الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5925 ) فصل : وإن قال لزوجته : أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر . فقدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه ، تبينا أن طلاقه وقع قبل الشهر ; لأنه إيقاع للطلاق بعد عقده . وبهذا قال الشافعي ، وزفر . وقال أبو حنيفة وصاحباه : يقع الطلاق عند قدوم زيد ; لأنه جعل الشهر شرطا لوقوع الطلاق ، فلا يسبق الطلاق شرطه . ولنا ، أنه أوقع الطلاق في زمن على صفة ، فإذا حصلت الصفة وقع فيه ، كما لو قال : أنت طالق قبل رمضان بشهر ، أو قبل موتك بشهر . فإن أبا حنيفة خاصة يسلم ذلك ، ولا يسلم أنه جعل الشهر شرطا ، وليس فيه حرف شرط . وإن قدم قبل مضي شهر ، لم يقع ، بغير اختلاف بين أصحابنا .

                                                                                                                                            وهو قول أكثر أصحاب الشافعي ; لأنه تعليق للطلاق على صفة كان وجودها ممكنا ، فوجب اعتبارها . وإن قدم زيد مع مضي الشهر ، لم تطلق ; لأنه لا بد من جزء يقع الطلاق فيه . فإن خالعها بعد تعليق طلاقها بيوم ، ثم قدم زيد بعد الخلع بشهر وساعة ، تبينا أن الخلع وقع صحيحا ، ولم يقع الطلاق ; لأنه صادفها بائنا . وإن قدم بعد عقد الصفة بشهر وساعة ، وقع الطلاق ، وبطل الخلع ، ولها الرجوع بالعوض ، إلا أن يكون الطلاق رجعيا ; لأن الرجعية يصح خلعها .وإن كانت بحالها ، فمات أحدهما بعد عقد الصفة بيوم ، ثم قدم زيد بعد شهر وساعة من حين عقد الصفة ، لم يرث أحدهما الآخر ، لأنا تبينا أن الطلاق كان قد وقع قبل موت الميت منهما ، فلم يرثه صاحبه ، إلا أن يكون الطلاق رجعيا ، فإنه لا يقطع التوارث ، ما دامت في العدة .

                                                                                                                                            فإن قدم بعد الموت بشهر وساعة ، تبينا أن الفرقة وقعت بالموت ، ولم يقع طلاق . فإن قال : أنت طالق قبل موتي بشهر . فمات أحدهما قبل مضي شهر ، لم يقع طلاق ; لأن الطلاق لا يقع في الماضي . وإن مات بعد عقد اليمين بشهر وساعة ، تبينا وقوع الطلاق في تلك الساعة ، ولم يتوارثا ، إلا أن يكون الطلاق رجعيا ، ويموت في عدتها . وإن قال : أنت طالق قبل موتي . ولم يزد شيئا ، طلقت في الحال ; لأن ما قبل موته من حين عقد الصفة محل للطلاق ، فوقع في أوله . وإن قال : قبل موتك أو موت زيد . فكذلك .

                                                                                                                                            وإن قال : أنت طالق قبل قدوم زيد ، أو قبل دخولك الدار . فقال القاضي : تطلق في الحال ، سواء قدم زيد أو لم يقدم ; بدليل قول الله تعالى : { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها [ ص: 330 ] فنردها على أدبارها . } ولم يوجد الطمس في المأمورين . ولو قال لغلامه : اسقني قبل أن أضربك . فسقاه في الحال ، عد ممتثلا وإن لم يضربه . ولو قال : أنت طالق قبيل موتي ، أو قبيل قدوم زيد . لم يقع في الحال ، وإنما يقع ذلك في الجزء الذي يلي الموت ; لأن ذلك تصغير يقتضي الجزء اليسير الذي يبقى .

                                                                                                                                            وإن قال : أنت طالق قبل موت زيد وعمرو بشهر . فقال القاضي : تتعلق الصفة بأولهما موتا ; لأن اعتباره بالثاني يفضي إلى وقوعه بعد موت الأول ، واعتباره بالأول لا يفضي إلى ذلك فكان أولى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية