فلما فرغ من صلاته ، ركب حتى أتى الموقف ، فوقف في ذيل الجبل عند الصخرات ، واستقبل القبلة ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، وكان على بعيره فأخذ في الدعاء ، والتضرع ، والابتهال إلى غروب الشمس ، وأمر الناس أن يرفعوا عن بطن عرنة  ، وأخبر أن عرفة  لا تختص بموقفه ذلك ، بل قال : " وقفت هاهنا وعرفة  كلها موقف   ". 
وأرسل إلى الناس أن يكونوا على مشاعرهم ، ويقفوا بها ، فإنها من إرث  [ ص: 218 ] أبيهم إبراهيم  ، وهنالك أقبل ناس من أهل نجد  ، فسألوه عن الحج ، فقال :" الحج عرفة ، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع ، تم حجه ، أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين ، فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه  ". 
وكان في دعائه رافعا يديه إلى صدره كاستطعام المسكين ، وأخبرهم أن خير الدعاء دعاء يوم عرفة . 
وذكر من دعائه - صلى الله عليه وسلم - في الموقف : اللهم لك الحمد كالذي نقول ، وخيرا مما نقول ، اللهم لك صلاتي ، ونسكي ، ومحياي ، ومماتي ، وإليك مآبي ، ولك ربي تراثي ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، ووسوسة الصدر ، وشتات الأمر ، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح  " ذكره  الترمذي   . 
 [ ص: 219 ] ومما ذكر من دعائه هناك :" اللهم تسمع كلامي ، وترى مكاني ، وتعلم سري وعلانيتي ، لا يخفى عليك شيء من أمري ، أنا البائس الفقير ، المستغيث ، المستجير ، والوجل المشفق المقر المعترف بذنوبي ، أسألك مسألة المسكين ، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير ، من خضعت لك رقبته ، وفاضت لك عيناه ، وذل جسده ، ورغم أنفه لك ، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا ، وكن بي رءوفا رحيما ، يا خير المسئولين ، ويا خير المعطين  ". ذكره  الطبراني   . 
وذكر  الإمام أحمد   : من حديث  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه عن جده قال كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة   : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير  ". 
وذكر  البيهقي  من حديث علي   - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أكثر دعائي ودعاء الأنبياء من قبلي بعرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي صدري نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا ، اللهم اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، وأعوذ بك من وسواس الصدر ، وشتات الأمر ، وفتنة القبر ، اللهم إني أعوذ بك  [ ص: 220 ] من شر ما يلج في الليل ، وشر ما يلج في النهار ، وشر ما تهب به الرياح وشر بوائق الدهر  ) . 
وأسانيد هذه الأدعية فيها لين . 
وهناك أنزلت عليه : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا   ) [ المائدة 3 ] . 
				
						
						
