( فصل )
وأما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=3435غطى رأسه بشيء منفصل عنه فهو أقسام : -
[ ص: 57 ] أحدها : أن يستظل بسقف في بيت أو سوق أو مسجد ، أو غير ذلك ، أو يستظل بخيمة أو فسطاط ، أو نحوهما ، أو يستظل بشجرة ونحوها ، ونحو ذلك فهذا جائز ، قال
أحمد - في رواية
حنبل - : لا يستظل على المحمل ، ويستظل بالفازة . والخيمة هي بمنزلة البيت .
ونص على أنه لو جلس تحت خيمة أو سقف جاز . وليس اجتناب ذلك من البر ، كما كان أهل الجاهلية يفعلونه لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى ) فروى
أحمد ، ثنا
عبد الرزاق ، ثنا
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري قال : "
كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء ، يتحرجون من ذلك ، فكان الرجل يخرج مهلا بالعمرة ، فتبدو له الحاجة بعدما يخرج من بيته ، فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف البيت أن يحول بينه وبين السماء ، فيقتحم الجدار من ورائه ، ثم يقوم في حجرته ، فيأمر بحاجته ، فتخرج إليه من بيته حتى بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل زمن الحديبية [ ص: 58 ] بالعمرة ، فدخل حجرته ، فدخل على أثره رجل من الأنصار من بني سلمة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - إني أحمس ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : وكانت الحمس لا يبالون ذلك ، فقال الأنصاري : وأنا أحمس ، يقول : وأنا على دينك ، فأنزل الله - عز وجل - : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ) .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب قال : "نزلت هذه الآية فينا ؛ كانت
الأنصار إذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا من قبل أبواب البيوت ، فجاء رجل من
الأنصار فدخل من قبل بابه ، وكأنه عير بذلك ، فنزلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها ) متفق عليه .
وفي رواية صحيحة -
لأحمد عن
البراء قال : "كانوا في الجاهلية إذا أحرموا : أتوا البيوت من ظهورها ، ولم يأتوها من أبوابها ، فنزلت هذه الآية " .
[ ص: 59 ] وروي عن
قيس بن جرير قال : "
كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيتا من بابه ولكن من ظهره فبينا النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض حيطان بني النجار ، وكانت الحمس يدخلون البيوت من أبوابها ، فلما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الحائط من بابه تبعه رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن تابوت ، قالوا : يا رسول الله إن رفاعة منافق حيث دخل هذا الحائط من بابه ، فقال : يا رفاعة ما حملك على ما صنعت ، قال : يا رسول الله رأيتك دخلت ، فدخلت ، فقال : إنك لست مثلي أنا من الحمس ، وأنت ليس منهم ، قال : يا رسول الله إن كنت من الحمس فإن ديننا واحد ، فنزلت : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189بأن تأتوا البيوت من ظهورها ) إلى آخر الآية .
[ ص: 60 ] وقد روى
جابر في
nindex.php?page=treesubj&link=25310صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015363أمر بقبة من شعر تضرب بنمرة فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له " رواه
مسلم .
وكان هو وأصحابه . . . .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=4891عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : " حججت مع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فما رأيته ضرب فسطاطا حتى رجع ، قال : فقلت له : كيف كان يصنع ، قال : كان يستظل بالنطع والكساء " رواه
أحمد .
وسواء طال زمان ذلك أو قصر ؛ لأن هذا يقصد به جمع الرحل والمتاع دون مجرد الاستظلال .
وحقيقة الفرق : أن هذا شيء ثابت بنفسه لا يستدام في حال السير والمكث .
الثاني : المحمل والعمارية والقبة والهودج ونحو ذلك مما يصنع على
[ ص: 61 ] الإبل وغيرها من المراكب لأجل الاستظلال شفعا كانت أو وترا : فهذا إذا كان متجافيا عن رأسه فالمشهور عن
أحمد الكراهة . وعنه لا بأس به ذكرها
ابن أبي موسى ؛ لأن المنع من
nindex.php?page=treesubj&link=3487الاستظلال والبروز للسماء إنما كان يعتقده برا أهل الجاهلية كما تقدم عنهم ، وقد رد الله ذلك كما تقدم .
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015364لما رأى أبا إسرائيل قائما في الشمس سأل عنه فقيل : نذر أن يقوم ولا يتكلم ، ولا يستظل ، ويصوم قال : مروه فليقعد وليستظل وليتكلم ، وليتم صومه " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الضحى للشمس مثل الصمت والقيام ليس مشروعا ، ولا مسنونا ولا بر فيه .
وأيضا : فليس في المنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع ، فوجب أن يبقى على أصل الإباحة .
وأيضا : فإنه يجوز له الاستظلال بالخيمة والسقف والشجر وغير ذلك وهذا في معناه ، ولا يقال : هذه الأشياء المقصود بها جمع المتاع فإنه لو دخل البيت
[ ص: 62 ] لقصد الاستظلال ، أو
nindex.php?page=treesubj&link=3487نصب له خيمة لمجرد الاستظلال ، جاز بلا تردد ، وقد احتجوا على ذلك بما روت
أم الحصين قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015365حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع ، فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرةالعقبة " رواه
مسلم nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، وعنده أن الآخذ بالخطام
بلال ، والمظلل بالثوب
أسامة .
وفي رواية
لأحمد nindex.php?page=hadith&LINKID=16015366حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف - وهو على راحلته - ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به ، والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظله من الشمس ، قالت : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولا كثيرا ، ثم سمعته يقول : "إن أمر عليكم عبد مجدع - حسبتها قالت أسود - يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا " .
فإن قيل : هذا التظليل إن كان يوم النحر ففيه مستدل ، وإن كان في أحد أيام
منى : فلا حجة فيه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حل من إحرامه يوم النحر ، وليس فيه بيان أن ذلك كان يوم النحر ، بل فيه ما يشعر أنه كان في أيام
منى ، لأن الجمرة ترمى أيام
منى بعد الزوال حين اشتداد الحر ، فأما يوم النحر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رماها ضحى ، وليس ذلك الوقت للشمس حر يحتاج إلى تظليل .
[ ص: 63 ] قيل : قد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015367كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهبا راجعا " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وصححه ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=hadith&LINKID=16015368عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة - بعد يوم النحر - ماشيا ذاهبا وراجعا ، ويخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك " ورواه
أحمد ، فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015369كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبا وسائر ذلك ماشيا ، ويخبرهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك " .
ففي هذا : ما يدل أن ذلك الرمي كان يوم النحر ، لأنه كان راكبا ، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يفض من جمع حتى كادت الشمس تطلع ، وما بين أن يفيض إلى أن يجيء إلى جمرة
العقبة يصير للشمس مس وحر ، فإن حجته - صلى الله عليه وسلم - كانت في . . . ويبين ذلك . . . وقد أخبرت
أم حصين أنه خطب عند جمرة
العقبة ، وإنما خطب عند جمرة
العقبة يوم النحر ، وتخصيصها جمرة
العقبة دون غيرها دليل على أنه إنما رماها إذ لو كان . . . لكن التظليل - والله
[ ص: 64 ] أعلم - إنما كان حين الانصراف من رميها وحينئذ فقد حل وجاز له الحلاق .
ووجه المشهور : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه معه - وخلفاءه من بعده والتابعين لهم بإحسان إنما حجوا ضاحين بارزين لم يتخذوا محملا ولا قبة ولا ظلة - على ظهور الدواب وقد قال : النبي - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015198لتأخذوا عني مناسككم " ولهذا عد السلف هذا بدعة ، والضحى للمحرم أمر مسنون بلا . . . .
وقد روي عن
جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015370ما من محرم يضحى لله يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه .
وقد كانوا في أول الإسلام يسرفون في البروز والضحى حتى يمتنع أحدهم من الدخول من الباب مبالغة في الامتناع من تخمير الرأس ، ثم إن الله سبحانه نهاهم عن الدخول من ظهور البيوت ، وأمرهم بالدخول من أبوابها ، ولم يعب عليهم أصل الضحى والبروز ، فعلم أنه سبحانه أقرهم على ذلك ورضيه منهم ، وأنه لا بأس بدخول ومكث لا يقصد الاستظلال منه ، ونحو ذلك من الظل . ولو عاب عليهم نفس التحرج من الاستظلال لقال : وليس البر في البروز ، أو في الضحى ونحو ذلك كما أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على
أبي إسرائيل لأنه لم يكن محرما والضحى لمجرد الصوم لا يشرع ولهذا نهاه عن الصمت والقيام في غير عبادة ، وإن كان ذلك مشروعا للمصلي ؛ ولأنه قصد ذلك وأراده وصار دخولهم البيوت مثل نزع المحرم القميص وإن خمر رأسه لكن لما لم يقصد به التخمير ولا بد منه وقت فيه الرخصة .
وأيضا : فإن المحرم الأشعث الأغبر بدليل ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : قال
[ ص: 65 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015371إذا كان عشية عرفة باهى الله بالحاج ؛ فيقول للملائكة انظروا إلى عبادي شعثا غبرا قد أتوني من كل فج عميق يرجون رحمتي ومغفرتي أشهدكم أني قد غفرت لهم إلا ما كان من تبعات بعضهم بعضا ، فإذا كان غداة المزدلفة قال الله لملائكته : أشهدكم أني غفرت لهم تبعات بعضهم بعضا وضمنت لأهلها النوافل " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود .
ثنا
محمد بن أيوب ثنا
عبد الرحمن بن هارون الغساني عن
عبد العزيز [ ص: 66 ] بن أبي داود ، عن
نافع عنه .
فقد وصف كل حاج بأنه أغبر ، فعلم أنها لازمة للمحرم فمن لم يكن أشعث أغبر لم يكن محرما ، والاستظلال بالمحمل ينفي الغبار والشعث .
وأيضا : فإن السلف كرهوا ذلك ؛ فعن
نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : "أنه كان يكره أن
nindex.php?page=treesubj&link=3487يستظل بعود وهو محرم " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : أنه رأى رجلا محرما على رحل قد رفع ثوبا بعود يستتر به من الشمس ، فقال : "اضح لمن أحرمت له " رواهما
أحمد .
واضح بكسر الهمزة من ضحى بالفتح والكسر يضحى ضحا إذا برز للشمس كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=119وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ) وبعض المحدثين يرويه بفتح الهمزة من أضحى يضحي - أيضا - ومعناها هنا ضعيف .
وعن
نافع قال : " مر
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بعبد الله بن خالد بن أسيد وقد ظلل عليه
[ ص: 67 ] كهيئة الترس - وهو على راحلته - فقال له
عبد الله : "اتق الله اتق الله ".
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء أن
nindex.php?page=showalam&ids=16675عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة "استظل بعود على راحلته - وهو محرم - فنهاه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر " رواهما
سعيد .
وعن
نافع " أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رأى رجلا قد نصب على مقدمة راحلته عودا عليه ثوب وهو محرم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : "إن الله لا يحب الخيلاء ، إن الله لا يحب الخيلاء " .
وعنه : " أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رأى رجلا قد
nindex.php?page=treesubj&link=3487وضع عودين على راحلته وهو محرم يستتر بهما فانتزعتهما " رواهما
النجاد .
[ ص: 68 ] nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر من أعلم الناس بالسنة وأتبعهم لها ، ولم ينكر عليه هذه الفتاوى - في الأوقات المتفرقة - منكر مع من يجمعه الموسم من علماء المسلمين .
وأما ما رواه
أحمد والنجاد عن
الحسن : " أن
عثمان ظلل عليه وهو محرم " وروى
النجاد ، عن
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : "لا بأس بالظل للمحرم " فهو محمول على صور نذكرها إن شاء الله .
وأيضا : فإن الرأس يفارق غيره من البدن فإنه يمنع تخميره بكل شيء حتى بالخرقة والورقة ، وحتى قد كره له الدهن ، من لم يكرهه للبدن لما فيه من ترجيله ، والبدن إنما يمنع من أن يلبسه اللباس المعتاد ، فلو خمره بما شاء من غير ذلك جاز . فعلم أن المقصود : بقاء الرأس أشعث أغبر ، ومنعه من الترفه والتنعم بكل شيء ، ومعلوم أن المحمل يكن الرأس ويواريه ويرفهه بنحو مما قد يحصل له بالعمامة ونحوه . لكن الترفه بالعمامة أشد ، فإن من كشف رأسه في داخل محمل وظلة لم يكشف رأسه ، فيجب أن يمنع من ذلك ؛ ولهذا
[ ص: 69 ] يفعل ذلك من شج على رأسه يكشفه لله ، ولا يريد أن يتواضع ، ولذلك سماه
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر خيلاء .
وأما حديث
أم الحصين - وما في معناه - فلا يختلف المذهب في القول بموجبه ، وسنذكر إن شاء الله وجهه وموضعه على المذهب .
فعلى هذا إذا كان في محمل عليه كساء أو لبد ونحو ذلك فكشفه بحيث تنزل الشمس من عيونه . . . .
وما ينصبه على المحمل مثل أن يقيم عودا ويرفع عليه ثوبا ونحو ذلك : حكمه حكم المحمل مطلقا ، صرح بذلك
ابن عقيل وغيره ؛ لأنه يحصل به التظلل المستدام من غير كلفة فهو كالمحمل . وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إنما كان في مثل هذا .
وقد نص
أحمد على ذلك فقال : في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم لما ذكر حديث
أم الحصين ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إذا كان يستتر بعود يرفعه بيده من حر الشمس : كان جائزا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر إنما كرهه على الرحل .
[ ص: 70 ] فأما إن تظلل زمنا يسيرا من حر ، أو مطر ونحو ذلك من غير أن ينصبه على المحمل ، بل يرفع له ثوبا بعود في يده ، أو يرفع ثوبه بيده أو يغطي رأسه بيده ونحو ذلك ، فالمنصوص عنه جواز ذلك وهو قول القاضي
وابن عقيل وغيرهما .
قال :
أحمد - في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم - عن
نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : "أنه رأى
nindex.php?page=treesubj&link=3487محرما على رحل قد رفع ثوبا بعود يستره من حر الشمس ، قال : اضح لمن أحرمت له " .
nindex.php?page=showalam&ids=15941وزيد بن أبي أنيسة عن
يحيى بن الحصين عن
أم الحصين جدته - قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015372حججت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع - فرأيت أسامة وبلالا ، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر رافع ثوبه يستره من حر الشمس حتى رمى الجمرة " قال
أبو عبد الله فأكره للمحرم أن يستظل .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة يقول : لا يستظل البتة
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر "اضح لمن أحرمت له " وحديث
بلال من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة عن
يحيى بن الحصين عن جدته ، فإذا كان يستره بعود يرفعه بيده من حر الشمس : كان جائزا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر إنما كرهه على الرحل ، وكذلك حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : "اضح لمن أحرمت له ،
وأهل المدينة يغلظون فيه " .
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم - وذكر له هذا الحديث - فقال : هذا في الساعة رفع له ثوب بالعود يرفعه بيده من حر الشمس .
[ ص: 71 ] وقال - في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود - "إذا كان بطرف كسائه أرجو أن لا يكون به بأس " .
وقال - في رواية
ابن منصور وقد سئل عن
nindex.php?page=treesubj&link=3487القبة للمحرم - فقال : إلا أن يكون شيئا يسيرا باليد أو ثوبا يلقيه على عود .
وقال - في رواية
حرب وقد سئل : هل يتخذ على رأسه الظل فوق المحمل ، فقال : لا إلا الشيء الخفيف وكرهه جدا .
وحكى
أبو الخطاب وغيره في التظليل اليسير روايتين : إحداهما : المنع منه ؛ لأنه أطلق المنع وأوجب الفدية في رواية جماعة ، قال
جعفر بن محمد : لا يستظل المحرم ، فإن استظل يفتدي ؛ لأنه قد منع المحرم ، فاستوى قليله وكثيره ، كالتغطية واللبس . ومن قال هذا حمل حديث
أم الحصين على أن
[ ص: 72 ] الثوب لم يكن فوق رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان عن جانبه ، وفرق أيضا بين ظل يكون تابعا للمستظل ينتقل بانتقاله ويقف بوقوفه كالقبة والثوب الذي بيده ، أو على عود معه ، وبين ما لا يكون تابعا مثل ظل الشجرة والثوب المنصوب حياله ، وحديث
أم الحصين كان من هذا القسم .
والثانية : الرخصة في اليسير لحديث
أم الحصين ، فإن في بعض ألفاظه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015373والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستره من الشمس " .
وأيضا : فإنه لو أحرم وعليه قميصه : خلعه ولم يشقه مع أن هذا تظليل لرأسه وتخمير له .
قال - في رواية
ابن القاسم - : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=3434أحرم الرجل وعليه قميص أو جبة يخلعهما خلعا ولا يشقهما ، وهؤلاء يقولون إن خلعهما فقد غطى رأسه فعليه فدية وعجب من قولهم ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الأعرابي أن ينزع الجبة حديث
nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية ولم يأمره بشقها .
وذلك لما روى
nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية nindex.php?page=hadith&LINKID=16015374أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل متضمخ [ ص: 73 ] بطيب ، فقال : يا رسول الله كيف ترى في رجل nindex.php?page=treesubj&link=3434_3440أحرم في جبة بعد ما تمضخ بطيب ، فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة فجاءه الوحي ، ثم سري عنه فقال : أين السائل الذي سألني عن العمرة آنفا ، فالتمس الرجل فجيء به ، فقال : "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ، ثم اصنع في العمرة كما تصنع في حجتك " متفق عليه وفي رواية : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015375أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة " رواه
مسلم ، وفي لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=11998لأبي داود ؛ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015376اخلع جبتك فخلعها من رأسه " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : كنا قبل أن نسمع هذا الحديث فيمن أحرم وعليه قميص أو جبة فليخرقها عنه ، فلما بلغنا هذا الحديث : أخذنا به ، وتركنا ما كنا نفتي به قبل ذلك " رواه
سعيد .
فقد جوز النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن يخلعه من رأسه ، وإن كان فيه تظليل لرأسه لأنه تدعو الحاجة إليه ، فعلم أن يسير التظليل لا بأس به .
فإن قيل : فقد روي عن
عبد الرحمن بن عطاء عن نفر من
بني سلمة قالوا :
[ ص: 74 ] "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015377كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا فشق ثوبه ، فقال : إني واعدت هديا يشعر اليوم " .
وعن
جابر قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015378بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - جالس مع أصحابه شق قميصه حتى خرج منه ، فقيل له : فقال : واعدتهم هدي اليوم فنسيت " رواهما
أحمد .
قيل : إن صح هذا الحديث فلعله كان في الوقت الذي كان أحدهم إذا أحرم لم يدخل البيت من بابه ، كانوا يجتنبون قليلها وكثيرها ، ثم زال ذلك ، ويدل على ذلك : توقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في جواب السائل حتى أتاه الوحي ، فعلم أنه سن ذلك الوقت : ما أزال الحكم الماضي .
وأيضا : فإنه يجوز التظليل بالسقوف والخيام ونحوها ، فعلم أنه لم يكره جنس التظليل ، وإنما كره منه ما يفضي إلى الترفه والتنعم ، وهذا إنما يكون فيما يدوم ويتصل .
وقد روي عن
إبراهيم قال : " كان
nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود nindex.php?page=treesubj&link=3487إذا اشتد المطر استظل بكساء وهو محرم " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء أنه كان يقول : "يستظل المحرم من الشمس ويستكن من الريح ومن المطر " .
[ ص: 75 ] فعلى هذا : يجوز الساعة ونحوها كما ذكر في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم ، فإن في حديث
أم الحصين أنه ظلل عليه في حال مسيره ورميه وخطبته . والذي يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما استباح يسير التظليل ، أنه في سائر الأيام كان يسير ولم ينصب له على راحلته شيئا يستظل به ، ولو كان جائزا لفعله لحاجته إليه ، ثم إن استظل بثوب يمسكه بيده ، أو بيد غيره ، أو وضع الثوب على عود يمسك العود بيده ، أو بيد غيره جاز .
وإن استظل يسيرا في محمل ، أو بثوب موضوع على عمود على المحمل ونحو ذلك مما لا مؤنة فيه ، ففيه روايتان : إحداهما : يكره ذلك ، وهذا هو الذي ذكره في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم قال : إذا كان يسيرا بعود يرفعه بيده من حر الشمس كان جائزا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر إنما كرهه على الرحل . وذلك لأن ما على الرحل رفاهة محضة ، وهو مظنة الطول ، فلو شرع ذلك لشرع اتخاذ الظل .
والثانية : لا بأس به وهو قول القاضي وهو ظاهر كلامه في رواية
ابن منصور : إلا أن يكون شيئا يسيرا باليد ، أو ثوبا يلقيه على عود . فأما أن يظلل بالمحمل ونحوه حال نزوله ، فقال القاضي
وابن عقيل : لا فرق بين الراكب والنازل ، وإنه إن طال ذلك وكثر افتدا راكبا كان أو نازلا .
وإن قل ذلك ولم يكثر : فلا فدية عليه سواء كان راكبا أم نازلا .
وفرقوا بين ذلك وبين الخيمة والسقف بأن ذلك لا يقصد به الترفه في
[ ص: 76 ] البدن في العادة ، وإنما يقصد به جمع الرحال ، وفرق بين ما يقصد به الظل وغيره ، كما فرق بين من يحمل على رأسه شيئا أو يخمره .
وكلام
أحمد يدل على الفرق ؛ قال - في رواية
حنبل - : لا يستظل على المحمل ، ويستظل بالفازة في الأرض ، والخيمة وهي بمنزلة البيت . وهذا أصح ؛ لأن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وغيره من الصحابة كانوا ينصبون له الظل المحض في حال النزول ، ولأنه لو دخل إلى بيت أو خيمة لمجرد الاستظلال لجاز .
والفرق بينهما : أن هذا الظل ليس بتابع للمحرم ، ولا ينتقل بانتقاله .
وأيضا : فإنه غير متخذ للدوام فلا بد معه من الضحا ، ويسير الظل في المكان مثل أن يجعل فوقه ما يستر يسيرا من رأسه مثل الزمان .
فأما إذا احتاج للاستظلال من حر أو برد ، فذكر القاضي
وابن عقيل أنه يجوز ؛ إذا كان هناك عذر من حر أو برد فإنه يجوز ، وحملا حديث
عثمان nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس على ذلك ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر على عدم العذر . ومعنى ذلك : عذر يخاف معه من مرض أو أذى فإنه يبيح التظليل من غير فدية ؛ لأن ما كره في الإحرام جاز مع الحاجة ، وما أبيح يسيره جاز كثيره مع الحاجة .
قال أصحابنا القاضي
وابن عقيل وغيرهما : فله أن
nindex.php?page=treesubj&link=3487يستظل بثوب ينصبه حياله يقيه الحر والبرد ، عن يمينه أو عن شماله أو أمامه أو وراءه ما لم يكن مظلل فوق رأسه كالهودج والعمارية واللبسة .
[ ص: 77 ] وظاهر كلام
أحمد أن كل مانع وصول الشمس إلى رأسه فهو تظليل سواء كان فوق رأسه أو كان من بعض جهاته . وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يدل عليه .
