الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء

( ( وكن مطيعا أمره فيما أمر ما لم يكن بمنكر فيحتذر ) )



( ( و ) ) إذا عقدت له الإمامة فصار إماما للمسلمين فـ ( ( كن مطيعا ) ) أنت وسائر رعيته ( ( أمره فيما ) ) أي في الشيء الذي ( ( أمر ) ) به إن كان طاعة ، والحاصل أن طاعته تجب في الطاعة وتسن في المسنون وتكره في المكروه ، فإذا أمر بمعروف وجب امتثال أمره ( ( ما لم يكن ) ) أمره ( ( بـ ) ) شيء ( ( منكر ) ) ضد المعروف ، ( ( فـ ) ) لا يطاع في ذلك بل ( ( يحتذر ) ) ويجتنب فلا تجب طاعته في المعصية ، بل تحرم إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في صدر كتابه السياسة الشرعية : ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه أنه قال : " إن الله يرضى ثلاثا : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه أمركم " . قال : وآية الأمراء في كتاب الله تعالى هي قوله : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) [ ص: 426 ] قال : نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور وعليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ، ونزلت الآية الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك ، إلا أن يأمروا بمعصية الله تعالى فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وإن لم يفعل ولاة الأمور ذلك أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله ، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله ، وأعينوا على البر والتقوى ولا يعاونون على الإثم والعدوان ، فعلى ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل .

فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين " . رواه الحاكم في صحيحه ، وفي رواية : " من قلد رجلا عملا من عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين " ، وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين . والله تعالى الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية