تنبيهات  
( الأول ) قد علمت أن هنا ثلاث صور : ( الأولى )  التفضيل بين الأنبياء والملائكة   ، وفي هذه ثلاثة أقوال : ( أحدها ) الأنبياء أفضل وعليه جمهور أهل الحق من أهل السنة وهو الصواب . ( الثاني ) الملائكة أفضل وهو قول  المعتزلة   ، واختاره من  الأشاعرة    أبو إسحاق الإسفرايني  ،   وأبو بكر الباقلاني  ،  والحاكم  ،  والحليمي  ،  وفخر الدين  في المعالم  وأبو شامة  ، واختار  فخر الدين  الأول في الأربعين وفي المحصل . ( الثالث ) الوقف عن القول بالتفضيل لأحد النوعين عن الآخر ، ومحل الخلاف على هذا القول في غير نبينا  محمد      - صلى الله عليه وسلم - ، أما هو فأفضل الخلق بلا خلاف لا يفضل عليه ملك مقرب ولا غيره كما ذكره غير واحد ممن حكى الخلاف  كالسيوطي  في الحبائك ،  والتاج السبكي  في منع الموانع ،  والسراج البلقيني  في منهج الأصلين ،  وبدر الدين الزركشي  ، ونقل   فخر الدين الرازي  الإجماع على ذلك وكأنه أراد إجماع أهل السنة .  
( الصورة الثانية )  التفاضل بين خواص الملائكة وأولياء البشر   ، وهم من عدا الأنبياء ، وهذه الصورة زعم بعضهم نفي الخلاف بأن خواص الملائكة أفضل ، ونقل  السعد التفتازاني  في شرح عقائد النسفي الإجماع على أن خواص الملائكة أفضل من أولياء البشر بعد الرسل والأنبياء ، وهذا مردود ومدخول ، فقد قدمنا أن معتمد القول عند علمائنا ومن وافقهم أن الأولياء أفضل من خواص الملائكة ، نعم  ابن عقيل  خالفهم في ذلك فقال : خواص الملائكة من  جبريل   وميكائيل   وإسرافيل   وعزرائيل ملك الموت   أفضل من الأولياء ، وقال : في القول بخلاف هذا شناعة عظيمة على قائله . كذا قال مع أنه هو نفسه صرح بأن الأنبياء والأولياء أفضل من الملائكة وصحح ذلك .  
( الصورة الثالثة )  التفضيل بين أولياء البشر وغير الخواص من الملائكة    [ ص: 401 ] وفي هذا قولان : ( أحدهما ) تفضيل جميع الملائكة على أولياء البشر ، وجزم به  ابن السبكي  في جمع الجوامع ، وذكر  البلقيني  في منهجه أنه قول أكثر العلماء ، والثاني تفضيل أولياء البشر على الملائكة ، وجزم به  الصفار  من  الحنفية   وهو المختار عندهم ، ومال  البلقيني  إلى بعضه ، وهو أنه قد يوجد من أولياء البشر من هو أفضل من غير الخواص من الملائكة ، وقال قوم من أهل السنة : إن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة ، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة ، وذهب آخرون إلى أن الملأ الأعلى مفضلون على سكان الأرض ، وفصل جماعة من محققي  الماتريدية   ومن وافقهم فقالوا : رسل البشر  كموسى      - عليه الصلاة والسلام - أفضل من رسل الملائكة  كجبريل      - عليه السلام - ، ورسل الملائكة  كإسرافيل      - عليه السلام - أفضل من عامة البشر وهم أولياؤهم غير الأنبياء  كأبي بكر  وعمر     - رضي الله عنهما - ، وعامة البشر كأوليائهم غير الأنبياء أفضل من عامة الملائكة وهم غير الرسل منهم كحملة العرش والكروبيين .  
وهذا نحو ما حكينا عن  ابن عقيل  ، واحتج أهل التفضيل بالإجماع ، وقد علمت أنه مدخول بل ادعوا فيه الضرورة ، واحتجوا على تفضيل رسل البشر على رسل الملائكة وعامة البشر على عامة الملائكة بوجوه سنذكرها ، ونقل  البلقيني  في منهج الأصلين أن المختار عند  الحنفية   أن خواص البشر وهم الرسل أفضل من جملة الملائكة ، والملائكة الخواص أفضل من الأنبياء غير المرسلين ، والأنبياء أفضل من غير الخواص من الملائكة ، قال : ومنهم من وقف في التفضيل بين صالحي البشر والملائكة .  
كذا قال والحق المعتمد عندهم أن خواص البشر كالأنبياء أفضل من خواص الملائكة كرسلهم ، وخواص الملائكة كرسلهم أفضل من عوام البشر كالأولياء ، وعوام البشر أفضل من عوام الملائكة وهم غير الرسل منهم ، والله أعلم .  
				
						
						
