الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6608 28 - حدثني عبد الله بن محمد الجعفي، حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين، قال: قال قيس بن عباد: كنت في حلقة فيها سعد بن مالك وابن عمر، فمر عبد الله بن سلام، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فقلت له: إنهم قالوا كذا وكذا، فقال: سبحان الله! ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، إنما رأيت كأنما عمود وضع في روضة خضراء، فنصب فيها وفي رأسها عروة وفي أسفلها منصف والمنصف الوصيف، فقيل: ارقه، فرقيت حتى أخذت بالعروة فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يموت عبد الله وهو [ ص: 149 ] آخذ بالعروة الوثقى.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للجزء الثاني من الترجمة في قوله (في روضة خضراء) .

                                                                                                                                                                                  وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي ، والجعفي بضم الجيم وسكون العين المهملة وبالفاء نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة من مذحج .

                                                                                                                                                                                  وقال الجوهري : أبو قبيلة من اليمن ، والنسبة إليه كذلك.

                                                                                                                                                                                  وحرمي بفتح الحاء المهملة والراء وبالميم وياء النسبة، وهو اسم بلفظ النسب، وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم، وقرة بضم القاف وتشديد الراء ابن خالد السدوسي ، وقيس بن عباد بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة البصري التابعي الثقة الكبير له إدراك، قدم المدينة خلافة عمر رضي الله تعالى عنه، ووهم من عده من الصحابة.

                                                                                                                                                                                  وقد مضى ذكره في مناقب عبد الله بن سلام بهذا الحديث، ومضى له حديث آخر في تفسير سورة الحج وغزوة بدر أيضا، وليس له في البخاري سوى هذين الحديثين.

                                                                                                                                                                                  قوله: (في حلقة) بسكون اللام، ويجمع على حلق بكسر الحاء كقصعة وقصع.

                                                                                                                                                                                  وقال الجوهري : جمع الحلقة حلق بفتح الحاء على غير قياس.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فيها سعد بن مالك ) هو سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (هذا رجل من أهل الجنة) إنما قالوا ذلك لأنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه لا يزال متمسكا بالإسلام حتى يموت .

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقلت له) أي: لعبد الله بن سلام ، والقائل هو قيس بن عباد .

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقال: سبحان الله) أي: فقال عبد الله بن سلام : سبحان الله للتعجب، إنما أنكر عبد الله عليهم للتواضع وكراهة أن يشار إليه بالأصابع فيدخله العجب، قال الكرماني : الأولى أن يقال: إنما قاله لأنهم لم يسمعوا ذلك صريحا، بل قالوه استدلالا واجتهادا فهو في مشيئة الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إنما رأيت) .. إلخ، التئام هذا الكلام بما قبله هو أنه لما أنكر عليهم ما قالوه ذكر المنام المذكور، فهذا يدل على أنه إنما أنكر عليهم الجزم ولم ينكر أصل الإخبار بأنه من أهل الجنة، وهكذا يكون شأن المراقبين الخائفين المتواضعين.

                                                                                                                                                                                  قوله: (كأنما عمود وضع في روضة خضراء) ، وفي رواية ابن عون : في وسط الروضة، ولم يذكر وصف الروضة هنا.

                                                                                                                                                                                  ومضى في المناقب من رواية ابن عون : رأيت كأني في روضة. ذكر من سعتها وخضرتها.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : يحتمل أن يراد بالروضة جميع ما يتعلق بالدين، وبالعمود الأركان الخمسة، وبالعروة الوثقى الدين.

                                                                                                                                                                                  وفي التوضيح: والعمود دال على كل ما يعتمد عليه كالقرآن والسنن والفقه في الدين، ومكان العمود وصفات المنام تدل على تأويل الأمر وحقيقة التعبير، وكذلك العروة الإسلام والتوحيد، وهي العروة الوثقى .

                                                                                                                                                                                  قال تعالى: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى فأخبر الشارع بأن ابن سلام يموت على الإيمان، ولما في هذه الرؤيا من شواهد ذلك حكم له الصحابة بالجنة بحكم الشارع بموته على الإسلام.

                                                                                                                                                                                  وقال الداودي : قالوا: لأنه كان بدريا، وفيه القطع بأن كل من مات على الإسلام والتوحيد لله دخل الجنة ، وإن نالت بعضهم عقوبات.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فنصب فيها) أي: العمود نصب في الروضة، ونصب بضم النون وكسر الصاد المهملة من النصب، وهو ضد الخفض.

                                                                                                                                                                                  وفي المطالع وفي رواية العذري : انتصب، والأول هو الصواب.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : ويروى (نيص) من ناص بالمكان، أي: أقام فيه، وهو بالنون في أوله، وفي رواية المستملي والكشميهني : قبضت، بفتح القاف والباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة وبتاء الخطاب.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : ويروى (قبضت) بلفظ مجهول القبض، وهو بإعجام الضاد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وفي رأسها) أي: وفي رأس العمود، وإنما أنث الضمير لأن العمود إما مؤنث سماعي وإما باعتبار معنى العمدة، وقيل: المراد منه عموده، وحيث استوى فيه التذكير والتأنيث لم تلحقه التاء.

                                                                                                                                                                                  قوله: (منصف) بكسر الميم، وهو الوصيف بالصاد المهملة، أي: الخادم وقد فسره في الحديث بقوله: (والمنصف الوصيف)، وهو مدرج تفسير ابن سيرين .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن التين : روينا (منصف) بفتح الميم.

                                                                                                                                                                                  وقال الهروي : يقال: نصفت الرجل أنصفه نصافة إذا خدمته، والمنصف الخادم، والمراد هنا بالوصيف عون الله له.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقيل: ارقه) أي: قيل لعبد الله بن سلام : ارقه، وهو أمر من رقي يرقى من باب علم يعلم إذا صعد، ومصدره رقي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فرقيت) بكسر القاف على الأفصح.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى أخذت بالعروة) ، وتقدم في المناقب: فرقيت حتى كنت في أعلاها، فأخذت بالعروة فاستمسكت فاستيقظت، وإنها لفي يدي.

                                                                                                                                                                                  ووقع في رواية خرشة عند مسلم : حتى أتى [ ص: 150 ] بي عمودا رأسه في السماء، وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة، فقال لي: اصعد فوق هذا، قال: قلت: كيف أصعد؟ فأخذ بيدي فزجل بي (بزاي وجيم)، أي: رفعني، فإذا أنا متعلق بالحلقة، ثم ضرب العمود فخر وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقصصتها) أي: الرؤيا، والباقي ظاهر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية