الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو أتلف ) بغير حق أو تلف تحت يد عادية ( المرهون بعد القبض وقبض بدله ) أو لم يقبض ( صار رهنا ) مكانه من غير إنشاء عقد ، وإن امتنع رهن الدين ابتداء لقيامه مقامه ولأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ويجعل بيد من كان الأصل بيده وإنما احتاج بدل الموقوف المتلف إلى شراء مثله به ؛ لأن القيمة لا يصح وقف عينها بخلاف رهنه واحتاج بدله لإنشاء وقف دون بدل أضحية اشترى بعين قيمتها أو بما في الذمة بنيتها ؛ لأن الوقف يتضمن ملك الفوائد ويحتاج فيه لبيان المصرف وغيره فاحتيط له أكثر ، وإتلاف بعض المرهون كذلك نعم إن لم تنقص قيمته كقطع مذاكيره أو نقصت وزاد الأرش على نقص القيمة فاز المالك بالزائد ولو أتلفه المرتهن [ ص: 93 ] كان ما وجب عليه رهنا له ولا محذور فيه كما هو ظاهر إذ فائدته صونه عن تعلق الغرماء به ويشمل كلامه ما لو كان المتلف هو الراهن لكن بحث الزركشي وغيره أن بدله عليه لا يصير رهنا قبل قبضه وعليه لا يكفي مجرد قبضه بل لا بد من قصد دفعه عن جهة الغرم كسائر الديون أي نظير ما مر في قيمة العتيق .

                                                                                                                              كذا ذكره في موضع من الخادم وناقضه بعده بقليل فقال لا بد من قبضه ، وإنشاء عقد الرهن وعلله بما فيه نظر وناقض ذلك كله في مبحث العتق فقال سيأتي لنا خلاف في الإتلاف الحسي من الراهن أو أجنبي هل يكون رهنا أو لا حتى يتعين بالقبض وجهان أصحهما في الروضة الأول أي أخذا بإطلاق عبارتها ثم قال وهذا يجب جريانه في القيمة إذا وجبت على الراهن بعتق المرهون فإن حكمنا بأنها مرهونة وهي دين قبل استيفائها استصحب وإلا لم تصر رهنا إلا بالتعيين ا هـ ملخصا وجرى شيخنا في شرح الروض في قيمة العتيق على أنها لا تصير رهنا إلا بالقبض وكذا هنا إذا كان الجاني الراهن وفرق بأنه لا فائدة للحكم عليه في ذمته بأنه رهن بخلافه في ذمة غيره وناقض ذلك في شرح منهجه فجري ثم على ما مر عن السبكي وهنا على الإطلاق فلم يفرق بين الراهن وغيره وهذا هو الأوجه ؛ لأن سبق الرهن اقتضى وجوب رعاية وجوده لوجود بدله ويلزم من وجوده في الذمة الحكم عليه بالرهنية ليتم التوثق المقصود وفرقه المذكور ممنوع بل للحكم عليه بالرهنية في ذمة الراهن هنا وثم فائدة أي فائدة وهي أنه إذا مات وليس له إلا قدر القيمة فإن حكمنا بأن ما في ذمته رهن قام ما خلفه مقامه فيقدم به المرتهن على مؤن التجهيز وبقية الغرماء وإلا قدمت مؤن التجهيز واستوى هو والغرماء ، وكان الشيخ ظن انحصار الفائدة في عدم صحة إبراء الراهن الجاني مما في ذمته وهذا لا يتأتى إذا كان الجاني هو الراهن وليست منحصرة في ذلك كما علمت فاتضح ما قررته فتأمله .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله أو لم يقبض ) كما في الروضة فلا يصح الإبراء منه بغير إذن المرتهن ( قوله لأن القيمة إلخ ) هذا التوجيه في الأضحية ( قوله فاز المالك ) عبارة شرح الروض فاز المالك بالأرش كله في الأولى وبالزائد على ما ذكر في الثانية ا هـ والمعتمد عدم فوز المالك [ ص: 93 ] بشيء وأن الجميع رهن م ر ( قوله ولا محذور فيه كما هو ظاهر ) قد يقال بل فيه محذور وهو أنه يلزم أن يثبت له على نفسه حق التوثق والشخص لا يثبت له على نفسه شيء ويمكن أن يجاب بمنع ذلك كليا وما المانع أن يثبت للإنسان على نفسه إذا كان فيه مصلحة لغيره لأنه يئول إلى ثبوت حق لذلك الغير كما هنا فإن في ثبوت حق التوثق للمرتهن على نفسه مصلحة للراهن فهو في معنى ثبوت حق الراهن فليتأمل ( قوله إذ فائدته صونه عن تعلق الغرماء ) إن قلت ما فائدة صونه عن تعلق الغرماء فإن مجرد امتناع تعلقهم بما في الذمة لا يعود على الراهن منه شيء لأنه غير موجود فهو بمجرد لا ينتفع به الراهن في وفاء دينه وإن لم يتعلق به الغرماء إذ هو بمجرده لا يمكن التوفية منه قلت لعل الشارح يقول على قياس ما سيأتي في الرهن أن فائدته أنه إذا مات وخلف قدر البدل قام مقام ما في ذمته فيختص الراهن بالتعلق به حتى يوفي منه ورثة المرتهن وتنقطع مطالبتهم للراهن ولولا ذلك لطالبوه واحتاج إلى الدفع من غير ذلك المال لمزاحمة غيره له فيه وعدم لزوم ما على المرتهن لورثته لكن سيأتي هنا مناقشة في هذه الفائدة فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله وناقضه ) لا يقال قد يمنع ؛ لأن قوله في الموضع الأول لا يصير رهنا قبل قبضه ليس صريحا في الاكتفاء بالقبض بل يصدق باعتبار إنشاء العقد لأنا نقول قوله لا يكفي مجرد قبضه بل لا بد إلخ صريح في ذلك كما لا يخفى ( قوله على ما مر عن السبكي ) أي من الحكم برهنيتها في ذمة المعتق .

                                                                                                                              ( قوله وكان الشيخ ظن إلخ ) قد يوجه هذا الظن بأن ما في الذمة غير ما خلفه فلو قام مقامه لزم انتقال الرهنية من الشيء [ ص: 94 ] إلى غيره ولا نظير لذلك ولو صح ذلك لحصل الانتقال في الحياة وإلا فما السبب في تأخيره إلى الموت لا يقال السبب خراب الذمة بالموت فلا يحتاج للانتقال إلا حينئذ ؛ لأنا نقول أما أولا فخراب الذمة بالموت إنما هو بالنسبة للمستقبل عن الموت لا بالنسبة للماضي أيضا بل هي بالنسبة إليه تقبل التعلق بها وأما ثانيا فلا نسلم عدم الاحتياج إلا حينئذ بل الاحتياج ثابت قبل ذلك أيضا للتوثق فليتأمل لا يقال الفرق في التعلق بالمال بين الحياة والموت ظاهر فإن الدين لا يتعلق بالمديون في حياته فإذا مات تعلق به لأنا نقول الكلام في التعلق الجعلي الذي يخص المرتهن دون الشرعي الذي يستوي فيه سائر الديون والفرق المذكور لم يثبت إلا في الشرعي فليتأمل مع ذلك دعواه اتضاح ما قرره .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله أو لم يقبض ) إلى قوله دون بدل إلخ في النهاية والمغني ( قوله أو لم يقبض ) كما في زيادة الروضة فما ذكره المصنف مثال لا قيد ا هـ نهاية زاد سم فلا يصح الإبراء منه بغير إذن المرتهن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله من كان الأصل بيده ) أي راهنا أو مرتهنا أو أجنبيا ا هـ ع ش ( قوله مثله به ) أي مثل الموقوف المتلف ببدله ( قوله بخلاف رهنه ) أي راهن عين القيمة ا هـ كردي ( قوله بدله ) أي الموقوف ( قوله لإنشاء وقف ) أي من الحاكم لما اشتراه ببدله ا هـ ع ش ( قوله ويحتاج فيه ) أي في الوقف ( قوله كذلك ) أي كإتلاف المرهون فيصير بدله رهنا مكانه من غير إنشاء عقد ( قوله لم تنقص إلخ ) أي بإتلاف البعض ( قوله مذاكيره ) فيه تغليب الذكر على الأنثيين ( قوله أو نقصت وزاد الأرش ) أي كما لو قطعت يده فنقص به من قيمته الربع مع كون الأرش نصف القيمة فإنه يزيد على ما نقص منها ( قوله فاز المالك بالزائد ) عبارة شرح الروض فاز المالك بالأرش كله في الأولى وبالزائد على ما ذكر في الثانية انتهت والمعتمد عدم فوز المالك بشيء وأن الجميع رهن م ر ا هـ سم عبارة النهاية والمغني وما ذكره الماوردي أن محل ما ذكر في الجناية إذا نقصت القيمة بها ولم يزد الأرش فلو [ ص: 93 ] لم ينقص بها كأن قطع ذكره وأنثياه أو نقصت بها وكان الأرش زائدا على ما نقص منها فاز المالك بالأرش كله في الأولى وبالزائد على ما ذكر في الثانية ممنوع لتعلق حق المرتهن بذلك فهو كما لو زاد سعر المرهون بعد رهنه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كان ما وجب عليه رهنا له ) والأوجه أنه لا يكون رهنا ؛ لأنه لا يكون ما وجب عليه رهنا له وقد يقال بمساواته لغيره وفائدته تقديمه بذلك القدر على الغرماء ا هـ نهاية قال ع ش قوله والأوجه إلخ خلافا لابن حجر وقوله وقد يقال جزم بهذا شيخنا الزيادي في حاشيته ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله قبل قبضه ) أي إقباض الراهن البدل لمن كان الأصل بيده ( قوله بل لا بد من قصد رفعه إلخ ) أي من غير حاجة إلى إنشاء عقد الرهن .

                                                                                                                              ( قوله نظير ما مر ) أي في الفصل الذي قبل هذا ( قوله أصحهما في الروضة الأول ) أي يكون رهنا قبل القبض وهو محل المناقضة ( قوله ثم قال ) أي الزركشي ( قوله استصحب ) أي حكم الأصل أي فتصير القيمة رهنا قبل تعيينها بالقبض ( قوله وكذا هنا ) أي في قيمة المتلف ( قوله وفرق ) أي بين الراهن وغيره ا هـ كردي ( قوله للحكم عليه ) أي بدل المتلف ( في ذمته ) أي حال كون ذلك البدل في ذمة الراهن ( قوله على ما مر عن السبكي ) أي من الحكم برهنيتها في ذمة المعتق ا هـ سم ( قوله مر عن السبكي ) أي في شرح قول المصنف ويغرم قيمته يوم عتقه رهنا ( قوله وهذا هو ) إلى المتن في النهاية ( قوله وهذا هو الأوجه ) وفاقا للنهاية والمغني ( قوله وجوب إلخ ) مفعول اقتضى ( وقوله وجوده ) أي وجود الرهن في حالة التلف في ذمة الراهن المتلف ( وقوله لوجوب بدله ) متعلق باقتضى واللام للتعليل ( قوله وفرقه إلخ ) أي فرق الشيخ في شرح الروض ( قوله في ذمة الراهن ) حال من ضمير عليه الراجع إلى بدله المرهون ( قوله هنا ) أي في بدل المتلف ( وقوله ثم ) أي في قيمة العتيق ( قوله قام ما خلفه إلخ ) فيه نظر ؛ لأن ما في الذمة ليس منحصرا فيما خلفه حتى يتعلق الحق به نعم بموته تعلقت الديون بتركته ومن جملتها ما هو مرهون ومقتضاه أن لا يتقدم به على غيره من الغرماء إلا أن يقال أنه لما حكم برهنيته وهو في الذمة ولم يوجد ما يتعلق به سواه قلنا بانحصار ما في الذمة فيما خلفه فيقدر تعلقه به قبيل موته ا هـ ع ش وقوله إلا أن يقال إلخ هو الظاهر ( قوله وكان الشيخ ) أي في شرح الروض ا هـ ع ش ( قوله الجاني ) مفعول الإبراء المضاف إلى فاعله ( قوله ما قررته ) أي في قوله فإن حكمنا بأن إلخ قاله [ ص: 94 ] ع ش والظاهر أي في قوله وهذا هو الأوجه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية