فصل
وأما من قال : إنه ، وظن أنه بذلك تجتمع الأحاديث ، فعذره أنه رأى أحاديث إفراده بالحج صحيحة ، فحملها على ابتداء إحرامه ، ثم إنه أتاه آت من ربه تعالى فقال : قل : عمرة في حجة ، فأدخل العمرة حينئذ على الحج ، فصار قارنا ؛ ولهذا قال لبى بالحج وحده ، ثم أدخل عليه العمرة : " للبراء بن عازب " ، فكان مفردا في ابتداء إحرامه ، قارنا في أثنائه ، وأيضا فإن أحدا لم يقل إنه أهل بالعمرة ، ولا لبى بالعمرة ، ولا أفرد العمرة ، ولا قال : خرجنا لا ننوي إلا العمرة ، بل قالوا : أهل بالحج ، ولبى بالحج ، وأفرد الحج ، وخرجنا لا ننوي إلا الحج ، وهذا يدل على أن الإحرام وقع أولا بالحج ، ثم جاءه الوحي من ربه تعالى بالقران ، فلبى بهما فسمعه إني سقت الهدي وقرنت أنس يلبي بهما ، وصدق وسمعته ، عائشة ، وابن عمر وجابر يلبي بالحج وحده أولا وصدقوا .
قالوا : وبهذا تتفق الأحاديث ، ويزول عنها الاضطراب .
وأرباب هذه المقالة لا يجيزون ، ويرونه لغوا ، [ ص: 143 ] ويقولون : إن ذلك خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره . قالوا : ومما يدل على ذلك : أن إدخال العمرة على الحج قال : لبى بالحج وحده ، ابن عمر وأنس قال : أهل بهما جميعا ، وكلاهما صادق فلا يمكن أن يكون إهلاله بالقران سابقا على إهلاله بالحج وحده ؛ لأنه إذا أحرم قارنا ، لم يمكن أن يحرم بعد ذلك بحج مفرد ، وينقل الإحرام إلى الإفراد ، فتعين أنه أحرم بالحج مفردا ، فسمعه ، ابن عمر ، وعائشة وجابر ، فنقلوا ما سمعوه ، ثم أدخل عليه العمرة ، فأهل بهما جميعا لما جاءه الوحي من ربه ، فسمعه أنس يهل بهما ، فنقل ما سمعه ، ثم أخبر عن نفسه بأنه قرن ، وأخبر عنه من تقدم ذكره من الصحابة بالقران ، فاتفقت أحاديثهم ، وزال عنها الاضطراب والتناقض .
قالوا : ويدل عليه قول : عائشة : فأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحج وأهل به ناس معه عائشة . فهذا يدل على أنه كان مفردا في ابتداء إحرامه ، فعلم أن قرانه كان بعد ذلك . خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليهل ، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل ) . قالت
ولا ريب أن في هذا القول من مخالفة الأحاديث المتقدمة ، ودعوى التخصيص للنبي - صلى الله عليه وسلم - بإحرام لا يصح في حق الأمة ما يرده ويبطله ، ومما يرده أن أنسا قال : . صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالبيداء ، ثم ركب ، وصعد جبل البيداء ، وأهل بالحج والعمرة حين صلى الظهر
وفي حديث عمر ، أن الذي جاءه من ربه قال له : " " . فكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالذي روى صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة عمر أنه أمر به ، وروى أنس أنه فعله سواء ، فصلى الظهر بذي الحليفة ، ثم قال : " لبيك حجا وعمرة " .