( ( هدية مني لأرباب السلف مجانبا للخوض من أهل الخلف ) )
( ( خذها هديت واقتفي نظامي تفز بما أملت والسلام ) )
ولما كان نظم هذه العقيدة بسؤال بعض أصحابنا
النجديين ، وأنها ما نحاه السلف من الأثريين قال عند تمام إنجاح السؤال : هذه العقيدة الأثرية المفيدة ( ( هدية ) ) مهداة وعطية مؤداة ( ( مني ) ) بعون الله وتوفيق من لا ينبغي الرشد من سواه ، ( ( لأرباب ) ) جمع رب بمعنى صاحب طريقة ( ( السلف ) ) وعقيدة أهل الأثر ممن درج على الحق وسلف حال كوني ( ( مجانبا ) ) في أصل نظمي لها ، وتضميني إياها أقوال السلف وعقائد أهل الآثار ( ( للخوض ) ) في التأويل والتعمق في صرف آيات التنزيل عن مقتضاها الثابت ومعناها الظاهر المؤيد بالسنة السنية والأحاديث النبوية ، والأخبار السلفية والآثار الأثرية إلى غير محاملها من غير دليل نبوي ولا إذن شرعي مما هو دأب المتنطعين ( ( من أهل ) ) مذهب ( ( الخلف خذها ) ) أي هذه العقيدة ( ( هديت ) ) - بضم
[ ص: 469 ] الهاء وكسر الدال المهملة - على صيغة ما لم يسم فاعله أي هداك الله أيها الأثري والمتبع في اعتقادي أثري ، ( ( واقتف ) ) أي اتبع ( ( نظامي ) ) في هذه العقيدة السلفية التي هي بأمهات مسائل عقائد السلف وفية ، فإنك إن فعلت ( ( تفز ) ) أي تظفر ( ( بما ) ) أي بالذي ( ( أملت ) ) من نيل الفلاح ودرك النجاح ، قال في القاموس : الفوز النجاح والظفر بالخير ، والأمل الرجاء يقال أمله أملا وأمله تأميلا رجاه .
( ( و ) ) تظفر أيضا بـ ( ( السلام ) ) أي الأمان من التخليط الجدلي والتخبيط الكلامي ، وما ينشأ عن ذلك من حزازات الصدور ووساويس الأفكار وتصعب الأمور ، ومعنى السلامة لغة الأمان ، قال العلماء :
nindex.php?page=treesubj&link=28723السلام من أسماء الله تعالى ، فمعنى السلام عليك اسم الله عليك وسلم الله عليك . وقال
العلامة أبو بكر بن أبي داود في التحفة في معنى اسمه تعالى السلام : قيل معناه ذو السلامة من كل عيب ونقيصة ، فيكون من أسماء التنزيه ، وقيل :
مالك تسليم العباد من المهالك فيرجع إلى القدرة ، ذو السلام على المؤمنين في الجنان فيرجع إلى الكلام الأزلي ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سلام قولا من رب رحيم ) ، قال : وحظ العبد من هذا الاسم أن يسلم من الغش والحقد والحسد ومن كل رذيلة .
وهذا آخر ما قصدت إيراده في منظومتي المسماة بالدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية ، وأنا أتوسل إليه تعالى بلسان الافتقار ، وأتذلل إليه بجنان الذل والاحتقار ، وأتضرع بجوارح العجز والانكسار ، وأتشفع بحرمة النبي المختار ، وآله الأطهار ، وأصحابه الأخيار ، وأصهاره الأبرار ، وسائر المهاجرين والأنصار ، وبجميع الأنبياء والمرسلين ، وبالملائكة المقربين ، وبالعلماء العاملين ، وأهل المعرفة والمتقين أن يجعل هذا الشرح خالصا لوجهه الكريم ، وسببا في الفوز لديه في جنات النعيم ، وأن ينظر إلي وإلى من كتبه وقرأه وأقرأه بعين العناية ، وأن يحفظني وأهل بيتي وإخواني من كل ضلالة وغواية ، وأن ينفع به من كتبه وقرأه وفهمه ووعاه ، إنه جواد كريم ، رءوف رحيم ، وصلى الله على سيدنا
محمد سيد المرسلين ، وآله وصحبه وأمته الغر المحجلين ، وكافة من دعا لنا بخير يا رب العالمين .
[ ص: 470 ] خاتمة الطبع
قد تم بحمد الله تعالى طبع الجزء الثاني من كتاب لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرر المضية في عقد الفرقة المرضية ، كلاهما للشيخ العلامة
محمد بن أحمد السفاريني وبتمامه تم الكتاب والحمد له رب العالمين .
( ( هَدِيَّةٌ مِنِّي لِأَرْبَابِ السَّلَفْ مُجَانِبًا لِلْخَوْضِ مِنْ أَهْلِ الْخَلَفْ ) )
( ( خُذْهَا هُدِيتَ وَاقْتَفِي نِظَامِي تَفُزْ بِمَا أَمَّلْتَ وَالسَّلَامِ ) )
وَلَمَّا كَانَ نَظْمُ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ بِسُؤَالِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا
النَّجْدِيِّينَ ، وَأَنَّهَا مَا نَحَاهُ السَّلَفُ مِنَ الْأَثَرِيِّينَ قَالَ عِنْدَ تَمَامِ إِنْجَاحِ السُّؤَالِ : هَذِهِ الْعَقِيدَةُ الْأَثَرِيَّةُ الْمُفِيدَةُ ( ( هَدِيَّةٌ ) ) مُهْدَاةٌ وَعَطِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ ( ( مِنِّي ) ) بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِ مَنْ لَا يَنْبَغِي الرُّشْدُ مِنْ سِوَاهُ ، ( ( لِأَرْبَابِ ) ) جَمْعُ رَبٍّ بِمَعْنَى صَاحِبِ طَرِيقَةِ ( ( السَّلَفِ ) ) وَعَقِيدَةِ أَهْلِ الْأَثَرِ مِمَّنْ دَرَجَ عَلَى الْحَقِّ وَسَلَفَ حَالَ كَوْنِي ( ( مُجَانِبًا ) ) فِي أَصْلِ نَظْمِي لَهَا ، وَتَضْمِينِي إِيَّاهَا أَقْوَالَ السَّلَفِ وَعَقَائِدَ أَهْلِ الْآثَارِ ( ( لِلْخَوْضِ ) ) فِي التَّأْوِيلِ وَالتَّعَمُّقِ فِي صَرْفِ آيَاتِ التَّنْزِيلِ عَنْ مُقْتَضَاهَا الثَّابِتِ وَمَعْنَاهَا الظَّاهِرِ الْمُؤَيَّدِ بِالسُّنَّةِ السَّنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ ، وَالْأَخْبَارِ السَّلَفِيَّةِ وَالْآثَارِ الْأَثَرِيَّةِ إِلَى غَيْرِ مَحَامِلِهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ نَبَوِيٍّ وَلَا إِذْنٍ شَرْعِيٍّ مِمَّا هُوَ دَأْبُ الْمُتَنَطِّعِينَ ( ( مِنْ أَهْلِ ) ) مَذْهَبِ ( ( الْخَلَفِ خُذْهَا ) ) أَيْ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ ( ( هُدِيتَ ) ) - بِضَمِّ
[ ص: 469 ] الْهَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - عَلَى صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ أَيْ هَدَاكَ اللَّهُ أَيُّهَا الْأَثَرِيُّ وَالْمُتَّبِعُ فِي اعْتِقَادِي أَثَرِي ، ( ( وَاقْتَفِ ) ) أَيِ اتَّبِعْ ( ( نِظَامِي ) ) فِي هَذِهِ الْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ الَّتِي هِيَ بِأُمَّهَاتِ مَسَائِلِ عَقَائِدِ السَّلَفِ وَفِيَّةٌ ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ( ( تَفُزْ ) ) أَيْ تَظْفَرْ ( ( بِمَا ) ) أَيْ بِالَّذِي ( ( أَمَّلْتَ ) ) مِنْ نَيْلِ الْفَلَاحِ وَدَرْكِ النَّجَاحِ ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الْفَوْزُ النَّجَاحُ وَالظَّفَرُ بِالْخَيْرِ ، وَالْأَمَلُ الرَّجَاءُ يُقَالُ أَمَلَهُ أَمَلًا وَأَمَّلَهُ تَأْمِيلًا رَجَاهُ .
( ( وَ ) ) تَظْفَرْ أَيْضًا بِـ ( ( السَّلَامِ ) ) أَيِ الْأَمَانِ مِنَ التَّخْلِيطِ الْجَدَلِيِّ وَالتَّخْبِيطِ الْكَلَامِيِّ ، وَمَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ حَزَازَاتِ الصُّدُورِ وَوَسَاوِيسِ الْأَفْكَارِ وَتَصَعُّبِ الْأُمُورِ ، وَمَعْنَى السَّلَامَةِ لُغَةً الْأَمَانُ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28723السَّلَامُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَمَعْنَى السَّلَامُ عَلَيْكَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ . وَقَالَ
الْعَلَّامَةُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي التُّحْفَةِ فِي مَعْنَى اسْمِهِ تَعَالَى السَّلَامِ : قِيلَ مَعْنَاهُ ذُو السَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَنَقِيصَةٍ ، فَيَكُونُ مِنْ أَسْمَاءِ التَّنْزِيهِ ، وَقِيلَ :
مَالِكُ تَسْلِيمِ الْعِبَادِ مِنَ الْمَهَالِكِ فَيَرْجِعُ إِلَى الْقُدْرَةِ ، ذُو السَّلَامِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجِنَانِ فَيَرْجِعُ إِلَى الْكَلَامِ الْأَزَلِيِّ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) ، قَالَ : وَحَظُّ الْعَبْدِ مِنْ هَذَا الِاسْمِ أَنْ يَسْلَمَ مِنَ الْغِشِّ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَمِنْ كُلِّ رَذِيلَةٍ .
وَهَذَا آخَرُ مَا قَصَدْتُ إِيرَادَهُ فِي مَنْظُومَتِي الْمُسَمَّاةِ بِالدُّرَّةِ الْمُضِيَّةِ فِي عَقْدِ أَهْلِ الْفِرْقَةِ الْمَرْضِيَّةِ ، وَأَنَا أَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ تَعَالَى بِلِسَانِ الِافْتِقَارِ ، وَأَتَذَلَّلُ إِلَيْهِ بِجَنَانِ الذُّلِّ وَالِاحْتِقَارِ ، وَأَتَضَرَّعُ بِجَوَارِحِ الْعَجْزِ وَالِانْكِسَارِ ، وَأَتَشَفَّعُ بِحُرْمَةِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ ، وَآلِهِ الْأَطْهَارِ ، وَأَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ ، وَأَصْهَارِهِ الْأَبْرَارِ ، وَسَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَبِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ، وَبِالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ ، وَبِالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ ، وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالْمُتَّقِينَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الشَّرْحَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ ، وَسَبَبًا فِي الْفَوْزِ لَدَيْهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَأَنْ يَنْظُرَ إِلَيَّ وَإِلَى مَنْ كَتَبَهُ وَقَرَأَهُ وَأَقْرَأَهُ بِعَيْنِ الْعِنَايَةِ ، وَأَنْ يَحْفَظَنِي وَأَهْلَ بَيْتِي وَإِخْوَانِي مِنْ كُلِّ ضَلَالَةٍ وَغَوَايَةٍ ، وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ مَنْ كَتَبَهُ وَقَرَأَهُ وَفَهِمَهُ وَوَعَاهُ ، إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ ، رَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأُمَّتِهِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ ، وَكَافَّةِ مَنْ دَعَا لَنَا بِخَيْرٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
[ ص: 470 ] خَاتِمَةُ الطَّبْعِ
قَدْ تَمَّ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى طَبْعُ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ لَوَامِعِ الْأَنْوَارِ الْبَهِيَّةِ وَسَوَاطِعُ الْأَسْرَارِ الْأَثَرِيَّةِ لِشَرْحِ الدُّرَرِ الْمُضِيَّةِ فِي عَقْدِ الْفِرْقَةِ الْمَرْضِيَّةِ ، كِلَاهُمَا لِلشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ
مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السَّفَارِينِيِّ وَبِتَمَامِهِ تَمَّ الْكِتَابُ وَالْحَمْدُ لَهُ رَبِّ الْعَالَمِينَ .