فصل . 
وأما الزينة في البدن مثل الكحل والخضاب ونحوهما ، فقال أحمد    -في رواية العباس بن محمد    - : ويكتحل بالإثمد المحرم ما لم يرد به الزينة  ، قلت : الرجال والنساء ؟ قال : نعم . 
وقال - في رواية  إسحاق بن منصور    - : ولا تكحل المرأة بالسواد إلا بالذرور . وقال - في رواية محمد بن حرب    - وقد سئل عن الخضاب للمحرم فقال : ليس بمنزلة الطيب ، ولكنه زينة وقد كره الزينة  عطاء  للمحرم . 
وقال - في رواية الميموني    - : الحناء مثل الزينة ، ومن يرخص في الريحان يرخص فيه . 
 [ ص: 103 ] وقال - في رواية حنبل    - وسئل عن المحرم يخضب رجله بالحناء إذا تشققت ، فقال : الحناء من الزينة ، ومن يرخص في الريحان يرخص في الحناء . 
قال أصحابنا : تكره الزينة للمحرم ، وتمنع المحرمة من الزينة ، ولا فدية في الزينة . 
ويحتمل كلام أحمد  أنه لا يكره الزينة ; لأنه رخص في الحلي ولم يجزم بالكراهة وإنما نقله عن  عطاء    ; لأن الزينة من دواعي النكاح فكره للمحرم كالطيب ، ولأن المعتدة لما منعت من النكاح منعت من الطيب والزينة ، والمحرمة تشبهها في المنع من عقد النكاح فكذلك في توابعه من الزينة والطيب . 
بخلاف الصائمة والمعتكفة ، فإنها لا تمنع من عقد النكاح وإنما تمنع من الوطء ; ولأن زمان الإحرام يطول كزمان العدة ، فالداعي إلى النكاح في المدة الطويلة وسيلة إليه في وقت النهي بخلاف ما قصر زمانه قد يستغنى بوقت الحل عن وقت الحظر . 
وقال ابن أبي موسى    : على المحرم أن يجتنب النساء والطيب والكحل المطيب ، والدواء الذي فيه طيب رطبا كان أو يابسا ، ثم قال فيما للمرأة وما تمنع منه : وليس لها أن تكتحل بما فيه طيب ، وما لا طيب فيه ، ففرق في الكحل الساذج بين الرجل والمرأة ، لكن المعتدة أشد من حيث تمنع من الخروج من منزلها ، فكانت أشد من المحرمة ، ولا فدية في الزينة ; لأن المتزين لا   [ ص: 104 ] يستمتع بذلك وإنما يستمتع به غيره منه ، فأشبه ما لو طيب المحرم الميت  ، فإنه لا فدية عليه بذلك . 
فأما الكحل إذا كان فيه طيب فإنه لا يجوز إلا لضرورة ، فيكتحل به ويفتدي . وإن لم يكن فيه طيب ولم يكن فيه زينة : فلا بأس به ، وإن كان فيه زينة ، مثل الكحل الأسود ونحوه : كره له ذلك إذا قصد به الاكتحال للزينة لا للمنفعة والتداوي ، ولا فدية فيه عند أصحابنا . 
وإن قصد به المنفعة وكانت به ضرورة إليه ، مثل : أن يخاف الرمد أو يكون أرمد أو نحو ذلك ، ولم يقم غيره مقامه جاز . 
قال عبد الله    : سمعت أبي يقول : ويغسل المحرم ثيابه ، ويدخل الحمام ويتداوى بالأكحال كلها ما لم يكن كحل فيه طيب . 
وأما إن قام غيره مقامه أو لم يكن ضرورة ، ولكن فيه منفعة جاز على ما ذكره - في رواية العباس بن محمد    - لأنه قال : يكتحل المحرم بالإثمد ما لم يرد به الزينة ، الرجال والنساء ، وكذلك على رواية عبد الله  جوز له التداوي بكل كحل لا طيب فيه ولم يفصل بين أن يقوم غيره مقامه أو لا يقوم . 
وأما على رواية ابن منصور    : لا تكتحل المرأة بالسواد إلا بالذرور : فيكره إذا كان فيه زينة ، وإن لم يقصد به الزينة إذا لم تدع إليه الضرورة ، وقد خص المرأة   [ ص: 105 ] بالذكر ; وذلك لما روى نبيه بن وهب    :   " أن  عمر بن عبيد الله بن معمر  اشتكى عينه وهو محرم ، فأراد أن يكحلها ، فنهاه  أبان بن عثمان  ، وأمره أن يضمدها بالصبر ، وحدثه عن عثمان  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يفعله ، وفي رواية فأرسل إليه أن أضمدهما بالصبر ، فإن عثمان  حدث عن رسول الله في الرجل إذا اشتكى عينيه وهو محرم ضمدهما بالصبر    " رواه مسلم    . 
فقد رخص له بالتضميد بالصبر مع الشكاة ، فعلم أنه لا يكتحل بما فيه زينة أو طيب إذا وجد عنه مندوحة ، وإن لم يقصد التزين . 
وعن  عطاء  قال : " تكتحل المحرمة بكل كحل إلا كحلا فيه طيب أو سواد فإنه زينة   . 
 [ ص: 106 ] وعن  مجاهد  قال : " لا تكتحل المحرمة بالإثمد ، قيل له : ليس فيه طيب . قال : لا فإنه زينة   . 
وعن إبراهيم  قال : لا بأس أن تكتحل المحرمة بالكحل الأحمر والذرور   . 
وعن  سعيد بن المسيب  قال : " يكتحل المحرم بالصبر "   . رواهن أحمد    . 
ووجه الأول : ما روى نافع  عن  ابن عمر    : " أنه اشتكى فأقطر الصبر في عينيه وهو محرم "   . 
وعنه قال يكتحل المحرم بأي كحل شاء ما لم يكن كحل فيه طيب " . رواهما أحمد    . 
وفي رواية : " أنه كان إذا رمد وهو محرم أقطر في عينيه الصبر إقطارا ، وأنه قال : يكتحل المحرم بأي كحل إذا رمد ما لم يكتحل بطيب ومن غير رمد " . رواه  الشافعي    . 
فأما الطيب فلا يجوز إلا لضرورة ، وعليه يحمل ما روى أحمد  عن  ابن عباس    : " أنه اكتحل بكحل فيه طيب وهو محرم    " وعليه الفدية . 
 [ ص: 107 ] وأما الخضاب بغير الحناء ، مثل الوشم والسواد والنيل ونحو ذلك مما ليس بطيب فهو زينة محضة . وإن كان من الطيب مثل الزعفران والورس ونحو ذلك لم يجز . 
وأما بالحناء فقد نص أحمد  على أنه ليس بطيب ولكنه زينة ، وقال أيضا : " هو مثل الزينة " ، وعلى هذا أصحابنا ، قالوا : " لأنه إنما يقصد لونه دون رائحته فأشبه الوشمة ونحوها " ، وشبهوه بالعصفر وبالفواكه في أن المقصود به غير الرائحة من طعم أو لون . 
وقول أحمد    : " من يرخص في الريحان يرخص في الحناء " دليل على أنه عنده بمنزلة الريحان في كونه نباتا له رائحة طيبة ، ولا يتخذ للتطيب . فعلى هذا إذا منعنا من الريحان منعنا من الحناء . 
ويتوجه أن لا يكره بحال ; لأن أحمد  قال : " من رخص في الريحان رخص فيه " ولم يقل : من منع من الريحان ; لأنه أولى بالرخصة من الريحان إذ الريحان يقصد شمه ، والحناء لا يقصد شمه فلا يلزم من كراهة الريحان كراهته كما لم يكره المعصفر ، فإذا كان زينة كره لغير حاجة كما ذكره في رواية  ابن أبي حرب  وعلى ذلك أصحابنا . 
ويحتمل قوله الرخصة مطلقا ; لأنه قال : " ومن يرخص في الريحان يرخص فيه " ، والريحان على إحدى الروايتين لا كراهة فيه ; ولأنه إنما نقل الكراهة عن  عطاء    . 
 [ ص: 108 ] فأما لحاجة فلا يكره كما قال - في رواية حنبل    - وعلى ذلك يحمل ما روي عن عكرمة    : " أن  عائشة  وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يختضبن وهن حرم "   . رواه ابن المنذر    . 
قال أصحابنا : " وإذا اختضبت ولفت على يديها لفائف وشدتها افتدت كما لو لبست القفازين ، وكذلك كل خرقة تلفها على يديها وتشدها ; لأن شدها يجعلها بمنزلة القفازين في كونه شيئا مصنوعا لليد وكذلك الرجل . وإن لفتها من غير شد لم تفتد ; لأنه بمنزلة ما لو وضعت يدها في كمها ، وكالعمامة التي يلقها الرجل على بطنه ، فإن غرزت طرف اللفافة في لفة تحتها ... 
وأما النظر في المرآة ، فقال أحمد    : " ينظر المحرم في المرآة ولا يصلح شيئا " ، قال أصحابنا : " ينظر في المرآة ولا يصلح شعثا ولا يزيل غبارا " ، ولفظ بعضهم : " ينظر إلا للزينة " ; لما روى أحمد  عن عكرمة  عن  ابن عباس  قال : " لا بأس أن ينظر المحرم في المرآة "   . 
 [ ص: 109 ] وعن نافع  قال : " رأيت  ابن عمر  ينظر في المرآة وهو محرم    "   . 
وعن كثير بن عباس  وتمام بن عباس   وكريب مولى ابن عباس    : " أنهم كانوا ينظرون في المرآة وهم محرمون "   . 
وعن الحسن  وابن سيرين   وعطاء  وطاوس  وعكرمة    : " أنه لا بأس بذلك " ، إلا أن  عطاء  قال : " لا بأس أن ينظر المحرم في المرآة ليميط بها الأذى فأما الزينة فلا "   . 
وروى مالك  عن  ابن عمر    : " أنه نظر في المرآة من شكوى كان بعينيه وهو محرم "   . 
وإنما قلنا : " لا يزيل شعثا ولا ينفض غبارا ; لأن المحرم الأشعث الأغبر " . 
				
						
						
