( ( فصل ) )
في ذكر الصحابة الكرام بطريق الإجمال ، وبيان مزاياهم على غيرهم ، والتعريف بما يجب لهم من المحبة ، والتبجيل والترضي ، والتفضيل على سائر
[ ص: 377 ] الأمة ، وتقبيح من آذاهم وشناهم ، والكف عما جرى بينهم مما لعله لم يصح عنهم ، وما صح فله تأويلات سائغة ، وإذا كان لأحد منهم هنات تقع مكفرة مستهلكة في عظيم حسناتهم وجسيم مجاهداتهم ، ثم التابعين لهم بإحسان
ولهذا قال :
( ( وليس في الأمة كالصحابة في الفضل والمعروف والإصابة ) )
( ( وليس في الأمة ) ) المحمدية المفضلة على سائر الأمم بأفضلية نبيها - صلى الله عليه وسلم - ، وأفضلية ما جاء به الذكر الحكيم ، والدين القويم ، والصراط المستقيم ، فيكون
nindex.php?page=treesubj&link=28811الصحابة أفضل خلق الله تعالى بعد أنبياء الله تعالى ورسله ، ( ( كالصحابة ) ) الكرام الذين فازوا بصحبة خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ، وتقدم في صدر الكتاب تعريف الصحابة ، وطريق ثبوت الصحبة ، وبيان عدالة الصحابة ، وبيان عدتهم ودرجاتهم ، فمعتمد القول عند أئمة السنة أن
nindex.php?page=treesubj&link=28811الصحابة - رضوان الله عليهم - كلهم عدول بالكتاب والسنة وإجماع أهل الحق المعتبرين ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة أخرجت للناس ) قيل : اتفق المفسرون أن ذلك في الصحابة ، لكن الخلاف في التفاسير مشهور ، ورجح كثير عمومها في أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) وهذا خطاب للموجودين حينئذ ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) الآيات ، فليس في سائر الأمة المحمدية مثل الصحابة الكرام ، ( ( في الفضل ) ) بشاهد ما في الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025719لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه " . وهذا وإن ورد على سبب ، وهو ما جرى بين
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف وبين
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد - رضي الله عنهما - ، فالعبرة بعموم اللفظ ، ولا ينافي ذلك كون الخطاب لأصحابه ، فإن المراد لا يسب غير أصحابي أصحابي ، ولا يسب بعضهم بعضا ، فالمراد النهي عن حصول السب لهم مطلقا ، وقوله : إن أحدكم بالخطاب يمكن حمله على أن المراد من جاء من غيرهم ينزل نفسه منزلتهم ، وقد يأتي الخطاب لقوم تعريضا بغيرهم كثيرا اعتمادا على القرائن وهذا الموضع منه ، والنصيف أحد اللغات الأربع
[ ص: 378 ] في النصف ، فإنه يقال : نصف بكسر النون وفتحها وضمها ونصيف بفتح النون وزيادة الياء ، والمعنى لو أنفق
أحدكم مثل
أحد ذهبا ما بلغ ثوابه في ذلك نفقة أصحابي في مد ولا نصف مد ، لأن إنفاقهم كان في نصرته - صلى الله عليه وسلم - وحمايته ، وذلك معدوم بعده ، فتضمن ذلك أفضليتهم على غيرهم مطلقا ، وأن فضيلة نفقتهم على نفقة غيرهم باعتبار ذواتهم . وفي الصحيحين وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027016خير الناس قرني ثم الذين يلونهم - قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة - ثم إن بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن - زاد في رواية - ، ويحلفون ولا يستحلفون " . ورواه
أبو داود ولفظه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027017خير أمتي الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم " والله أعلم . أذكر الثالث أم لا ، الحديث ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بنحوه ، ورواه الشيخان من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه - ، ورواه
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - بنحوه وفيه : والله أعلم أذكر الثالث أم لا . وأخرجه
مسلم أيضا من حديث
عائشة - رضي الله عنها - .
وأخرج
الترمذي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027018يبلغ الحاضر الغائب الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ، ومن يأخذه الله فيوشك أن لا يفلته " . وأخرج
الترمذي أيضا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027019إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا : لعنة الله على شركم " . وأخرج
مسلم عن
عائشة - رضي الله عنها -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027020أنها قالت لعروة بن الزبير : يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبوهم . وأخرج
الترمذي من حديث
بريدة - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027021قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بعث لهم نورا وقائدا يوم القيامة " . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب - رحمه الله تعالى - أن
عمر بن [ ص: 379 ] الخطاب - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
سألت ربي عن اختلاف أصحابي من بعدي ، فأوحى إلي يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء ، بعضها أقوى من بعض ، ولكل نور ، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى " . قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " . ذكره في جامع الأصول .
( ( و ) )
nindex.php?page=treesubj&link=28811ليس في الأمة كالصحابة الكرام في ( ( المعروف ) ) وهو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله ، والتقرب إليه ، والإحسان إلى الناس ، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات ، وهو من الصفات الغالبة أي أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه ، والمعروف النصفة ، وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم من الناس ، ضد المنكر في ذلك جميعه وفي حديث : "
أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة " . أي من بذل معروفه للناس في الدنيا آتاه الله جزاء معروفه في الآخرة ، وقيل : أراد من بذل جاهه لأصحاب الجرائم التي لا تبلغ الحدود فيشفع فيهم شفعه الله في أهل التوحيد في الآخرة ، وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - في معنى ذلك قال : يأتي أصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة فيغفر لهم بمعروفهم ، وتبقى حسناتهم جامة ، فيعطونها لمن زادت سيئاته على حسناته ، فيغفر له ، ويدخل الجنة ، فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدنيا والآخرة . ولا يرتاب أحد من ذوي الألباب أن الصحابة الكرام هم الذين حازوا قصبات السبق ، واستولوا على معالي الأمور من الفضل والمعروف والصدق ، فالسعيد من اتبع صراطهم المستقيم ، واقتفى منهجهم القويم ، والتعيس من عدل عن طريقهم ، ولم يتحقق بتحقيقهم ، فأي خطة رشد لم يستولوا عليها ؟ وأي خصلة خير لم يسبقوا إليها ؟ تالله لقد وردوا ينبوع الحياة عذبا صافيا زلالا ، ووطدوا قواعد الدين والمعروف فلم يدعوا لأحد بعدهم مقالا ، فتحوا القلوب بالقرآن والذكر والإيمان ، والقرى بالسيف والسنان وبذل النفوس النفيسة في مرضاة الرحيم الرحمن ، فلا معروف إلا ما عنهم عرف ، ولا برهان إلا ما بعلومهم كشف ، ولا سبيل نجاة إلا ما سلكوه ، ولا خير سعادة
[ ص: 380 ] إلا ما حققوه وحكوه ، فرضوان الله تعالى عليهم ما تحلت المجالس بنشر ذكرهم ، وما تنمقت الطروس بعرف مدحهم وشكرهم .
( ( و ) )
nindex.php?page=treesubj&link=28811ليس في الأمة أيضا كالصحابة - رضي الله عنهم - في ( ( الإصابة ) ) للحكم المشروع والهدي المتبوع ، فهم أحق الأمة بإصابة الحق والصواب ، وأجدر الخلق بموافقة السنة والكتاب ، ويشهد لهذا ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا ، وأحسنها حالا ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ، وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم فضلهم ، واتبعوا آثارهم ، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم . فأحق الأمة بإصابة الصواب أبرها قلوبا ، وأعمقها علوما ، وأقومها هديا من غير شك ولا ارتياب .
وروى
أبو داود الطيالسي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : إن الله نظر في قلوب العباد ، فنظر قلب
محمد خير قلوب العباد ، فبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فاختارهم لصحبة نبيه ، ونصرة دينه ، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح .
فخير قلوب العباد أحق الخلق بإصابة الصواب ، فكل خير وإصابة وحكمة وعلم ومعارف ومكارم إنما عرفت لدينا ، ووصلت إلينا من الرعيل الأول ، والسرب الذي عليه المعول ، فهم الذين نقلوا العلوم والمعارف عن ينبوع الهدى ومنبع الاهتدا ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=143العرباض بن سارية - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027024وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة " . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه . قال
الترمذي : حديث حسن صحيح . وقال الحافظ
أبو نعيم : حديث جيد صحيح ، فدل الحديث على أن
nindex.php?page=treesubj&link=22137_22136سنة الخلفاء الراشدين متبعة كاتباع سنته - صلى الله عليه وسلم - ، بخلاف غيرهم من ولاة الأمور . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن
حذيفة - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027025كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلوسا فقال : " إني [ ص: 381 ] لا أدري ما قدر بقائي فيكم ، فاقتدوا بالذين من بعدي ، - وأشار إلى أبي بكر وعمر - وتمسكوا بعهد عمار ، وما حدثكم nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود فصدقوه " . وفي رواية
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027026وتمسكوا بعهد nindex.php?page=showalam&ids=10ابن أم عبد ، واهتدوا بهدي عمار ، فنص - صلى الله عليه وسلم - في آخر عمره على من يقتدى به من بعده ، والخلفاء الراشدون الذين أمر بالاقتداء بهم هم
أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - ، فإن في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3571سفينة - رضي الله عنه - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027027الخلافة بعدي ثلاثين سنة ثم تكون ملكا " . وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره وتقدم ، فكل ما اجتمع عليه الصحابة مما أجمعوا عليه ، أو جمعهم أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب عليه فاجتمعوا فهو الحق لا شك فيه ، ولو خالف فيه من بعد ذلك من خالف ، ومن ثم نحتج بقول الصحابي حيث لا نص نبوي ، إن لم يخالف فيه مثله على معتمد المذهب ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12201أبو يعلى الموصلي عن
أنس - رضي الله عنه - : "
مثل أصحابي مثل الملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح " .
وعلى كل حال لا يرتاب ذوو الألباب من ذوي الأفاضل أن الصحابة الكرام حازوا قصبات السبق بصحبة خير الأنام ، واستولوا على الأمد ، فلا مطمع لأحد من الأمة بعدهم في اللحاق ، ولكن المبرز من اتبع صراطهم المستقيم ، واقتفى منهاجهم القويم ، والمتخلف من عدل عن طريقتهم ذات اليمين وذات الشمال ، فذاك المنقطع التائه في بيداء المهالك والضلال . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
مثل أصحابي كمثل الملح في الطعام " . يعني كما أن الملح صلاح الطعام فأصحابي صلاح الأنام ، قال في ( إعلام الموقعين ) : كما أن الملح به صلاح الطعام ، فالصواب به صلاح الأنام ، فلو أخطأ الصحابة فيما أفتوا به لاحتاج ذلك إلى ملح يصلحه ، فإذا أفتى من بعدهم بالحق كان قد أصلح خطأهم فكان ملحا لهم . انتهى . أي والحال أنهم هم الملح المصلح ، فكيف يكون غيرهم مصلحا لهم ؟ فهذا خلف . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وأبو نعيم وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - أنه قال : يا معشر القراء خذوا طريق من كان قبلكم ، فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم بعيدا . قال في إعلام الموقعين : ومن المحال أن يكون الصواب في غير طريق من سبق إلى كل خير على الإطلاق . وقال
[ ص: 282 ] فيه أيضا : من تأمل المسائل الفقهية ، والحوادث الفرعية ، وتدرب بمسالكها ، وتصرف في مداركها وسلك سبلها ذللا ، وارتوى من موردها عللا ونهلا ، علم قطعا أن كثيرا منها قد يشتبه فيها وجوه الرأي ، بحيث لا يوقف فيها بظاهر مراد ، أو قياس صحيح تنشرح له الصدور ، وينثلج له الفؤاد ، بل تتعارض فيها الظواهر والأقيسة على وجه يقف المجتهد في أكثر المواضع حتى لا يبقى للظن رجحان بين ، لا سيما إذا اختلف الفقهاء ، فإن عقولهم من أكمل العقول وأوفرها ، فإذا تلددوا وتوقفوا ، ولم يتقدموا ولم يتأخروا لم يكن ذلك وفي المسألة طريقة واضحة ، ولا حجة لائحة ، فإذا وجد فيها قولا لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين هم سادات الأمة ، وقدوة الأئمة ، وأعلم الناس بكتاب ربهم ، وسنة نبيهم ، وقد شاهدوا التنزيل ، وعرفوا التأويل ، ونسبة من بعدهم في العلم إليهم نسبتهم إليهم في الفضل والدين ، كان الظن والحالة هذه بأن الصواب في وجهتهم ، والحق في جانبهم من أقوى الظنون ، وهو أقوى من الظن المستفاد من كثير من الأقيسة ، هذا مما لا يمتري فيه عاقل منصف ، وكان الرأي الذي يوافق رأيهم هو الرأي السديد الذي لا رأي سواه ، وإذا كان المطلوب في الحادثة إنما هو ظن راجح ، ولو استند إلى استصحاب ، أو قياس علة ، أو دلالة ، أو شبه ، أو عموم ، أو خصوص ، أو محفوظ مطلق ، أو وارد على سبب ، فلا شك أن الظن الذي يحصل لنا بقول الصحابي الذي لم يخالف ، أرجح من كثير من الظنون المستندة إلى هذه الأمور أو أكثرها .
فظهر بهذا أن الصحابة - رضي الله عنهم - أولى الأمة بالإصابة فيما ثبت عنهم ، فإنهم - رضي الله عنهم - كانوا أبر قلوبا ، وأعمق علما ، وأقل تكلفا ، وأقرب إلى أن يوفقوا إلى الصواب من غيرهم ، لما خصهم الله به من توقد الأذهان ، وفصاحة اللسان ، وسعة العلم ، وسهولة الأخذ ، وحسن الإدراك وسرعته ، وقلة المعارض أو عدمه ، وحسن القصد ، وتقوى الرب ، فالعربية طريقتهم وسليقتهم ، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم ، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد ، وأحوال الرواة ، وعلل الحديث ، والجرح والتعديل ، ولا إلى النظر في قواعد الأصول ، وأوضاع الأصوليين ، فقد أغنوا عن ذلك كله ، فليس في حقهم إلا أمران : أحدهما قال الله تعالى كذا وقال
[ ص: 383 ] رسوله كذا ، والثاني معناه كذا وكذا ، وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين ، وأحظى الأمة بهما ، فقواهم متوافرة مجتمعة عليهما ، وبالله التوفيق .
( ( فَصْلٌ ) )
فِي ذِكْرِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ ، وَبَيَانِ مَزَايَاهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ ، وَالتَّعْرِيفِ بِمَا يَجِبُ لَهُمْ مِنَ الْمَحَبَّةِ ، وَالتَّبْجِيلِ وَالتَّرَضِّي ، وَالتَّفْضِيلِ عَلَى سَائِرِ
[ ص: 377 ] الْأُمَّةِ ، وَتَقْبِيحِ مَنْ آذَاهُمْ وَشَنَّاهُمْ ، وَالْكَفِّ عَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ مِمَّا لَعَلَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ ، وَمَا صَحَّ فَلَهُ تَأْوِيلَاتٌ سَائِغَةٌ ، وَإِذَا كَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ هَنَاتٌ تَقَعُ مُكَفَّرَةً مُسْتَهْلَكَةً فِي عَظِيمِ حَسَنَاتِهِمْ وَجَسِيمِ مُجَاهَدَاتِهِمْ ، ثُمَّ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ
وَلِهَذَا قَالَ :
( ( وَلَيْسَ فِي الْأُمَّةِ كَالصَّحَابَةِ فِي الْفَضْلِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِصَابَةِ ) )
( ( وَلَيْسَ فِي الْأُمَّةِ ) ) الْمُحَمَّدِيَّةِ الْمُفَضَّلَةِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ بِأَفْضَلِيَّةِ نَبِيِّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَفْضَلِيَّةِ مَا جَاءَ بِهِ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَالدِّينُ الْقَوِيمُ ، وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، فَيَكُونُ
nindex.php?page=treesubj&link=28811الصَّحَابَةُ أَفْضَلَ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ ، ( ( كَالصَّحَابَةِ ) ) الْكِرَامِ الَّذِينَ فَازُوا بِصُحْبَةِ خَيْرِ الْأَنَامِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ ، وَتَقَدَّمَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ تَعْرِيفُ الصَّحَابَةِ ، وَطَرِيقُ ثُبُوتِ الصُّحْبَةِ ، وَبَيَانُ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ ، وَبَيَانُ عِدَّتِهِمْ وَدَرَجَاتِهِمْ ، فَمُعْتَمَدُ الْقَوْلِ عِنْدَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28811الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كُلُّهُمْ عُدُولٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ الْمُعْتَبَرِينَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) قِيلَ : اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ ، لَكِنَّ الْخِلَافَ فِي التَّفَاسِيرِ مَشْهُورٌ ، وَرَجَّحَ كَثِيرٌ عُمُومَهَا فِي أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) وَهَذَا خِطَابٌ لِلْمَوْجُودِينَ حِينَئِذٍ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) الْآيَاتِ ، فَلَيْسَ فِي سَائِرِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِثْلُ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ ، ( ( فِي الْفَضْلِ ) ) بِشَاهِدِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025719لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ " . وَهَذَا وَإِنْ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ ، وَهُوَ مَا جَرَى بَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ، فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنَ الْخِطَابِ لِأَصْحَابِهِ ، فَإِنَّ الْمُرَادَ لَا يَسُبُّ غَيْرُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي ، وَلَا يَسُبُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ حُصُولِ السَّبِّ لَهُمْ مُطْلَقًا ، وَقَوْلُهُ : إِنَّ أَحَدَكُمْ بِالْخِطَابِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ جَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ يُنْزِلُ نَفْسَهُ مَنْزِلَتَهُمْ ، وَقَدْ يَأْتِي الْخِطَابُ لِقَوْمٍ تَعْرِيضًا بِغَيْرِهِمْ كَثِيرًا اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِنْهُ ، وَالنَّصِيفُ أَحَدُ اللُّغَاتِ الْأَرْبَعِ
[ ص: 378 ] فِي النِّصْفِ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ : نَصِفٌ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا وَنَصِيفٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَزِيَادَةِ الْيَاءِ ، وَالْمَعْنَى لَوْ أَنْفَقَ
أَحَدُكُمْ مِثْلَ
أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ ثَوَابُهُ فِي ذَلِكَ نَفَقَةَ أَصْحَابِي فِي مُدٍّ وَلَا نِصْفِ مُدٍّ ، لِأَنَّ إِنْفَاقَهُمْ كَانَ فِي نُصْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِمَايَتِهِ ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ بَعْدَهُ ، فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ أَفْضَلِيَّتَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا ، وَأَنَّ فَضِيلَةَ نَفَقَتِهِمْ عَلَى نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ بِاعْتِبَارِ ذَوَاتِهِمْ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027016خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - قَالَ عِمْرَانُ : فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً - ثُمَّ إِنَّ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ ، وَيُنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ - زَادَ فِي رِوَايَةٍ - ، وَيَحْلِفُونَ وَلَا يُسْتَحْلَفُونَ " . وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027017خَيْرُ أُمَّتِي الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " وَاللَّهُ أَعْلَمُ . أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لَا ، الْحَدِيثَ ، وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ ، وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنَحْوِهِ وَفِيهِ : وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لَا . وَأَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - .
وَأَخْرَجَ
التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=5078عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027018يُبْلِغُ الْحَاضِرُ الْغَائِبَ اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي ، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي ، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ ، وَمَنْ يَأْخُذْهُ اللَّهُ فَيُوشِكُ أَنْ لَا يُفْلِتَهُ " . وَأَخْرَجَ
التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027019إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَسُبُّونَ أَصْحَابِي فَقُولُوا : لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى شَرِّكُمْ " . وَأَخْرَجَ
مُسْلِمٌ عَنْ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027020أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ : يَا ابْنَ أُخْتِي أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَبُّوهُمْ . وَأَخْرَجَ
التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ
بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027021قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي يَمُوتُ بِأَرْضٍ إِلَّا بُعِثَ لَهُمْ نُورًا وَقَائِدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ
عُمَرَ بْنَ [ ص: 379 ] الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : "
سَأَلْتُ رَبِّي عَنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِي مِنْ بَعْدِي ، فَأَوْحَى إِلَيَّ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ أَصْحَابَكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ ، بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ ، وَلِكُلٍّ نُورٌ ، فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْءٍ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ فَهُوَ عِنْدِي عَلَى هُدًى " . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ " . ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ .
( ( وَ ) )
nindex.php?page=treesubj&link=28811لَيْسَ فِي الْأُمَّةِ كَالصَّحَابَةِ الْكِرَامِ فِي ( ( الْمَعْرُوفِ ) ) وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا عُرِفَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ ، وَكُلِّ مَا نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْهُ مِنَ الْمُحَسَّنَاتِ وَالْمُقَبَّحَاتِ ، وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ أَيْ أَمْرٍ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا رَأَوْهُ لَا يُنْكِرُونَهُ ، وَالْمَعْرُوفُ النَّصَفَةُ ، وَحُسْنُ الصُّحْبَةِ مَعَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ ، ضِدُّ الْمُنْكَرِ فِي ذَلِكَ جَمِيعِهِ وَفِي حَدِيثٍ : "
أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ " . أَيْ مَنْ بَذَلَ مَعْرُوفَهُ لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا آتَاهُ اللَّهُ جَزَاءَ مَعْرُوفِهِ فِي الْآخِرَةِ ، وَقِيلَ : أَرَادَ مَنْ بَذَلَ جَاهَهُ لِأَصْحَابِ الْجَرَائِمِ الَّتِي لَا تَبْلُغُ الْحُدُودَ فَيُشَفَّعُ فِيهِمْ شَفَّعَهُ اللَّهُ فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ فِي الْآخِرَةِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي مَعْنَى ذَلِكَ قَالَ : يَأْتِي أَصْحَابُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُغْفَرُ لَهُمْ بِمَعْرُوفِهِمْ ، وَتَبْقَى حَسَنَاتُهُمْ جَامَّةٌ ، فَيُعْطُونَهَا لِمَنْ زَادَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ ، فَيُغْفَرُ لَهُ ، وَيُدْخَلُ الْجَنَّةَ ، فَيَجْتَمِعُ لَهُمُ الْإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . وَلَا يَرْتَابُ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الْكِرَامَ هُمُ الَّذِينَ حَازُوا قَصَبَاتِ السَّبْقِ ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى مَعَالِي الْأُمُورِ مِنَ الْفَضْلِ وَالْمَعْرُوفِ وَالصِّدْقِ ، فَالسَّعِيدُ مَنِ اتَّبَعَ صِرَاطَهُمُ الْمُسْتَقِيمَ ، وَاقْتَفَى مَنْهَجَهُمُ الْقَوِيمَ ، وَالتَّعِيسُ مَنْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِمْ ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِتَحْقِيقِهِمْ ، فَأَيُّ خُطَّةِ رُشْدٍ لَمْ يَسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا ؟ وَأَيُّ خَصْلَةِ خَيْرٍ لَمْ يَسْبِقُوا إِلَيْهَا ؟ تَاللَّهِ لَقَدْ وَرَدُوا يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ عَذْبًا صَافِيًا زُلَالًا ، وَوَطَّدُوا قَوَاعِدَ الدِّينِ وَالْمَعْرُوفِ فَلَمْ يَدَعُوا لِأَحَدٍ بَعْدَهُمْ مَقَالًا ، فَتَحُوا الْقُلُوبَ بِالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالْإِيمَانِ ، وَالْقُرَى بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ وَبَذْلِ النُّفُوسِ النَّفِيسَةِ فِي مَرْضَاةِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ ، فَلَا مَعْرُوفَ إِلَّا مَا عَنْهُمْ عُرِفَ ، وَلَا بُرْهَانَ إِلَّا مَا بِعُلُومِهِمْ كُشِفَ ، وَلَا سَبِيلَ نَجَاةٍ إِلَّا مَا سَلَكُوهُ ، وَلَا خَيْرَ سَعَادَةٍ
[ ص: 380 ] إِلَّا مَا حَقَّقُوهُ وَحَكَوْهُ ، فَرِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مَا تَحَلَّتِ الْمَجَالِسُ بِنَشْرِ ذِكْرِهِمْ ، وَمَا تَنَمَّقَتِ الطُّرُوسُ بِعُرْفِ مَدْحِهِمْ وَشُكْرِهِمْ .
( ( وَ ) )
nindex.php?page=treesubj&link=28811لَيْسَ فِي الْأُمَّةِ أَيْضًا كَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ( ( الْإِصَابَةِ ) ) لِلْحُكْمِ الْمَشْرُوعِ وَالْهَدْيِ الْمَتْبُوعِ ، فَهُمْ أَحَقُّ الْأُمَّةِ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ ، وَأَجْدَرُ الْخَلْقِ بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : مَنْ كَانَ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ أَبَرُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا ، وَأَعْمَقُهَا عِلْمًا ، وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا ، وَأَقْوَمُهَا هَدْيًا ، وَأَحْسَنُهَا حَالًا ، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ ، وَإِقَامَةِ دِينِهِ ، فَاعْرَفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ ، وَاتَّبِعُوا آثَارَهُمْ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ . فَأَحَقُّ الْأُمَّةِ بِإِصَابَةِ الصَّوَابِ أَبَرُّهَا قُلُوبًا ، وَأَعْمَقُهَا عُلُومًا ، وَأَقْوَمُهَا هَدْيًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ .
وَرَوَى
أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَنَظَرَ قَلْبَ
مُحَمَّدٍ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَاخْتَارَهُمْ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ ، وَنُصْرَةِ دِينِهِ ، فَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ قَبِيحٌ .
فَخَيْرُ قُلُوبِ الْعِبَادِ أَحَقُّ الْخَلْقِ بِإِصَابَةِ الصَّوَابِ ، فَكُلُّ خَيْرٍ وَإِصَابَةٍ وَحِكْمَةٍ وَعِلْمٍ وَمَعَارِفَ وَمَكَارِمَ إِنَّمَا عُرِفَتْ لَدَيْنَا ، وَوَصَلَتْ إِلَيْنَا مِنَ الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ ، وَالسِّرْبِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ ، فَهُمُ الَّذِينَ نَقَلُوا الْعُلُومَ وَالْمَعَارِفَ عَنْ يَنْبُوعِ الْهُدَى وَمَنْبَعِ الِاهْتِدَا ، وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=143الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027024وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَتِّي ، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ " . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ ،
وَأَبُو دَاوُدَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ . قَالَ
التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَقَالَ الْحَافِظَ
أَبُو نُعَيْمٍ : حَدِيثٌ جَيِّدٌ صَحِيحٌ ، فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=22137_22136سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُتَّبَعَةٌ كَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ . وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ
حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027025كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُلُوسًا فَقَالَ : " إِنِّي [ ص: 381 ] لَا أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ ، فَاقْتَدُوا بِالَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي ، - وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ عَمَّارٍ ، وَمَا حَدَّثَكُمُ nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ " . وَفِي رِوَايَةٍ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027026وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ ، فَنَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ عُمْرِهِ عَلَى مَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ بَعْدِهِ ، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الَّذِينَ أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ هُمْ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3571سَفِينَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1027027الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا " . وَصَحَّحَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ ، فَكُلُّ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ ، أَوْ جَمَعَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيْهِ فَاجْتَمِعُوا فَهُوَ الْحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَلَوْ خَالَفَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ مَنْ خَالَفَ ، وَمِنْ ثَمَّ نَحْتَجُّ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ حَيْثُ لَا نَصَّ نَبَوِيَّ ، إِنْ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ مِثْلَهُ عَلَى مُعْتَمَدِ الْمَذْهَبِ ، وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12201أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ عَنْ
أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : "
مَثَلُ أَصْحَابِي مَثَلُ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلَّا بِالْمِلْحِ " .
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَرْتَابُ ذَوُو الْأَلْبَابِ مِنْ ذَوِي الْأَفَاضِلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الْكِرَامَ حَازُوا قَصَبَاتِ السَّبْقِ بِصُحْبَةِ خَيْرِ الْأَنَامِ ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى الْأَمَدِ ، فَلَا مَطْمَعَ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بَعْدَهُمْ فِي اللَّحَاقِ ، وَلَكِنَّ الْمُبْرِزَ مَنِ اتَّبَعَ صِرَاطَهُمُ الْمُسْتَقِيمَ ، وَاقْتَفَى مِنْهَاجَهُمُ الْقَوِيمَ ، وَالْمُتَخَلِّفَ مَنْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقَتِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ، فَذَاكَ الْمُنْقَطِعُ التَّائِهُ فِي بَيْدَاءِ الْمَهَالِكِ وَالضَّلَالِ . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
مَثَلُ أَصْحَابِي كَمَثَلِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ " . يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْمِلْحَ صَلَاحُ الطَّعَامِ فَأَصْحَابِي صَلَاحُ الْأَنَامِ ، قَالَ فِي ( إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ ) : كَمَا أَنَّ الْمِلْحَ بِهِ صَلَاحُ الطَّعَامِ ، فَالصَّوَابُ بِهِ صَلَاحُ الْأَنَامِ ، فَلَوْ أَخْطَأَ الصَّحَابَةُ فِيمَا أَفْتَوْا بِهِ لَاحْتَاجَ ذَلِكَ إِلَى مِلْحٍ يُصْلِحُهُ ، فَإِذَا أَفْتَى مَنْ بَعْدَهُمْ بِالْحَقِّ كَانَ قَدْ أَصْلَحَ خَطَأَهُمْ فَكَانَ مِلْحًا لَهُمْ . انْتَهَى . أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ هُمُ الْمِلْحُ الْمُصْلِحُ ، فَكَيْفَ يَكُونُ غَيْرُهُمْ مُصْلِحًا لَهُمْ ؟ فَهَذَا خَلْفٌ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ خُذُوا طَرِيقَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَوَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَقَمْتُمْ لَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا ، وَلَئِنْ تَرَكْتُمُوهُ يَمِينًا وَشِمَالًا لَقَدْ ضَلَلْتُمْ بَعِيدًا . قَالَ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ : وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ فِي غَيْرِ طَرِيقِ مَنْ سَبَقَ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ . وَقَالَ
[ ص: 282 ] فِيهِ أَيْضًا : مَنْ تَأَمَّلَ الْمَسَائِلَ الْفِقْهِيَّةَ ، وَالْحَوَادِثَ الْفَرْعِيَّةَ ، وَتَدَرَّبَ بِمَسَالِكِهَا ، وَتَصَرَّفَ فِي مَدَارِكِهَا وَسَلَكَ سُبُلَهَا ذُلُلًا ، وَارْتَوَى مِنْ مَوْرِدِهَا عَلَلًا وَنَهَلًا ، عَلِمَ قَطْعًا أَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا قَدْ يَشْتَبِهُ فِيهَا وُجُوهُ الرَّأْيِ ، بِحَيْثُ لَا يُوقَفُ فِيهَا بِظَاهِرٍ مُرَادٍ ، أَوْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ تَنْشَرِحُ لَهُ الصُّدُورُ ، وَيَنْثَلِجُ لَهُ الْفُؤَادُ ، بَلْ تَتَعَارَضُ فِيهَا الظَّوَاهِرُ وَالْأَقْيِسَةُ عَلَى وَجْهٍ يَقِفُ الْمُجْتَهِدُ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلظَّنِّ رُجْحَانٌ بَيِّنٌ ، لَا سِيَّمَا إِذَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ ، فَإِنَّ عُقُولَهُمْ مِنْ أَكْمَلِ الْعُقُولِ وَأَوْفَرِهَا ، فَإِذَا تَلَدَّدُوا وَتَوَقَّفُوا ، وَلَمْ يَتَقَدَّمُوا وَلَمْ يَتَأَخَّرُوا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةٌ وَاضِحَةٌ ، وَلَا حُجَّةٌ لَائِحَةٌ ، فَإِذَا وَجَدَ فِيهَا قَوْلًا لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ هُمْ سَادَاتُ الْأُمَّةِ ، وَقُدْوَةُ الْأَئِمَّةِ ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ، وَقَدْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ ، وَعَرَفُوا التَّأْوِيلَ ، وَنِسْبَةُ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْعِلْمِ إِلَيْهِمْ نِسْبَتُهُمْ إِلَيْهِمْ فِي الْفَضْلِ وَالدِّينِ ، كَانَ الظَّنُّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِأَنَّ الصَّوَابَ فِي وُجْهَتِهِمْ ، وَالْحَقُّ فِي جَانِبِهِمْ مِنْ أَقْوَى الظُّنُونِ ، وَهُوَ أَقْوَى مِنَ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَقْيِسَةِ ، هَذَا مِمَّا لَا يَمْتَرِي فِيهِ عَاقِلٌ مُنْصِفٌ ، وَكَانَ الرَّأْيُ الَّذِي يُوَافِقُ رَأْيَهُمْ هُوَ الرَّأْيُ السَّدِيدُ الَّذِي لَا رَأْيَ سِوَاهُ ، وَإِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِي الْحَادِثَةِ إِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ رَاجِحٌ ، وَلَوِ اسْتَنَدَ إِلَى اسْتِصْحَابٍ ، أَوْ قِيَاسِ عِلَّةٍ ، أَوْ دَلَالَةٍ ، أَوْ شَبَهٍ ، أَوْ عُمُومٍ ، أَوْ خُصُوصٍ ، أَوْ مَحْفُوظٍ مُطْلَقٍ ، أَوْ وَارِدٍ عَلَى سَبَبٍ ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الظَّنَّ الَّذِي يَحْصُلُ لَنَا بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي لَمْ يُخَالِفْ ، أَرْجَحُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الظُّنُونِ الْمُسْتَنِدَةِ إِلَى هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ أَكْثَرِهَا .
فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْلَى الْأُمَّةِ بِالْإِصَابَةِ فِيمَا ثَبَتَ عَنْهُمْ ، فَإِنَّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا أَبَرَّ قُلُوبًا ، وَأَعْمَقَ عِلْمًا ، وَأَقَلَّ تَكَلُّفًا ، وَأَقْرَبَ إِلَى أَنْ يُوَفَّقُوا إِلَى الصَّوَابِ مِنْ غَيْرِهِمْ ، لِمَا خَصَّهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ تَوَقُّدِ الْأَذْهَانِ ، وَفَصَاحَةِ اللِّسَانِ ، وَسِعَةِ الْعِلْمِ ، وَسُهُولَةِ الْأَخْذِ ، وَحُسْنِ الْإِدْرَاكِ وَسُرْعَتِهِ ، وَقِلَّةِ الْمُعَارِضِ أَوْ عَدِمِهِ ، وَحُسْنِ الْقَصْدِ ، وَتَقْوَى الرَّبِّ ، فَالْعَرَبِيَّةُ طَرِيقَتُهُمْ وَسَلِيقَتُهُمْ ، وَالْمَعَانِي الصَّحِيحَةُ مَرْكُوزَةٌ فِي فِطَرِهِمْ وَعُقُولِهِمْ ، وَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى النَّظَرِ فِي الْإِسْنَادِ ، وَأَحْوَالِ الرُّوَاةِ ، وَعِلَلِ الْحَدِيثِ ، وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، وَلَا إِلَى النَّظَرِ فِي قَوَاعِدَ الْأُصُولِ ، وَأَوْضَاعِ الْأُصُولِيِّينَ ، فَقَدْ أُغْنُوا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، فَلَيْسَ فِي حَقِّهِمْ إِلَّا أَمْرَانِ : أَحَدُهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا وَقَالَ
[ ص: 383 ] رَسُولُهُ كَذَا ، وَالثَّانِي مَعْنَاهُ كَذَا وَكَذَا ، وَهُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِهَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ ، وَأَحْظَى الْأُمَّةِ بِهِمَا ، فَقُوَاهُمْ مُتَوَافِرَةٌ مُجْتَمِعَةٌ عَلَيْهِمَا ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .