الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            10132 وعن محمد بن إسحاق قال : أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أحد بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة ، وولى تلك الحجة والمحرم ، ثم بعث أصحابه بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد ، فكان من حديثهم كما حدثني إسحاق ، عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وغيرهم من أهل العلم ، قالوا : قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فعرض عليه الإسلام فلم يسلم ، ولم يبعد من الإسلام ، وقال : يا محمد ، لو بعثت رجلا من أصحابك يدعوهم إلى أمرك ، رجوت أن يستجيبوا لك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني أخشى أهل نجد ، فقال أبو براء : أنا لهم جار ، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة بن الخزرج المعتق ليموت في أربعين رجلا من المسلمين ، من خيارهم ، منهم الحارث بن الصمة ، وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار ، وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، ورجال مسمون من خيار المسلمين ، فساروا حتى نزلوا بئر معونة ، وهي بئر أرض بني عامر ، وحرة بني سليم ، كلا البلدين منها قريب ، وهي من بني سليم أقرب ، فلما نزلوا بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عامر بن الطفيل ، فلما أتاهم لم ينظر في كتابه حتى غدا على الرجل فقتله ، ثم استصرخ بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم ، وقالوا : لن نخفر أبا براء ، وقد عقد لهم عقدا وجوارا ، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم عصية ورعلا وذكوان ، فأجابوه إلى ذلك ، فخرجوا حتى غشوا القوم ، فأحاطوا بهم في رحالهم ، فلما رأوهم أخذوا أسيافهم فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم ، إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار ، فإنهم تركوه وبه رمق ، فارتث من بين القتلى ، فعاش حتى قتل يوم الخندق ، وكان في السرح عمرو بن أمية الضمري ، ورجل من الأنصار أخو بني عمرو بن عوف فلم ينبئهما بمصاب إخوانهما ، إلا الطير تحوم على العسكر ، فقالا : والله إن لهذا الطير لشأنا ، فأقبلا لينظرا فإذا القوم في [ ص: 129 ] دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة ، فقال الأنصاري لعمرو بن أمية : ما ترى ؟ قال : أرى أن نلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنخبره الخبر ، فقال الأنصاري : لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ، وما كنت لتجتزي عنه الرجال ، فقاتل القوم حتى قتل ، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا ، فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل ، وجز ناصيته ، وأعتقه عن رقبة زعم أنها على أمه ، فخرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قباء أتاه رجلان من بني عامر ، نزلا في ظل هو فيه ، وكان للعامريين عقد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوار ، فلم يعلم به عمرو بن أمية ، وقد سألهما حين نزل : ممن أنتما ؟ قالا : من بني عامر ، فأمهلهما حتى ناما ، فغدا عليهما فقتلهما ، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثأره من بني عامر ; لما أصابوا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبره الخبر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لقد قتلت قتيلين لأدينهما " ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " هذا عمل أبي براء ، قد كنت لهذا كارها متخوفا " ، فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه ، وما أصيب من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسببه وجواره ، فقال حسان بن ثابت يحرض ابن أبي براء على عامر بن الطفيل :


                                                                                            بني أم البنين ألم يرعكم وأنتم من ذوائب أهل نجد     تهكم عامر بأبي براء
                                                                                            ليخفره وما خطأ كعمد     ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي
                                                                                            بما أحدثت في الحدثان بعدي     أبوك أبو الحروب أبو براء
                                                                                            وخالك ماجد حكم بن سعد

                                                                                            .

                                                                                            فحمل ربيعة بن عامر على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح ، فوقع في فخذه فأشواه ، ووقع عن فرسه ، فقال : هذا عمل أبي براء ، فإن أمت فدمي لعمي لا يتبع به ، وإن أعش فسأرى رأيي فيما أتى إلي
                                                                                            .

                                                                                            رواه الطبراني ، ورجاله ثقات إلى ابن إسحاق .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية