، دينيا أو سـياسـيا أو اقتصـاديا، فإن لهذه القيادة، عـوامل مختـلفة تدفعها لتكون في مـوقع المسـؤولية، منها عوامل وراثية، ومنها عوامل مكتسبة كالقيادة العقائدية والعسكرية والسياسية والقومية [30] .

            - رابعا: أنماط القيادة وتعدد اتجاهات التصنيف:

            تتعدد أنماط القيادة السياسية، كما تتعدد أدوارها، وذلك حسب التصنيفات التالية:

            1- حسب أسلوب الوصول إلى السلطة:

            تتنوع أساليب وصول القيادة إلى السلطة من نظام سياسي إلى آخر، وتؤثر هذه الأساليب تأثيرا كبيرا في نمط القيادة السياسية وخصائصها وسياساتها وأساليبها في ممارسة السلطة وفي التعامل مع القضايا الإنمائية (الداخلية) والإقليمية والخارجية [31] . [ ص: 83 ]

            ومن أساليب الوصول إلى السلطة ما يلي:

            أ- الدعم الأجنبي:

            هذا الأسلوب يجعل هذه القيادة في علاقة تبعية اقتصادية وسياسية للقوة الأجنبية، التي دفعت بها إلى السـلطة، وتضمن لها الاستمرار في الحكم، طالما ظلت هذه القـيادة قـوية وقادرة على حماية مصـالح هذه القـوة الأجـنبية، وإلا أطاحت بها الأخيرة وأحلت محلها قيادة أخرى أكثر ولاء وخضوعا وقدرة على رعاية مصالحها.

            ب- الانقلاب العسكري:

            عادة ما يجعل القيادة تتصف في ممارسة السلطة بالقمع والأوتوقراطية، وقد تلجأ بعض هذه القيادات إلى عسكرة نظمها السياسية، من خلال تعيين كبار الضباط الموالين في المناصب العليا السياسية والإدارية.

            ج- الرابطة القبلية والعشائرية:

            هذا الأسلوب والذي عادة ما يرتبط به توريث السلطة يجعل القيادة توصف بالقبلية في أسـاليب ممارستها للسـلطة سـواء من حيث الاعتماد على مسـاندة القبيلة، التي تنتمي إليها القيادة والقبائل الأخرى القوية المرتبطة بها بروابط نسب ومصاهرة وحماية مصالحها المتميزة [32] . [ ص: 84 ]

            د- الانتخابات والاستفتاءات:

            يلاحـظ في غـالبية الدول النامية أن الانتخـابات والاسـتفتاءات لا تعدو أن تكون عملية شكلية، وبالتالي لا تتسـم بعض قياداتها بالديمقراطية الحقيقية في ممارسة السلطة.

            2- حسب دور القائد السياسي:

            اعتمد العديد من الباحثين [33] ، على هذا المعيار في تصنيف القيادات إلى ثلاثة أنماط: أوتوقراطية؛ ديمقراطية؛ غير متداخلة، أو إلى نمطين: تسلطية؛ ديمقراطية.

            أ- قيادة أوتوقراطية:

            يصنع القائد في هذا النمط كافة القرارات والسياسات ويحدد وسائل تنفيذها، ويصعب التنبؤ بما سـتكون عليه السـياسات العـامة في ظل هيمنة دور القائد في العملية السياسية، ولا يسمح القائد بأية مشاركة حقيقية من جانب المجتمع المحكوم، لكنه قد يسمح بمشاركة شكلية هامشية لإضفاء طابع مصطنع من الشرعية على احتكاره للسلطة، وهذا القائد أناني يمركز العالم حول ذاته، ولا يبالي بدوافع ومطالب المحكومين، وقد تكون مثل هذه القيادة ناجحة في الاحتفاظ بالسلطة، والاستمرار في الحكم، ولكنها ليسـت خلاقة أو مبدعة، [ ص: 85 ] ولا يمكنها أن تخلق الشعور بالاهتمام والتعاطف في الجماعة، أو أن تحرك أعضاء الجماعة كفريق عمل متكامل نحو تحقيق الأهداف العامة.

            ب- القيادة الديمقراطية:

            القائد هنا لا ينفرد باتخاذ القرارات وصنع السياسات، ولكنه يفسح المجال لمشاركة المحكومين ويرحب بالمناقشة العامة واقتراح الحلول والبدائل، ويملك القدرة على التفاعل مع المحكومين والاستجابة لمطالبهم، وهذه القيادة أكثر فاعلية من القيادة الأوتوقراطية؛ لأنها خلاقة، ومبدعة، وبناءة، ومعبرة عن الحساسية والاهتمام، وقادرة على توفير الإطار الاجتماعي النفسي والسياسي الملائم للمشاركة والعمل الجماعي.

            وفي ظل هذه القيادة تتوفر للمحكومين درجة كبيرة من الرضا والاتفاق حول القيم والأهداف الأسـاسية وأولوياتها، ولهذا، يتصـفون بالقدرة على التكتل خلف القيادة في مواجهة الأزمات والمواقف المصيرية [34] .

            ج- القيادة السلبية:

            وهي المعبرة عن مبدأ "دعه يعمل". القائد في هذا التصنيف، لا يشارك بدور حاسم في صنع القرارات والسياسات أو تقييم ومناقشة المشكلات العامة، لكنه يكتفي بتقديم ما قد يطلب منه من معلومات، ويتمتع أعضاء المجتمع بقدر كبير من حرية الحركة، ومثل هذه القيادة تعبر عن السلبية، ولهذا تصير أقل كفاءة وإنجازا من القيادة الديمقراطية بل ومن القيادة الأوتوقراطية. [ ص: 86 ]

            3- حسب طبيعة النظام السياسي:

            ميـز العـالمان الأمـريـكيان "جـابرييل المونـد" و"ج. بنـجـهام باول" في مؤلفهما: "السـياسـة المقارنة: مقترب تنموي"، الصادر عام 1966م، بين نمطين للنظم السياسية [35] :

            أ- النظم الديمقراطية.

            ب- النظم التسلطية.

            واعتمدا في هذا التصنيف ما إذا كان الضبط السياسي يمارس من أعلى (النمط التسلطي) أو من أسفل (النمط الديمقراطي) ومدى توافر المنافسة السياسية، ودرجة استقلالية النظام الفرعي، الذي يتكون من الأحزاب السياسية وجماعات المصالح ووسائل الإعلام وغيرها من منظمات، وأبنية المنافسة والمشاركة السياسية، ومواجهة الضبط السياسي.

            4- حسب السمات الشخصية للقائد:

            ومن التصنيفات كذلك، تصنيف القيادات السياسية حسب السمات النفسية والسلوكية للقائد، فهناك تصنيفات عديدة، طبقا للخصائص النفسية والسلوكية للقائد السياسي، في تفاعله مع النخبة والجماهير والموقف والقيم.

            ويرى "ف. ج. بيليF.G Balley " [36] ، في تصنيفه للقيادات طبقا لمعيار اتخاذ القرارات، أن القيادة السياسية أساسها قدرة القائد على اتخاذ [ ص: 87 ] القرارات في مواجهة الموقف، وإقناع الآخرين من أعضاء النخبة السياسية، والجماهير بهذه القرارات.

            ميز( بيلي) بين ثلاثة أنماط للقيادة [37] :

            أ- القائد البراجماتي، الخبير البيروقراطي:

            هو قائد عقلاني، قادر على تحديد المشكلة، وتقدير الخيارات والبدائل المتاحة، وتكاليفها وعوائدها، ثم يتخذ القرار المناسب ويقنع الآخرين بتنفيذه، فدوره يتركز على الوقت الراهن، الذي يعيشه، وعلى إدارة شؤون مجتمعه، دون أن يملك القدرة أو الطموح في توجيه المجتمع نحو طريق جديد.

            ومن سماته: التأني في اتخاذ القرارات، ويعتمد على المنطق في إقناع أعضاء النخبة والمجتمع بقراراته، معتقدا إمكانية حل أية مشكلة في إطار القواعد، والمؤسسات الرسمية القائمة، ويرى أن تسوية أي خلاف أو صراع ناشئ عن تعارض المصالح تكون بالتوفيق وتنازل كل طرف من أطراف الصراع عن بعض مصالحه من أجل التوصل إلى اتفاق، وإذا ما تعذر ذلك، يجب الانتظار حتى يحين الوقت الذي يثوب فيه المتصارعون إلى رشدهم ويحكمون عقولهم، ويتسم في تعامله مع معارضيه بالمرونة والكياسة ورفض الخصومة والعداء، وهو أقرب ما يكون إلى رجل علاقات عامة [38] . [ ص: 88 ]

            ب- القائد الكاريزمي:

            وهو قائد يعبر عن روح الأمة وإرادتها العامة، ومن أهم صفاته: الحيوية والتصميم وقوة الإرادة، والصـلابة، والحسم وإنكار الفشل؛ يعتمد في تعامله مع الأتباع والجماهير على الإقناع ومخاطبة مشاعرهم وعواطفهم؛ وفي تعامله مع المشكلات، يعتمد عادة على الحلول الجذرية الشاملة دون الحلول الجزئية المحدودة.

            كما إنه دائما في سـباق مع الزمن، لإحـداث التغييرات الجـذرية، التي يحلم بها، ويهتم بالمشكلات الكبرى، تاركا حل المشـكلات الصـغرى لمسـاعديه، وكذلك لا يلتزم بأي قواعد روتينية أو ضوابط مؤسسية، كما أنه يتسم بالتسلط والاستبداد، حيث يحدد لشعبه الطريق، الذي يجب السير فيه دون مناقشة.

            ج- القائد الوسيط أو المنظم:

            يشبه هذا القائد رجل الأعمال أو المنظم الاقتصادي في تعامله، حيث يحاول المواءمة بين مصالح ومواقف القوى والأطراف المختلفة في المجتمع، حيث يقوم بدور الوسيط بينها، ولا يميل إلى وضع خطط كلية في مواجهة المشكلات، وتكون نتائجها محددة بالنجاح الكامل أو الإخفاق الشامل، ولكنه يفضل الخطط الجزئية المرحلية، ولا يتقيد بقواعد شكلية جامدة.

            ولذلك يملك القدرة على المناورة وحرية الحركة، وهو كالبراجماتي، وعلى عكس الكاريزمي، يعتمد في الإقناع على مخاطبة العقل والمنطق، وليس القلب [ ص: 89 ] أو العاطفة، وهو على عكس البراجماتي لا يقنع الأطراف المتصـارعة بالتوصـل إلى اتـفاق من خـلال تنازل كل طـرف عن جـزء من مصـالحه؛ لأنه عادة ما يتحيز إلى صف الطرف الأقوى.

            وإذا كان القائد الكاريزمي يزداد احتمال ظهوره واستمراره في ظروف الأزمـات، فالمواقف هي التي تبين الخصـائص والسـمات، التي يتميز بها قائد عن قائد آخر.

            1- تصنيفات قدمها عدد من المفكرين:

            والظاهرة القيادية - كما أشرنا - مفهوم ينبع من فكرة القيم، وهي تفرض نوعا من التنويع والتغيير في عناصر الجماعة السياسية أو المجتمع السياسي، تبعا لخصائصه، من حيث قيمه السياسية.

            أ- تصنيف الدكتور (حامد عبدالله ربيع):

            صنف الدكتور حامد عبد الله ربيع القيادة على النحو التالي:

            - القائد، الزعيم التاريخي، وهو الذي يجمع في شخصه آمال الأمة وصورتها القومية، ويخلق الترابط بين الماضي والحاضر والمستقبل.

            - الحاكم، ليس كل قائد حاكم، وليس كل حاكم قائد، القائد هو رمز الأمة وقد يعمل كذلك وهو خارج السلطة، وقد تمر بالجماعة السياسية فترات طويلة دون أن تعرف القائد، ولكنها لابد وأن تعرف الحاكم. [ ص: 90 ]

            فالحاكم هو من يمارس السلطة بغض النظر عن قدراته وصلاحيته، وهو رأس الدولة، ولكنه يمكن أن يوصف بأنه قائد فاشل، يستمد حقوقه وسلطاته من النظام القانوني، وليس من صلاحياته الذاتية.

            - رجل الإدارة السياسية، وهو أداة الحاكم أو القائد في الاتصال بمختلف عناصر المجتمع السياسي. فمن عناصر نجاح القائد هو حسن اختياره لرجل الإدارة السـياسـية، فمن خـلاله، يمكن للقـائد أو الحاكم أن ينسـاب إلى المجتمع السياسي. ويشير الدكتور ربيع إلى أنه لا يفترض في رجل الإدارة السياسية الإخلاص أو النبوغ، ومثال ذلك، اختيار نابليون لاثنين وكان يعلم مسبقا أنهما يخونانه في عمله السياسي [39] .

            - الـدبـلومـاسـي، وهو أداة الإدارة السـياسـيـة في النطـاق الدولي.

            - صـانع القرار، وهو كل من يسـاهم بطريق مباشر أو غير مباشـر في عملية إعداد ووضع القرار، وهو قد يجمع جميع العناصر السابقة، بالإضافة إلى كل من يستطيع أن يؤثر أو يتأثر في قنوات العمل القراري.

            - قادة الرأي، وهم قادة بحكم هيبتهم وموقعهم الاجتماعي (leader of public opinion)، مثل إمام الجامع [40] . [ ص: 91 ]

            - الأعوان، وهم المؤمنون بالقائـد، والذين يعتقدون بأن علاقـاتهم به لا تنبع من مجرد وجوده في أعلى قمة الهرم السياسي، وإنما يدعمونه ويساندونه نتيجة لعاطفة تجعلهم قوى مساندة.

            وبالإضافة إلى ما سبق، هناك التابعون، والمنتفعون، والمصفقون وباقي عناصر المجتمع، باسم الطبقات المحكومة، مع خلاف مواقفهم ابتداء من التأييد إلى الرفض [41] .

            ب- تصنيف الدكتور خليل أحمد خليل:

            أما المفكر خليل أحمد خليل، فقد ميز بين عدة أنواع من القادة، أهمها:

            القائد المؤسس، والقائد المركزي، الذي يسترعي الانتباه في الجماعة، والقائد المصطفى، والقائد الملتزم بالأعمال القيادية [42] ، والقائد الزعيم، والملك، والبطل صاحب الشخصية المركزية الساطعة [43] .

            وهناك من صـنف القيادة إلى نوعين: القيادة الرسـمية؛ وهي ذلك النوع من القيادة، الذي يتم عن طريق الاختيار على حسب أسـس معينة، أو التعيين مثلما يحدث في حالات رؤساء الدول؛ والقيادة غير الرسـمية، التي تنشـأ من خلال التفاف أعضـاء الجماعة حول شـخص يحبونه ويتوحـدون معه [44] . [ ص: 92 ]

            - خامسا: القيادة السياسية.. اتجاهات نظرية ومدارس فكرية:

            تزخر أدبيات الإدارة بكثير من الاتجاهات النظرية والمدارس الفكرية، التي تناولت ظاهرة القيادة السياسية بالبحث والتحليل، من بينها:

            - نظرية السمات:

            وحسب هذه النظرية، لابد أن يتمتع القائد بخصائص وسمات شخصية إلى جانب القدرات والقابليات البدنية، التي تميزه عن الآخرين، وتمكنه من التأثير فيهم وتوجيههم.

            ومن الأطر الفكرية، التي ارتبطت بهذه النظرية نظرية الرجل العظيم (Great Man) [45] والتي تمتد جذورها إلى الفكر اليوناني.

            ويلاحظ أن تأثير السمات النفسية للقائد في صنع السياسة العامة يزداد في مواقف الأزمات السياسية (كما سيتبين لاحقا)، وكذلك في حالة غموض الموقف السياسي، وذلك بصرف النظر عن شكل وطبيعة النظام السياسي ومؤسساته.

            ويظهر أثر غموض الموقف في تعظيم التأثير الشخصي للقائد في صنع السياسة بشكل واضح، في مجال السياسة الخارجية، حيث يكون الموقف غامضا إذا كان موقفا جديدا تماما لم يسبق للقائد أن واجهه، مثل (موقف [ ص: 93 ] إعلان الحرب)، أو إذا كان موقفا معقدا بدرجة كبيرة بحكم تعدد أطرافه وكثرة وتناقض المعلومات المتوفرة عنه، على نحو يصعب معه تفسير الموقف، أو إذا كانت المعلومات المتاحة نادرة إلى الحد، الذي يصعب معه التصرف إزاء الموقف، ويمكن تفسير ذلك بالنظر إلى أنه في حالة الموقف الجديد وحالة ندرة المعـلومـات، يعتمد القـائد فقط على مفاهـيمه ومدركاته الذاتية للتوصل إلى قرار، وفي حالة الموقف المعقد والمعلومات المتناقضة، التي يحتمل الموقف في ظلها أكثر من تفسير، يفسر القائد الموقف في ضوء خصائصه ومدركاته الذاتية [46] .

            - نظرية البيروقراطية لـ"ماكس فيبر":

            أبرزت النظرية البيروقراطية، التي تنسـب إلى المفكـر "ماكس فيبر" ((Max Webber، أهمية السلطة للقائد وأهمية اعتماد الكفاءة والمعرفة المهارية أساسا لمنح السلطة، من ذلك نجد أن أصحاب الاتجاه الكلاسيكي والذي ظهر في نهاية القرن التاسع عشر، لم يفصلوا بين عملية القيادة وبين السلطة باعتبارها وسيلة لتحقيق القيادة الناجحة. وبذلك تركز اهتمامهم على مفاهيم العمليات الإدارية من توجيه ورقابة والعوامل التنظيمية الأخرى، مهملين الجوانب الإنسانية والبيئية [47] . [ ص: 94 ]

            كما تحدث (فيبر) عن ثـلاثة أنمـاط مثـالية للسـلطة [48] ، وهي:

            - نمط السـلطة التقليدية؛

            - نمط السـلطة الـكاريزمـية؛

            - نمط السـلطـة القانونية العقلانية.

            - نظرية العلاقات الإنسانية:

            ظهرت مدرسة العلاقات الإنسانية Human Relations School)) بعد ذلك في نهاية القرن التاسـع عشر وبداية القرن العشرين، وحددت شـكل القـائـد وتعـريفـه في إطـار التـأثير المتبـادل بين الرئيـس والمرؤوسـين، وركزت على سـلوك القائد خلال انهماكه في توجيه فعـاليات الجـماعة نحو تحقيق الهدف المنشود.

            وقد كان لهذا التوجه في معالجة مفهوم القيادة دور مهم في تزايد الاهتمام بتصنيف أنواع القيادة وأساليب القيادة، مما أدى إلى ظهور العديد من المفاهيم المتصلة بالقيادة وأساليبها والتي أكدت تأكيدا واضحا أن القيادة هي تفاعل بين القائد وأفراد الجماعة، فظهرت مفاهيم المركزية، وغير المركزية في القيادة، ومفاهيم القيادة الديمقراطية والاستبدادية والمتساهلة. ومن ثم القائد الرسمي والقائد غير الرسمي. [ ص: 95 ]

            - نظرية اتخاذ القرار:

            ومن النظريات كذلك نظرية اتخاذ القرارات [49] ، التي ترى أن هناك ثلاثة أساليب مختلفة للقيادة:

            - القيادة التسلطية (Authoritarian)،

            - القيادة المتساهلة Laissez- Faire))،

            - والقيادة الديمقراطية (Democratic).

            وتوصلت إلى أن القيادة الديمقراطية هي النمط الأفضل في اتخاذ القرارات وضمان فعالية تنفيذها من خلال الجماعة المنقادة [50] .

            أما عن القرار وما يرتبط به من شـروط، فالقرار، لابد من وضوحه وصـراحته، على أن يراعى تماشـيه مع المصـلحة العامة وأن يأتي مطـابقا للتشـريعات.

            وفيـما يتعـلق بإصـدار الـقرار، فإنه يصـدر من مرجع صـالح أو مفوض، ومن شـروطه ألا يتعارض مع القـرارات السـابقة أو المحتملة مستقبلا.

            ولتنفيذ القرارات، فإنه يستلزم فهم القائد لجماعة العمل [ ص: 96 ] كمنفذين للقرار، وإدراك مؤهلاتهم ومواقفهم وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية، مع مراعاة الاستجابة لحاجات جماعة العمل.

            ومن الشروط المهمة، البيئة الإيجابية لاتخاذ القرار، فالقائد الناجح هو ذلك الذي يقوم ببناء القرار وفق أبعاد الموقف الراهن واحتمالات تغيره، ومن الأهمية الموازنة بين الإمكانات المتاحة وتنسيقها نحو تحقيق الهدف.

            وفي ظروف الأزمات والمواقف الحرجة، فإن القائد مطالب بسرعة البديهة في اتخاذ القرارات في الوقت والمكان المناسبين [51] ، وهو ما سوف يتضح من خلال أنموذج الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إدارته لأزمة عام الرمادة، حيث أهمية مراعاة توفير المعلومات، عبر نظام كفء يحقق التواصل بين القائد والمجتمع، وهذا يستلزم المتابعة لعملية التنفيذ والرقابة، لتقويم العملية، بالمحاسبة والمساءلة واعتماد معايير موضوعية في تقييم كفاءة القرار، مع التأكيد على مفهوم الرقابة الذاتية والنقد الذاتي.

            - نظرية النظام والمدخل التكاملي:

            (System Theory and Integrative):

            ووفقا لهذه النظرية، يمكن فهم القائد كنظام سلوكي(Behavioral System) له مدخلاته المتمثلة في المعلومات، التي يحصل عليها، والخبرات والقدرات والمؤهلات، التي اكتسبها، وكذلك السلطات التي فوضت له. وهو يمارس أنشطة وفعاليات تتمثل في تحليل ودراسة واقع التنظيم المسؤول عن [ ص: 97 ] إدارته، والبحث عن إيجابيات وسلبيات هذا الواقع، وعن البدائل المتاحة لتطويره واختيار البديل الأفضل.

            وبذلك، تكون مخرجاته القرارات، التي يتخذها، وتعلن في شكل أوامر أو تعليمات أو معلومات. فالعمل القيادي الناجح يخضع لثلاثة متغيرات، كما تم بيانه أعلاه [52] .

            ويقدم الدكتور "وليام.أ.كوهين"، ثمانية قوانين عامة للقيادة، وهي: التزام الأمانة المطلقة، معرفة النوايا للقائد، الإعلان عن الآمال، التحلي بالالتزام، توقع الإيجابية، الاهتمام والاعتناء بالأتباع، وأن يجعل من شخصيته قدوة ومثالا يحتذى به، وأن يكون في المقدمة [53] . [ ص: 98 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية