الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل )

ولا يجوز للمحرمة لبس القفازين ونحوهما ؛ وهو كل ما يصنع لستر اليدين إلى الكوعين . هذا نصه ومذهبه لا خلاف فيه . وكلام الشيخ هنا يقتضي جواز لبسهما ؛ لأنه لم يذكره ، وأباح لبس المخيط مطلقا . وهذا تساهل في اللفظ لا يؤخذ منه مذهب ؛ لأنه قد صرح بخلاف ذلك ، وذلك لما روى الليث عن نافع عن ابن عمر قال : قام رجل فقال : يا رسول الله : ماذا [ ص: 272 ] تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تلبس القميص ، ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرنس ، ولا الخفاف ، إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا شيئا مسه الزعفران والورس ، ولا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين " رواه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي .

وعن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى النساء في الإحرام عن القفازين والنقاب ، وما مس الورس والزعفران من الثياب " رواه أحمد وأبو داود .

وأيضا : فإن حق المحرم أن لا يلبس شيئا من اللباس المصنوع للبدن ، لكنه رخص للمرأة أن تلبس ما تدعو إليه الحاجة لأنها عورة .

ولا حاجة بها إلى أن تستر يدها بذلك ؛ لأن سترها يحصل بالكم وبإدخالها في العب ونحو ذلك فلا حاجة إلى صنع القفاز ونحوه كبدن الرجل لما أمكن ستره بالرداء ونحوه : لم يجز ستره بالقميص - وهذا بخلاف قدميها فإنها لو أمرت بلبس النعلين أيضا - فإن يديها تظهر غالبا ، فسترهما بالقفاز ونحوه صون لهما في حال الإحرام ، فلم يجز .

وقد سلك بعض أصحابنا في ذلك طريقة ؛ وهو أن اليدين ليستا من العورة ، فوجب كشفهما كالوجه ، وعكسه القدمان وسائر البدن ، وذلك لأن العورة يجب سترها بخلاف ما ليس بعورة . ومن سلك هذه الطريقة : جوز لها أن [ ص: 273 ] تصلي مكشوفة اليدين .

وهذه الطريقة فيها نظر لوجوه : أحدها : أن اليدين لا يجب كشفهما ، ولا يحرم تعمد تخميرهما بما لم يصنع على قدرهما بالإجماع ، فإن لها أن تقصد إدخال اليد في الكم وفي الجيب من غير حاجة ، ولو كان مطلق الستر حراما إلا لحاجة لما جاز ذلك .

الثاني : أن كون الوجه واليدين ليسا بعورة لا يبيح إبداءهما للرجال بكل حال ، وكون العضد والساق عورة لا يوجب سترهما في الخلوة ، وإنما يظهر أثر ذلك في الصلاة ونحوهما

التالي السابق


الخدمات العلمية