الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث : أنه لا فرق بين الوطء قبل الوقوف بعرفة ، أو بعده إذا وقع قبل التحلل الأول في أنه يفسد الحج ، وعليه القضاء ، وهدي بدنة لما روى النجاد ، عن مجاهد عن عمر بن الخطاب قال : " يقضيان حجهما - والله أعلم بحجهما - وعليهما الحج من قابل ، ويفترقان من حيث وقع عليهما ، وينحر بدنة عنه وعنها " وعن الحكم بن عتيبة عن علي قال : " يفترقان ولا يجتمعان إلا وهما حلالان وينحر كل واحد منهما جزورا وعليهما الحج من قابل يحرمان بمثل ما كانا أحرما به في أول مرة ، فإذا مرا بالمكان الذي أصابها فيه تفرقا فلم يجتمعا إلا وهما حلالان .

[ ص: 233 ] وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - عن رجل أصاب امرأته وهو محرم - قال : " يمضيان لوجههما ، ثم يحجان من قابل ، ويحرمان من حيث أحرما ، ويتفرقان ويهديان جزورا " رواهن النجاد ، وقد تقدم عن ابن عباس مثل ذلك أيضا .

فهؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوجبوا عليه القضاء والبدنة جميعا . والهدي الذي فسروه هنا يبين الهدي المطلق الذي جاء في كلامهم ، وفي المرفوع المرسل : أن المراد به البدنة .

وهذا لأن الجماع فيه معنيان أنه محظور في الإحرام وهو أكبر المحظورات ، وأنه مفسد للإحرام . فمن حيث هو محظور : يوجب الفدية وهو أكبر مما يوجب شاة ، فأوجب بدنة ومن حيث فسد الإحرام : وجب قضاؤه ، فحجة القضاء هي الحجة التي التزمها أولا ، وهذا كالوطء في رمضان : يوجب الكفارة العظمى ويوجب القضاء .

وإنما لم يفرق بين ما قبل الوقوف وما بعده : لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئلوا عن المحرم إذا جامع امرأته : فأفتوا بما ذكرناه من غير استفصال ولا تفصيل وذلك يوجب عموم الحكم ، وفي أكثر مسائلهم لم يبين السائل أن الجماع كان قبل الوقوف . ولأن ما بعد الوقوف وقبل الرمي إحرام تام ففسد الحج بالوطء فيه كما قبل الوقوف ؛ وهذا لأن الوقوف يوجب إدراك الحج [ ص: 234 ] ويؤمن من فواته ، وإدراك العبادة في وقتها : لا يمنع ورود الفساد عليها ، كما لو أدرك ركعة من الصلاة : قبل خروج وقتها ، أو أدرك ركعة من الجمعة ، أو الجماعة مع الإمام : فإنه قد أدرك ، ومع هذا فلو ورد عليها الفساد : لفسدت . قال : .... ، ولأن كل ما أفسد العبادة إذا ورد قبل الخروج منها : أفسدها ، وإن كان قد مضى معظمها ، كما لو أكل قبيل غروب الشمس ، أو أحدث قبل السلام ، أو قبل القعدة الأخيرة .

فإن قيل : بعد الوقوف لم يبق عليه ركن إلا الطواف ، والوطء قبل الإفاضة وبعد التحلل لا يفسد ، فإذا لا يبطل قبل الإفاضة : لم يبق إلا واجبات من الوقوف بمزدلفة ورمي الجمرة ، وهذه لو تركها بالكلية لم يبطل حجه ، فأن لا يبطل إذا أفسدها : أولى وأحرى .

قيل العبادة بالكلية أخف من إبطالها ، ولهذا لو ترك صوم رمضان لم تجب عليه كفارة ، ولو جامع فيه مع النية : وجبت الكفارة ، ولو ترك حج النافلة : لم يكن عليه شيء ، ولو أبطله : لأثم ولزمه القضاء والهدي . وكذلك سائر الأعمال قد يكره إبطالها ، وإن لم يكره تركها . والصلاة في أول الوقت له تأخيرها ، وليس له إبطالها . فإذا وطئ : فقد راغم العبادة ، وتعدى الحد ، بخلاف التارك .

وأيضا فإنه لو ترك رمي الجمرة حتى فات وقتها ، أو ترك الحلق فإن إحرامه باق عليه حتى .....

التالي السابق


الخدمات العلمية