[ ص: 240 ] جـ - نجدة الإمام وعدته .
خطة وترتيب .
346 - والآن أبتدئ ذكر : ليس يخفى على ذي بصيرة أن الإمام يحتاج في منصبه العظيم ، وخطبه الشامل العميم ، إلى الاعتضاد بالعدد والعتاد ، والاستعداد بالعساكر والأجناد ، فإنه متصد لحراسة البيضة ، وحفظ الحريم ، والتشوف إلى بلاد الكفار ; فيجب أن يكون عسكره معقودا ، يرون التطلع إلى أوامره شوفا مقصودا ومطمحا معمودا ، ولا يجوز أن يكون معوله المتطوعة الذين لا يتنشئون إذا ندبوا مبادرين ، حتى يتأهبوا ، ويستعدوا ويتألبوا ولن تقوم الممالك إلا بجنود مجندة ، وعساكر مجردة ، هم مشرئبون للانتداب ، مهما ندبوا ، بعزائم جامعة ، وآذان متشوفة إلى صوت هائعة ، وهؤلاء هم المرتزقة [ ص: 241 ] لا يشغلهم عن البدار دهقنة وتجارة ، ولا يلهيهم ترفة ولا عمارة . نجدة الإمام وعدته
347 - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زمنه لا يدون ديوانا ، ولا يجرد للجهاد أعوانا ، إذ كان المهاجرون والأنصار يخفون إلى ارتسام أوامره من غير أناة واستئخار ، وانقرض على ذلك زمن خلافة - رضي الله عنه - ثم لما انتهت النوبة إلى الصديق جند الجنود ، وعسكر العساكر ، ودون الدواوين ، وصارت سيرته وإيالته أسوة للعالمين إلى يوم الدين . عمر بن الخطاب
348 - فإذا تقرر أنه يتحتم استظهار الإمام بالأعوان والأنصار فلابد من الاستعداد بالأموال . وقد ذكرنا أن الأموال التي يجمعها ويجبيها ويطلبها وينتحيها ، تنقسم إلى ما يتعين مصرفه ، وإلى ما يعم انبساطه على وجوه المصالح .
[ ص: 242 ] وتفاصيل [ الأقوال ] في الأموال مذكورة في كتب الفقه . ولكني أذكر تراجمها ، وأبسط القول قليلا فيما يتعلق بالآيات الكبيرة منها .
فمن الأموال المختصة بمصارف الزكوات ، وهي مصروفة إلى الأصناف الموصوفين في كتاب الله ، وسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأوصاف .
والقول في أقدارها ومحالها ، وفي مصارفها مذكور في كتابين من الفقه ، يعرف أحدهما بكتاب الزكاة ، والثاني بكتاب قسم الصدقات .
ومنها أربعة أخماس الفيء . والفيء مال كافر عثر عليه من غير إيجاف خيل وركاب ، ويدخل تحته الجزية ، والأخرجة عند من يراها من العلماء ، وأموال المرتدين ، وما يتخلى عنه الكفار من غير قتال مذعورين أو مختارين .
[ ص: 243 ] فأربعة أخماس ما وصفناه تختص في ظاهر المذهب بالمرتزقة والجند المترتبين في الإسلام . والقول فيه وفي خمس الغنيمة ، وخمس الفيء ، مذكور في كتاب مفرد في فن الفقه .
349 - وأما المال العام ، فهو مال المصالح ، وهو خمس خمس الفيء ، وخمس خمس الغنيمة ، وما يخلفه مسلم ليس له وارث خاص ، ويلتحق بالمرصد للمصالح مال ضائع للمسلمين قد تحقق اليأس من معرفة مالكه ومستحقه .
فهذه الأموال التي تحويها يد الإمام ، ومصارفها مقررة عند الفقهاء ، وقد كثر فيها الاختلاف ، ومسالك الظنون ، والإمام يرى فيه رأيه ، وإن اعتاصت مسألة أجال فيها فكره ، وردد نظره ، واستضاء برأي العلماء ، فإذا غلب ظنه مضى قدما ، وأمضى مقتضى رأيه .
ولا يليق بهذا الكتاب التعرض لتفاصيل المسائل الظنية مع اعتناء العلماء بتصنيفها وجمعها وتأليفها .
350 - فالذي أذكره في الأموال ثلاثة أشياء تفتقر إليها الإيالة لا محالة : [ ص: 244 ] أحدها : ذكر ألفاظ وجيزة ضابطة لجمل المصاريف وكلياتها .
والثاني : في تحقيق القول في أن الإمام هل ينزف مال بيت المال كل سنة ، أو يستظهر بذخيرة ليكون من أمره على بصيرة ; والثالث : تفصيل القول فيه إذا نفدت الأموال ، وانحسمت مجالبها ومكاسبها ، فكيف يكون مضطربه ومجاله ؟ ، ومن أين ماله ؟ وإلى ماذا يئول مآله ؟ .