وحيث كره له التظليل فهل تجب الفدية ؟ على روايتين منصوصتين . فإن أوجب الفدية كان محرما ، وإن لم يوجبها كان مكروها كراهة تنزيه . وقد قال القاضي - في المجرد -
وأبو الخطاب وغيرهما : لا يجوز تظليل المحمل رواية واحدة ، وفي الفدية روايتان .
ومعنى ذلك : أنه ليس من الجائزات التي يستوي طرفاها ، بل هو ضمن المتبوعات ، فأما أن يكون حراما لا يوجب الفدية فهذا لا يكون .
إحداهما : يوجب الفدية .
قال - في رواية
جعفر بن محمد ،
وبكر بن محمد ، عن أبيه لا يستظل المحرم ، فإن استظل يفتدي بصيام أو صدقة أو نسك بما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة . وهذا اختيار القاضي وأصحابه .
والثانية : لا فدية فيه وإنما هو مكروه فقط ، قال في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم أكره ذلك ، فقيل له : فإن فعل يهريق دما ؟ فقال : لا ،
وأهل المدينة يغلظون فيه . وقال في رواية
الفضل : الدم عندي كثير .
[ ص: 78 ] وقال
عبد الله : سألت أبي عن المحرم يستظل ؟ قال : لا يستظل ، فإن استظل أرجو أن لا يكون عليه شيء ، وقال أيضا : سألته عن المحرم يظلل ؟ قال : لا يعجبني أن يظلل ، قال أبي يستر قدر ما يرمي الجمرة على حديث
أم الحصين ، وقال : سألته عن المحرم يستظل أحب إليك أم تأخذ بقول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : اضح لمن أحرمت له ؟ قال : لا يستظل لقول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : "اضح لمن أحرمت له " فقد بين أن الاستظلال مكروه مطلقا إلا اليسير لحاجة ، وأنه لا فدية فيه ، ويشبه أن تكون هذه الرواية هي المتأخرة ؛ لأن روايات
ابن الحكم قديمة . قال
أبو بكر : وبهذا أقول وهو أصح إن شاء الله ؛ لأن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الذي روي عنه كراهة ذلك لم يأمر الذي فعله بفدية ، وقد رفع الظل بيده .
ولأنه قد أبيح نوعه في الجملة ، فجاز ما لا يدوم ، وجاز منه ما لا يقصد به التظلل ، ونحو ذلك .
ومحظورات الإحرام : يجب اجتنابها بكل حال كالطيب واللباس ، فصار في الواجبات كالدفع من
مزدلفة قبل الفجر - لما رخص فيه لبعض الناس من غير ضرورة - علم أنه جائز في الجملة ، وأن السنة تركه بخلاف الدفع من
عرفة ، فإنه لا يجوز لأحد حتى تغرب الشمس .
( فَصْلٌ )
وَأَمَّا إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=3435غَطَّى رَأْسَهُ بِشَيْءٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ فَهُوَ أَقْسَامٌ : -
[ ص: 57 ] أَحَدُهَا : أَنْ يَسْتَظِلَّ بِسَقْفٍ فِي بَيْتٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَسْجِدٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، أَوْ يَسْتَظِلَّ بِخَيْمَةٍ أَوْ فُسْطَاطٍ ، أَوْ نَحْوِهِمَا ، أَوْ يَسْتَظِلَّ بِشَجَرَةٍ وَنَحْوِهَا ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا جَائِزٌ ، قَالَ
أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ
حَنْبَلٍ - : لَا يَسْتَظِلُّ عَلَى الْمَحْمِلِ ، وَيَسْتَظِلُّ بِالْفَازَةِ . وَالْخَيْمَةُ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ .
وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ تَحْتَ خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ جَازَ . وَلَيْسَ اجْتِنَابُ ذَلِكَ مِنَ الْبِرِّ ، كَمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ) فَرَوَى
أَحْمَدُ ، ثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، ثَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ قَالَ : "
كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِذَا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ ، يَتَحَرَّجُونَ مِنْ ذَلِكَ ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ ، فَتَبْدُو لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ ، فَيَرْجِعُ وَلَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ مِنْ أَجْلِ سَقْفِ الْبَيْتِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ ، فَيَقْتَحِمُ الْجِدَارَ مِنْ وَرَائِهِ ، ثُمَّ يَقُومُ فِي حُجْرَتِهِ ، فَيَأْمُرُ بِحَاجَتِهِ ، فَتُخْرَجُ إِلَيْهِ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ [ ص: 58 ] بِالْعُمْرَةِ ، فَدَخَلَ حُجْرَتَهُ ، فَدَخَلَ عَلَى أَثَرِهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنِّي أَحْمَسُ ، قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ : وَكَانَتِ الْحُمْسُ لَا يُبَالُونَ ذَلِكَ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : وَأَنَا أَحْمَسُ ، يَقُولُ : وَأَنَا عَلَى دِينِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا ) .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : "نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا ؛ كَانَتِ
الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ الْبُيُوتِ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ ، وَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ ، فَنَزَلَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ -
لِأَحْمَدَ عَنِ
الْبَرَاءِ قَالَ : "كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَحْرَمُوا : أَتَوُا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا ، وَلَمْ يَأْتُوهَا مِنْ أَبْوَابِهَا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ " .
[ ص: 59 ] وَرُوِيَ عَنْ
قَيْسِ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ : "
كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ بَابِهِ وَلَكِنْ مِنْ ظَهْرِهِ فَبَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ حِيطَانِ بَنِي النَّجَّارِ ، وَكَانَتِ الْحُمْسُ يَدْخُلُونَ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ الْحَائِطَ مِنْ بَابِهِ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ تَابُوتَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رِفَاعَةَ مُنَافِقٌ حَيْثُ دَخَلَ هَذَا الْحَائِطَ مِنْ بَابِهِ ، فَقَالَ : يَا رِفَاعَةُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ دَخَلْتَ ، فَدَخَلْتُ ، فَقَالَ : إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلِي أَنَا مِنَ الْحُمْسِ ، وَأَنْتَ لَيْسَ مِنْهُمْ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الْحُمْسِ فَإِنَّ دِينَنَا وَاحِدٌ ، فَنَزَلَتْ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .
[ ص: 60 ] وَقَدْ رَوَى
جَابِرٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=25310صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015363أَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ بِنَمِرَةٍ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةٍ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَى فَرُحِلَتْ لَهُ " رَوَاهُ
مُسْلِمٌ .
وَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ . . . .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=4891عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ : " حَجَجْتُ مَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَمَا رَأَيْتُهُ ضَرَبَ فُسْطَاطًا حَتَّى رَجَعَ ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ ، قَالَ : كَانَ يَسْتَظِلُّ بِالنِّطَعِ وَالْكِسَاءِ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ .
وَسَوَاءٌ طَالَ زَمَانُ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ ؛ لِأَنَّ هَذَا يُقْصَدُ بِهِ جَمْعُ الرَّحْلِ وَالْمَتَاعِ دُونَ مُجَرَّدِ الِاسْتِظْلَالِ .
وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ : أَنَّ هَذَا شَيْءٌ ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ لَا يُسْتَدَامُ فِي حَالِ السَّيْرِ وَالْمُكْثِ .
الثَّانِي : الْمَحْمِلُ وَالْعَمَّارِيَّةُ وَالْقُبَّةُ وَالْهَوْدَجُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُصْنَعُ عَلَى
[ ص: 61 ] الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَرَاكِبِ لِأَجْلِ الِاسْتِظْلَالِ شَفْعًا كَانَتْ أَوْ وَتْرًا : فَهَذَا إِذَا كَانَ مُتَجَافِيًا عَنْ رَأْسِهِ فَالْمَشْهُورُ عَنْ
أَحْمَدَ الْكَرَاهَةُ . وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ ذَكَرَهَا
ابْنُ أَبِي مُوسَى ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=3487الِاسْتِظْلَالِ وَالْبُرُوزِ لِلسَّمَاءِ إِنَّمَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ بِرًّا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ ، وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015364لَمَّا رَأَى أَبَا إِسْرَائِيلَ قَائِمًا فِي الشَّمْسِ سَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ : نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَتَكَلَّمَ ، وَلَا يَسْتَظِلَّ ، وَيَصُومَ قَالَ : مُرُوهُ فَلْيَقْعُدْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَتَكَلَّمْ ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ .
فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الضُّحَى لِلشَّمْسِ مِثْلُ الصَّمْتِ وَالْقِيَامِ لَيْسَ مَشْرُوعًا ، وَلَا مَسْنُونًا وَلَا بِرَّ فِيهِ .
وَأَيْضًا : فَلَيْسَ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إِجْمَاعٌ ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِظْلَالُ بِالْخَيْمَةِ وَالسَّقْفِ وَالشَّجَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ ، وَلَا يُقَالُ : هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْمَقْصُودُ بِهَا جَمْعُ الْمَتَاعِ فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْبَيْتَ
[ ص: 62 ] لَقَصَدَ الِاسْتِظْلَالَ ، أَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=3487نَصَبَ لَهُ خَيْمَةً لِمُجَرَّدِ الِاسْتِظْلَالِ ، جَازَ بِلَا تَرَدُّدٍ ، وَقَدِ احْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَتْ
أُمُّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015365حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ ، فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَالْعَقَبَةِ " رَوَاهُ
مُسْلِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=11998وَأَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ، وَعِنْدَهُ أَنَّ الْآخِذَ بِالْخِطَامِ
بِلَالٌ ، وَالْمُظَلِّلَ بِالثَّوْبِ
أُسَامَةُ .
وَفِي رِوَايَةٍ
لِأَحْمَدَ nindex.php?page=hadith&LINKID=16015366حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ - وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ - وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُظِلُّهُ مِنَ الشَّمْسِ ، قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا كَثِيرًا ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : "إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ - حَسِبْتُهَا قَالَتْ أَسْوَدُ - يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا " .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا التَّظْلِيلُ إِنْ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ فَفِيهِ مُسْتَدَلٌّ ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ أَيَّامِ
مِنًى : فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ ، بَلْ فِيهِ مَا يُشْعِرُ أَنَّهُ كَانَ فِي أَيَّامِ
مِنًى ، لِأَنَّ الْجَمْرَةَ تُرْمَى أَيَّامَ
مِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ حِينَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ ، فَأَمَّا يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَاهَا ضُحًى ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِلشَّمْسِ حَرٌّ يَحْتَاجُ إِلَى تَظْلِيلٍ .
[ ص: 63 ] قِيلَ : قَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015367كَانَ إِذَا رَمَى الْجِمَارَ مَشَى إِلَيْهَا ذَاهِبًا رَاجِعًا " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَرَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=hadith&LINKID=16015368عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْجِمَارَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ - بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ - مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا ، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ " وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ ، فَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015369كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا وَسَائِرَ ذَلِكَ مَاشِيًا ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ " .
فَفِي هَذَا : مَا يَدُلُّ أَنَّ ذَلِكَ الرَّمْيَ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ ، لِأَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُفِضْ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ ، وَمَا بَيْنَ أَنْ يُفِيضَ إِلَى أَنْ يَجِيءَ إِلَى جَمْرَةِ
الْعَقَبَةِ يَصِيرُ لِلشَّمْسِ مَسٌّ وَحَرٌّ ، فَإِنَّ حَجَّتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ فِي . . . وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ . . . وَقَدْ أَخْبَرَتْ
أَمُّ حُصَيْنٍ أَنَّهُ خَطَبَ عِنْدَ جَمْرَةِ
الْعَقَبَةِ ، وَإِنَّمَا خَطَبَ عِنْدَ جَمْرَةِ
الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَتَخْصِيصُهَا جَمْرَةَ
الْعَقَبَةِ دُونَ غَيْرِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا رَمَاهَا إِذْ لَوْ كَانَ . . . لَكِنَّ التَّظْلِيلَ - وَاللَّهُ
[ ص: 64 ] أَعْلَمُ - إِنَّمَا كَانَ حِينَ الِانْصِرَافِ مِنْ رَمْيِهَا وَحِينَئِذٍ فَقَدَ حَلَّ وَجَازَ لَهُ الْحِلَاقُ .
وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ مَعَهُ - وَخُلَفَاءَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِنَّمَا حَجُّوا ضَاحِينَ بَارِزِينَ لَمْ يَتَّخِذُوا مَحْمِلًا وَلَا قُبَّةً وَلَا ظُلَّةً - عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ وَقَدْ قَالَ : النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015198لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " وَلِهَذَا عَدَّ السَّلَفُ هَذَا بِدْعَةً ، وَالضُّحَى لِلْمُحْرِمِ أَمْرٌ مَسْنُونٌ بِلَا . . . .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015370مَا مِنْ مُحْرِمٍ يَضْحَى لِلَّهِ يَوْمَهُ يُلَبِّي حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ إِلَّا غَابَتْ بِذُنُوبِهِ " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ .
وَقَدْ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يُسْرِفُونَ فِي الْبُرُوزِ وَالضُّحَى حَتَّى يَمْتَنِعَ أَحَدُهُمْ مِنَ الدُّخُولِ مِنَ الْبَابِ مُبَالَغَةً فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ تَخْمِيرِ الرَّأْسِ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ نَهَاهُمْ عَنِ الدُّخُولِ مِنْ ظُهُورِ الْبُيُوتِ ، وَأَمَرَهُمْ بِالدُّخُولِ مِنْ أَبْوَابِهَا ، وَلَمْ يَعِبْ عَلَيْهِمْ أَصْلَ الضُّحَى وَالْبُرُوزِ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَضِيَهُ مِنْهُمْ ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِدُخُولٍ وَمُكْثٍ لَا يُقْصَدُ الِاسْتِظْلَالُ مِنْهُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الظِّلِّ . وَلَوْ عَابَ عَلَيْهِمْ نَفْسَ التَّحَرُّجِ مِنَ الِاسْتِظْلَالِ لَقَالَ : وَلَيْسَ الْبِرُّ فِي الْبُرُوزِ ، أَوْ فِي الضُّحَى وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا أَنْكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
أَبِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا وَالضُّحَى لِمُجَرَّدِ الصَّوْمِ لَا يُشْرَعُ وَلِهَذَا نَهَاهُ عَنِ الصَّمْتِ وَالْقِيَامِ فِي غَيْرِ عِبَادَةٍ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا لِلْمُصَلِّي ؛ وَلِأَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ وَأَرَادَهُ وَصَارَ دُخُولُهُمُ الْبُيُوتَ مِثْلَ نَزْعِ الْمُحْرِمِ الْقَمِيصَ وَإِنْ خَمَّرَ رَأْسَهُ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّخْمِيرَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَقَّتَ فِيهِ الرُّخْصَةَ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْمُحْرِمَ الْأَشْعَثَ الْأَغْبَرَ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ
[ ص: 65 ] رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015371إِذَا كَانَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بَاهَى اللَّهُ بِالْحَاجِّ ؛ فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا قَدْ أَتَوْنِي مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَمَغْفِرَتِي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ تَبِعَاتِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، فَإِذَا كَانَ غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ : أُشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْتُ لَهُمْ تَبِعَاتِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَضَمِنْتُ لِأَهْلِهَا النَّوَافِلَ " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ .
ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَارُونَ الْغَسَّانِيُّ عَنْ
عَبْدِ الْعَزِيزِ [ ص: 66 ] بْنِ أَبِي دَاوُدَ ، عَنْ
نَافِعٍ عَنْهُ .
فَقَدْ وَصَفَ كُلَّ حَاجٍّ بِأَنَّهُ أَغْبَرُ ، فَعُلِمَ أَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْمُحْرِمِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا ، وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْمَحْمِلِ يَنْفِي الْغُبَارَ وَالشَّعَثَ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ السَّلَفَ كَرِهُوا ذَلِكَ ؛ فَعَنْ
نَافِعٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ : "أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3487يَسْتَظِلَّ بِعُودٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ " .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا مُحْرِمًا عَلَى رَحْلٍ قَدْ رَفَعَ ثَوْبًا بِعُودٍ يَسْتَتِرُ بِهِ مِنَ الشَّمْسِ ، فَقَالَ : "اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ " رَوَاهُمَا
أَحْمَدُ .
وَاضْحَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ ضَحَى بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ يَضْحَى ضَحًا إِذَا بَرَزَ لِلشَّمْسِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=119وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى ) وَبَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوِيهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَضْحَى يُضْحِي - أَيْضًا - وَمَعْنَاهَا هُنَا ضَعِيفٌ .
وَعَنْ
نَافِعٍ قَالَ : " مَرَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ وَقَدْ ظَلَّلَ عَلَيْهِ
[ ص: 67 ] كَهَيْئَةِ التُّرْسِ - وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ - فَقَالَ لَهُ
عَبْدُ اللَّهِ : "اتَّقِ اللَّهَ اتَّقِ اللَّهَ ".
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٍ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16675عُمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ "اسْتَظَلَّ بِعُودٍ عَلَى رَاحِلَتِهِ - وَهُوَ مُحْرِمٌ - فَنَهَاهُ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ " رَوَاهُمَا
سَعِيدٌ .
وَعَنْ
نَافِعٍ " أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا قَدْ نَصَبَ عَلَى مُقَدِّمَةِ رَاحِلَتِهِ عُودًا عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَهُوَ مُحْرِمٌ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ : "إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخُيَلَاءَ ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخُيَلَاءَ " .
وَعَنْهُ : " أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا قَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=3487وَضَعَ عُودَيْنِ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ يَسْتَتِرُ بِهِمَا فَانْتَزَعْتُهُمَا " رَوَاهُمَا
النَّجَّادُ .
[ ص: 68 ] nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنُ عُمَرَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالسُّنَّةِ وَأَتْبَعِهِمْ لَهَا ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْفَتَاوَى - فِي الْأَوْقَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ - مُنْكِرٌ مَعَ مَنْ يَجْمَعُهُ الْمَوْسِمُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ .
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَالنَّجَّادُ عَنِ
الْحَسَنِ : " أَنَّ
عُثْمَانَ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ " وَرَوَى
النَّجَّادُ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : "لَا بَأْسَ بِالظِّلِّ لِلْمُحْرِمِ " فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى صُوَرٍ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ الرَّأْسَ يُفَارِقُ غَيْرَهُ مِنَ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ تَخْمِيرُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى بِالْخِرْقَةِ وَالْوَرَقَةِ ، وَحَتَّى قَدْ كَرِهَ لَهُ الدُّهْنَ ، مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ لِلْبَدَنِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْجِيلِهِ ، وَالْبَدَنُ إِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يُلْبِسَهُ اللِّبَاسَ الْمُعْتَادَ ، فَلَوْ خَمَّرَهُ بِمَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ جَازَ . فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ : بَقَاءُ الرَّأْسِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، وَمَنْعُهُ مِنَ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ بِكُلِّ شَيْءٍ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَحْمِلَ يُكِنُّ الرَّأْسَ وَيُوَارِيهِ وَيُرَفِّهُهُ بِنَحْوِ مِمَّا قَدْ يَحْصُلُ لَهُ بِالْعِمَامَةِ وَنَحْوِهِ . لَكِنَّ التَّرَفُّهَ بِالْعِمَامَةِ أَشَدُّ ، فَإِنَّ مَنْ كَشَفَ رَأْسَهُ فِي دَاخِلِ مَحْمِلٍ وَظُلَّةٍ لَمْ يَكْشِفْ رَأْسَهُ ، فَيَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا
[ ص: 69 ] يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ شَجَّ عَلَى رَأْسِهِ يَكْشِفُهُ لِلَّهِ ، وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَتَوَاضَعَ ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ خُيَلَاءَ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
أُمِّ الْحُصَيْنِ - وَمَا فِي مَعْنَاهُ - فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي الْقَوْلِ بِمُوجَبِهِ ، وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَمَوْضِعَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ .
فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ فِي مَحْمِلٍ عَلَيْهِ كِسَاءٌ أَوْ لِبْدٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَكَشَفَهُ بِحَيْثُ تَنْزِلُ الشَّمْسُ مِنْ عُيُونِهِ . . . .
وَمَا يَنْصِبُهُ عَلَى الْمَحْمِلِ مِثْلُ أَنْ يُقِيمَ عُودًا وَيَرْفَعَ عَلَيْهِ ثَوْبًا وَنَحْوُ ذَلِكَ : حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَحْمِلِ مُطْلَقًا ، صَرَّحَ بِذَلِكَ
ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ التَّظَلُّلُ الْمُسْتَدَامُ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ فَهُوَ كَالْمَحْمِلِ . وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ إِنَّمَا كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا .
وَقَدْ نَصَّ
أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ : فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13665الْأَثْرَمِ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ
أُمِّ الْحُصَيْنِ ، وَحَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ إِذَا كَانَ يَسْتَتِرُ بِعُودٍ يَرْفَعُهُ بِيَدِهِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ : كَانَ جَائِزًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنُ عُمَرَ إِنَّمَا كَرِهَهُ عَلَى الرَّحْلِ .
[ ص: 70 ] فَأَمَّا إِنْ تَظَلَّلَ زَمَنًا يَسِيرًا مِنْ حَرٍّ ، أَوْ مَطَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْصِبَهُ عَلَى الْمَحْمِلِ ، بَلْ يَرْفَعُ لَهُ ثَوْبًا بِعُودٍ فِي يَدِهِ ، أَوْ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ بِيَدِهِ أَوْ يُغَطِّي رَأْسَهُ بِيَدِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ جَوَازُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي
وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا .
قَالَ :
أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13665الْأَثْرَمِ - عَنْ
نَافِعٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ : "أَنَّهُ رَأَى
nindex.php?page=treesubj&link=3487مُحْرِمًا عَلَى رَحْلٍ قَدْ رَفَعَ ثَوْبًا بِعُودٍ يَسْتُرُهُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ ، قَالَ : اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ " .
nindex.php?page=showalam&ids=15941وَزَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ
يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ
أُمِّ الْحُصَيْنِ جَدَّتِهِ - قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015372حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ - فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا ، وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ " قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَأَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَظِلَّ .
وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ : لَا يَسْتَظِلُّ الْبَتَّةَ
nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنُ عُمَرَ "اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ " وَحَدِيثُ
بِلَالٍ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=15941زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ
يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ جَدَّتِهِ ، فَإِذَا كَانَ يَسْتُرُهُ بِعُودٍ يَرْفَعُهُ بِيَدِهِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ : كَانَ جَائِزًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنُ عُمَرَ إِنَّمَا كَرِهَهُ عَلَى الرَّحْلِ ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ : "اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ ،
وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُغْلِظُونَ فِيهِ " .
وَفِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13665الْأَثْرَمِ - وَذُكِرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ - فَقَالَ : هَذَا فِي السَّاعَةِ رُفِعَ لَهُ ثَوْبٌ بِالْعُودِ يَرْفَعُهُ بِيَدِهِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ .
[ ص: 71 ] وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبِي دَاوُدَ - "إِذَا كَانَ بِطَرَفِ كِسَائِهِ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ " .
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ
ابْنِ مَنْصُورٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=3487الْقُبَّةِ لِلْمُحْرِمِ - فَقَالَ : إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا يَسِيرًا بِالْيَدِ أَوْ ثَوْبًا يُلْقِيهِ عَلَى عُودٍ .
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ
حَرْبٍ وَقَدْ سُئِلَ : هَلْ يَتَّخِذُ عَلَى رَأْسِهِ الظِّلَّ فَوْقَ الْمَحْمِلِ ، فَقَالَ : لَا إِلَّا الشَّيْءَ الْخَفِيفَ وَكَرِهَهُ جِدًّا .
وَحَكَى
أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ فِي التَّظْلِيلِ الْيَسِيرِ رِوَايَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : الْمَنْعُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَنْعَ وَأَوْجَبَ الْفِدْيَةَ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ ، قَالَ
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : لَا يَسْتَظِلُّ الْمُحْرِمُ ، فَإِنِ اسْتَظَلَّ يَفْتَدِي ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَنَعَ الْمُحْرِمَ ، فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ ، كَالتَّغْطِيَةِ وَاللُّبْسِ . وَمَنْ قَالَ هَذَا حَمَلَ حَدِيثَ
أُمِّ الْحُصَيْنِ عَلَى أَنَّ
[ ص: 72 ] الثَّوْبَ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ رَأْسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانَ عَنْ جَانِبِهِ ، وَفَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ ظِلٍّ يَكُونُ تَابِعًا لِلْمُسْتَظِلِّ يَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ وَيَقِفُ بِوُقُوفِهِ كَالْقُبَّةِ وَالثَّوْبِ الَّذِي بِيَدِهِ ، أَوْ عَلَى عُودٍ مَعَهُ ، وَبَيْنَ مَا لَا يَكُونُ تَابِعًا مِثْلُ ظِلِّ الشَّجَرَةِ وَالثَّوْبِ الْمَنْصُوبِ حِيَالَهُ ، وَحَدِيثُ
أُمِّ الْحُصَيْنِ كَانَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ .
وَالثَّانِيَةُ : الرُّخْصَةُ فِي الْيَسِيرِ لِحَدِيثِ
أُمِّ الْحُصَيْنِ ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015373وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتُرُهُ مِنَ الشَّمْسِ " .
وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ : خَلَعَهُ وَلَمْ يَشُقُّهُ مَعَ أَنَّ هَذَا تَظْلِيلٌ لِرَأْسِهِ وَتَخْمِيرٌ لَهُ .
قَالَ - فِي رِوَايَةِ
ابْنِ الْقَاسِمِ - : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=3434أَحْرَمَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ يَخْلَعُهُمَا خَلْعًا وَلَا يَشُقُّهُمَا ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إِنْ خَلَعَهُمَا فَقَدْ غَطَّى رَأْسَهُ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَعَجَبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ أَنْ يَنْزِعَ الْجُبَّةَ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=120يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِقِّهَا .
وَذَلِكَ لِمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=120يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=16015374أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَهُ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ [ ص: 73 ] بِطِيبٍ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ nindex.php?page=treesubj&link=3434_3440أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَمَضَّخَ بِطِيبٍ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاعَةً فَجَاءَهُ الْوَحْيُ ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ : أَيْنَ السَّائِلُ الَّذِي سَأَلَنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا ، فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَجِيءَ بِهِ ، فَقَالَ : "أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ، ثُمَّ اصْنَعْ فِي الْعُمْرَةِ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015375أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْجُعْرَانَةِ " رَوَاهُ
مُسْلِمٌ ، وَفِي لَفْظٍ
nindex.php?page=showalam&ids=11998لِأَبِي دَاوُدَ ؛ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015376اخْلَعْ جُبَّتَكَ فَخَلَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ " . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٌ : كُنَّا قَبْلَ أَنْ نَسْمَعَ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَلْيَخْرِقْهَا عَنْهُ ، فَلَمَّا بَلَغَنَا هَذَا الْحَدِيثُ : أَخَذْنَا بِهِ ، وَتَرَكْنَا مَا كُنَّا نُفْتِي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ
سَعِيدٌ .
فَقَدَ جَوَّزَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنْ يَخْلَعَهُ مِنْ رَأْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَظْلِيلٌ لِرَأْسِهِ لِأَنَّهُ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ ، فَعُلِمَ أَنَّ يَسِيرَ التَّظْلِيلِ لَا بَأْسَ بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رُوِيَ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ نَفَرٍ مِنْ
بَنِي سَلَمَةَ قَالُوا :
[ ص: 74 ] "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015377كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسًا فَشَقَّ ثَوْبَهُ ، فَقَالَ : إِنِّي وَاعَدْتُ هَدْيًا يُشْعَرُ الْيَوْمَ " .
وَعَنْ
جَابِرٍ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015378بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ شَقَّ قَمِيصَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ ، فَقِيلَ لَهُ : فَقَالَ : وَاعَدْتُهُمْ هَدْيَ الْيَوْمِ فَنَسِيتُ " رَوَاهُمَا
أَحْمَدُ .
قِيلَ : إِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَحْرَمَ لَمْ يَدْخُلِ الْبَيْتَ مِنْ بَابِهِ ، كَانُوا يَجْتَنِبُونَ قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : تَوَقُّفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَوَابِ السَّائِلِ حَتَّى أَتَاهُ الْوَحْيُ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ سَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ : مَا أَزَالَ الْحُكْمَ الْمَاضِيَ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّظْلِيلُ بِالسُّقُوفِ وَالْخِيَامِ وَنَحْوِهَا ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ جِنْسُ التَّظْلِيلِ ، وَإِنَّمَا كُرِهَ مِنْهُ مَا يُفْضِي إِلَى التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَدُومُ وَيَتَّصِلُ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ قَالَ : " كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=13705الْأَسْوَدُ nindex.php?page=treesubj&link=3487إِذَا اشْتَدَّ الْمَطَرُ اسْتَظَلَّ بِكِسَاءٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ " .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : "يَسْتَظِلُّ الْمُحْرِمُ مِنَ الشَّمْسِ وَيَسْتَكِنُّ مِنَ الرِّيحِ وَمِنَ الْمَطَرِ " .
[ ص: 75 ] فَعَلَى هَذَا : يُجَوِّزُ السَّاعَةَ وَنَحْوَهَا كَمَا ذَكَرَ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13665الْأَثْرَمِ ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ
أُمِّ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فِي حَالِ مَسِيرِهِ وَرَمْيِهِ وَخُطْبَتِهِ . وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا اسْتَبَاحَ يَسِيرَ التَّظْلِيلِ ، أَنَّهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ كَانَ يَسِيرُ وَلَمْ يَنْصِبْ لَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ شَيْئًا يَسْتَظِلُّ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ جَائِزًا لَفَعَلَهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ ، ثُمَّ إِنِ اسْتَظَلَّ بِثَوْبٍ يُمْسِكُهُ بِيَدِهِ ، أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِ ، أَوْ وَضَعَ الثَّوْبَ عَلَى عُودٍ يُمْسِكُ الْعُودَ بِيَدِهِ ، أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِ جَازَ .
وَإِنِ اسْتَظَلَّ يَسِيرًا فِي مَحْمِلٍ ، أَوْ بِثَوْبٍ مَوْضُوعٍ عَلَى عَمُودٍ عَلَى الْمَحْمِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا مُؤْنَةَ فِيهِ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : يُكْرَهُ ذَلِكَ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13665الْأَثْرَمِ قَالَ : إِذَا كَانَ يَسِيرًا بِعُودٍ يَرْفَعُهُ بِيَدِهِ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ كَانَ جَائِزًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنُ عُمَرَ إِنَّمَا كَرِهَهُ عَلَى الرَّحْلِ . وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا عَلَى الرَّحْلِ رَفَاهَةٌ مَحْضَةٌ ، وَهُوَ مَظَنَّةُ الطُّولِ ، فَلَوْ شُرِعَ ذَلِكَ لَشُرِعَ اتِّخَاذُ الظِّلِّ .
وَالثَّانِيَةُ : لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ
ابْنِ مَنْصُورٍ : إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا يَسِيرًا بِالْيَدِ ، أَوْ ثَوْبًا يُلْقِيهِ عَلَى عُودٍ . فَأَمَّا أَنْ يُظَلِّلَ بِالْمَحْمِلِ وَنَحْوِهِ حَالَ نُزُولِهِ ، فَقَالَ الْقَاضِي
وَابْنُ عَقِيلٍ : لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّاكِبِ وَالنَّازِلِ ، وَإِنَّهُ إِنْ طَالَ ذَلِكَ وَكَثُرَ افْتَدَا رَاكِبًا كَانَ أَوْ نَازِلًا .
وَإِنْ قَلَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَكْثُرْ : فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَمْ نَازِلًا .
وَفَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْخَيْمَةِ وَالسَّقْفِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّرَفُّهُ فِي
[ ص: 76 ] الْبَدَنِ فِي الْعَادَةِ ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ جَمْعُ الرِّحَالِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا يُقْصَدُ بِهِ الظِّلُّ وَغَيْرُهُ ، كَمَا فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ يَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا أَوْ يُخَمِّرُهُ .
وَكَلَامُ
أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ ؛ قَالَ - فِي رِوَايَةِ
حَنْبَلٍ - : لَا يَسْتَظِلُّ عَلَى الْمَحْمِلِ ، وَيَسْتَظِلُّ بِالْفَازَةِ فِي الْأَرْضِ ، وَالْخَيْمَةِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْتِ . وَهَذَا أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَنْصِبُونَ لَهُ الظِّلَّ الْمَحْضَ فِي حَالِ النُّزُولِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ إِلَى بَيْتٍ أَوْ خَيْمَةٍ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِظْلَالِ لَجَازَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا : أَنَّ هَذَا الظِّلَّ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلْمُحْرِمِ ، وَلَا يَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَّخَذٍ لِلدَّوَامِ فَلَا بُدَّ مَعَهُ مِنَ الضَّحَا ، وَيَسِيرُ الظِّلُّ فِي الْمَكَانِ مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ فَوْقَهُ مَا يَسْتُرُ يَسِيرًا مِنْ رَأْسِهِ مِثْلَ الزَّمَانِ .
فَأَمَّا إِذَا احْتَاجَ لِلِاسْتِظْلَالِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ ، فَذَكَرَ الْقَاضِي
وَابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يَجُوزُ ؛ إِذَا كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَحَمَلَا حَدِيثَ
عُثْمَانَ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى ذَلِكَ ، وَحَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ عَلَى عَدَمِ الْعُذْرِ . وَمَعْنَى ذَلِكَ : عُذْرٌ يُخَافُ مَعَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ أَذًى فَإِنَّهُ يُبِيحُ التَّظْلِيلَ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ ؛ لِأَنَّ مَا كُرِهَ فِي الْإِحْرَامِ جَازَ مَعَ الْحَاجَةِ ، وَمَا أُبِيحَ يَسِيرُهُ جَازَ كَثِيرُهُ مَعَ الْحَاجَةِ .
قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَاضِي
وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا : فَلَهُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3487يَسْتَظِلَّ بِثَوْبٍ يَنْصِبُهُ حِيَالَهُ يَقِيهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ ، عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ أَوْ أَمَامَهُ أَوْ وَرَاءَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُظَلَّلٌ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالْهَوْدَجِ وَالْعَمَّارِيَّةِ وَاللَّبْسَةِ .
[ ص: 77 ] وَظَاهِرُ كَلَامِ
أَحْمَدَ أَنَّ كُلَّ مَانِعِ وُصُولِ الشَّمْسِ إِلَى رَأْسِهِ فَهُوَ تَظْلِيلٌ سَوَاءٌ كَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ أَوْ كَانَ مِنْ بَعْضِ جِهَاتِهِ . وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ .
وَحَيْثُ كُرِهَ لَهُ التَّظْلِيلُ فَهَلْ تَجِبُ الْفِدْيَةُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ . فَإِنْ أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ كَانَ مُحْرِمًا ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْهَا كَانَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ . وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي - فِي الْمُجَرَّدِ -
وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا : لَا يَجُوزُ تَظْلِيلُ الْمَحْمِلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَفِي الْفِدْيَةِ رِوَايَتَانِ .
وَمَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْجَائِزَاتِ الَّتِي يَسْتَوِي طَرَفَاهَا ، بَلْ هُوَ ضِمْنُ الْمَتْبُوعَاتِ ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ حَرَامًا لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ فَهَذَا لَا يَكُونُ .
إِحْدَاهُمَا : يُوجِبُ الْفِدْيَةَ .
قَالَ - فِي رِوَايَةِ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ،
وَبَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ لَا يَسْتَظِلُّ الْمُحْرِمُ ، فَإِنِ اسْتَظَلَّ يَفْتَدِي بِصِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ بِمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=showalam&ids=167كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ . وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ .
وَالثَّانِيَةُ : لَا فِدْيَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ فَقَطْ ، قَالَ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13665الْأَثْرَمِ أَكْرَهُ ذَلِكَ ، فَقِيلَ لَهُ : فَإِنْ فَعَلَ يُهْرِيقُ دَمًا ؟ فَقَالَ : لَا ،
وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُغَلِّظُونَ فِيهِ . وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
الْفَضْلِ : الدَّمُ عِنْدِي كَثِيرٌ .
[ ص: 78 ] وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : سَأَلْتُ أَبِي عَنِ الْمُحْرِمِ يَسْتَظِلُّ ؟ قَالَ : لَا يَسْتَظِلُّ ، فَإِنِ اسْتَظَلَّ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَقَالَ أَيْضًا : سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحْرِمِ يُظَلَّلُ ؟ قَالَ : لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُظَلَّلَ ، قَالَ أَبِي يَسْتُرُ قَدْرَ مَا يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى حَدِيثِ
أُمِّ الْحُصَيْنِ ، وَقَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُحْرِمِ يَسْتَظِلُّ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ تَأْخُذُ بِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ : اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ ؟ قَالَ : لَا يَسْتَظِلُّ لِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ : "اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ " فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِظْلَالَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا إِلَّا الْيَسِيرَ لِحَاجَةٍ ، وَأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِيهِ ، وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمُتَأَخِّرَةُ ؛ لِأَنَّ رِوَايَاتِ
ابْنِ الْحَكَمِ قَدِيمَةٌ . قَالَ
أَبُو بَكْرٍ : وَبِهَذَا أَقُولُ وَهُوَ أَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَةُ ذَلِكَ لَمْ يَأْمُرِ الَّذِي فَعَلَهُ بِفِدْيَةٍ ، وَقَدْ رَفَعَ الظِّلَّ بِيَدِهِ .
وَلِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ نَوْعُهُ فِي الْجُمْلَةِ ، فَجَازَ مَا لَا يَدُومُ ، وَجَازَ مِنْهُ مَا لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّظَلُّلُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَمَحْظُورَاتُ الْإِحْرَامِ : يَجِبُ اجْتِنَابُهَا بِكُلِّ حَالٍ كَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ ، فَصَارَ فِي الْوَاجِبَاتِ كَالدَّفْعِ مِنْ
مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ - لَمَّا رُخِّصَ فِيهِ لِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ - عُلِمَ أَنَّهُ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ ، وَأَنَّ السُّنَّةَ تَرْكُهُ بِخِلَافِ الدَّفْعِ مِنْ
عَرَفَةَ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ .