قال   ابن الجوزي     - رحمه الله تعالى : واعلم أن  فضيلة هذه الأمة على الأمم المتقدمة   ، وإن كان ذلك باختيار الحق لها وتقديمه إياها ، إلا أنه سبحانه جعل لذلك سببا كما جعل سبب سجود الملائكة  لآدم   عليه السلام علمه بما جهلوه ، فكذلك جعل لتقديم هذه الأمة سببا هو الفطنة والفهم واليقين وتسليم النفوس ، فاعتبر حالهم بمن قبلهم ، فإن قوم  موسى   رأوا قدرة الخالق في شق البحر ، ثم قالوا : اجعل لنا إلها ، ثم مال كثير منهم إلى عبادة العجل ، وعرضت لهم غزاة فقالوا : اذهب أنت وربك فقاتلا ، ولم يقبلوا التوراة حتى نتق عليهم الجبل ، ولما اختار  موسى   سبعين منهم وقع في نفوسهم ما أوجب تزلزل الجبل بهم ، ولهذا لما صعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - على  جبل حراء   في جماعة من أصحابه تزلزل ، فقال :  اسكن فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد     .  
فكأنه أشار إلى أنه ليس عليك من يشك كقوم  موسى      . ومن تأمل حال  بني إسرائيل   رآهم قد أمروا بقول حطة ، فقالوا : حنطة ، وقيل لهم : ادخلوا الباب سجدا ، فدخلوا زحفا ، وآذوا نبيهم فقالوا : آدر . ومن مذهبهم التشبيه والتجسيم ، وهذا من أعظم التغفيل ، لأن الجسم مؤلف ، ولا بد للمؤلف من مؤلف . ومن غفلة  النصارى   اعتقادهم أن الله تعالى جوهر ، والجواهر تتماثل ، ولا مثل للخالق ، ثم مقالاتهم في  عيسى   وتثليثهم ، ودعواهم فيه الإلهية وأنه ابن الله تعالى تقشعر منه الأبدان ، وتنفر منه النفوس ، وتحيله العقول ، وليس للقوم فهوم ، ولهذا قال بعض فضلاء أمتنا : إنهم عار على بني آدم من بين سائر الأمم .  
هذا ، وقد علم يقين هذه الأمة ، وبذلهم أنفسهم في الحروب وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -      [ ص: 277 ] وحفظهم لكتاب الله ، فلهذا ونظائره كانوا يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله تعالى ، وكل هذا إنما هو بسبب كرامة نبينا على الله ، وجزيل فضله عند الله ، وقربه من الله ، والحمد لله على ما أنعم وفضل وكرم ، والله أعلم .  
				
						
						
