فصل 
فحصل الترجيح لرواية من روى القران لوجوه عشرة . 
أحدها : أنهم أكثر كما تقدم . 
الثاني : أن طرق الإخبار بذلك تنوعت كما بيناه . 
الثالث : أن فيهم من أخبر عن سماعه ولفظه صريحا ، وفيهم من أخبر عن إخباره عن نفسه بأنه فعل ذلك وفيهم من أخبر عن أمر ربه له بذلك ولم يجئ شيء من ذلك في الإفراد . 
الرابع : تصديق روايات من روى أنه اعتمر أربع عمر لها . 
الخامس : أنها صريحة لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الإفراد . 
السادس : أنها متضمنة زيادة سكت عنها أهل الإفراد أو نفوها ، والذاكر  [ ص: 127 ] الزائد مقدم على الساكت ، والمثبت مقدم على النافي . 
السابع : أن رواة الإفراد أربعة :  عائشة  ،  وابن عمر  ، وجابر  ،  وابن عباس  ، والأربعة رووا القران ، فإن صرنا إلى تساقط رواياتهم ، سلمت رواية من عداهم للقران عن معارض ، وإن صرنا إلى الترجيح ، وجب الأخذ برواية من لم تضطرب الرواية عنه ، ولا اختلفت كالبراء  ، وأنس  ،  وعمر بن الخطاب  ،  وعمران بن حصين  ، وحفصة  ، ومن معهم ممن تقدم . 
الثامن : أنه النسك الذي أمر به من ربه ، فلم يكن ليعدل عنه . 
التاسع : أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدي ، فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدي ، ثم يسوق هو الهدي ويخالفه . 
العاشر : أنه النسك الذي أمر به آله وأهل بيته ، واختاره لهم ، ولم يكن ليختار لهم إلا ما اختار لنفسه . 
وثمت ترجيح حادي عشر ، وهو قوله : ( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة  ) ، وهذا يقتضي أنها قد صارت جزءا منه ، أو كالجزء الداخل فيه ، بحيث لا يفصل بينها وبينه ، وإنما تكون مع الحج كما يكون الداخل في الشيء معه . 
وترجيح ثاني عشر : وهو قول  عمر بن الخطاب   - رضي الله عنه - للصبي بن معبد  وقد أهل بحج وعمرة ، فأنكر عليه  زيد بن صوحان  ، أو سلمان بن ربيعة  ، فقال له عمر   : هديت لسنة نبيك محمد   - صلى الله عليه وسلم ، وهذا يوافق رواية عمر  عنه - صلى الله عليه وسلم - أن الوحي جاءه من الله بالإهلال بهما جميعا ، فدل على أن القران سنته التي فعلها  ، وامتثل أمر الله له بها . 
وترجيح ثالث عشر : أن القارن تقع أعماله عن كل من النسكين ، فيقع  [ ص: 128 ] إحرامه وطوافه وسعيه عنهما معا ، وذلك أكمل من وقوعه عن أحدهما ، وعمل كل فعل على حدة . 
وترجيح رابع عشر : وهو أن النسك الذي اشتمل على سوق الهدي أفضل بلا ريب من نسك خلا عن الهدي . فإذا قرن ، كان هديه عن كل واحد من النسكين ، فلم يخل نسك منهما عن هدي ، ولهذا - والله أعلم - أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ساق الهدي أن يهل بالحج والعمرة معا ، وأشار إلى ذلك في المتفق عليه من حديث البراء بقوله : " إني سقت الهدي وقرنت  " . 
وترجيح خامس عشر : وهو أنه قد ثبت أن التمتع أفضل من الإفراد  لوجوه كثيرة ، منها : أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بفسخ الحج إليه ، ومحال أن ينقلهم من الفاضل إلى المفضول الذي هو دونه ، ومنها : أنه تأسف على كونه لم يفعله بقوله : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة  ) . 
ومنها : أنه أمر به كل من لم يسق الهدي . 
ومنها : أن الحج الذي استقر عليه فعله وفعل أصحابه القران لمن ساق الهدي ، والتمتع لمن لم يسق الهدي ، ولوجوه كثيرة غير هذه ، والمتمتع إذا ساق الهدي ، فهو أفضل من متمتع اشتراه من مكة  ، بل في أحد القولين : لا هدي إلا ما جمع فيه بين الحل والحرم . فإذا ثبت هذا ، فالقارن السائق أفضل من متمتع لم يسق ، ومن متمتع ساق الهدي لأنه قد ساق من حين أحرم ، والمتمتع إنما يسوق الهدي من أدنى الحل ، فكيف يجعل مفرد لم يسق هديا ، أفضل من متمتع ساقه من أدنى الحل ؟ فكيف إذا جعل أفضل من قارن ساقه من الميقات ، وهذا بحمد الله واضح . 
				
						
						
